شهداء المذبحة علماء رُبطت أيديهم وأرجلهم وانهالوا عليهم بالعصي.. فقئت أعينهم وكسرت جماجمهم وخرجت أدمغتهم وسحبت ألسنتهم!
هكذا بدأ قتل المسلمين وحرق أحيائهم وقراهم كاملة على مرأى من الشرطة الماغية البوذية!
جمهورية اتحاد ميانمار أو «بورما» الاسم الرسمي للدولة، وهي إحدى دول جنوب شرق آسيا. في 1 أبريل 1937 انفصلت عن حكومة الهند البريطانية, حيث كانت إحدى ولاياتها وتتألف من اتحاد عدة ولايات هي بورما وكارن وكابا وشان وكاشين وشن.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء أعادت بريطانيا ضمها كمستعمرة، حتى إن الصراع الداخلي بين البورميين أنفسهم كان ينقسم بين موالٍ لبريطانيا وموالٍ لليابان ومعارض لكلا التدخلين, وقد نالت استقلالها أخيرًا سنة1948م وانفصلت عن الاستعمار البريطاني.
يسمى سكان بورما بالبورميين وأغلبهم من البوذيين ويقطنون في قرى حول الدلتا وحول وادي نهر أراوادوي، والأغلبية من أصول من وسط آسيا وفدوا إلى المنطقة وهي أكبر مجموعة عرقية في البلاد تشمل نحو ثلثي السكان، أما المجموعات الأخرى فهي تشمل الكارين وشان والأراكانيس وتشين وكاشين ومون وناجا ووا، حيث يسكن حوالي 75% منهم في المناطق الريفية والبقية في المدن، والعجيب في الأمر هو أن أكثر المسلمين الأراكانيين ينحدرون من أصول عربية، حيث يعود نسبهم إلى المسلمين في اليمن والجزيرة العربية وبعض إلى بلاد الشام والعراق والقليل منهم من أصول فارسية، ويوجد أيضًا عدد آخر ولكن أقل بقليل من أصول بنغلاديشية وهندية، وقد وصل هؤلاء المسلمون إلى أراكان وجارتها بنغلاديش بغرض التجارة ونشر الإسلام وهناك استقر كثير منهم ونشروا تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
يوجد في بورما عدة ديانات ولكن أكثر سكانها يعتنقون البوذية، وهناك أقلية يعتنقون الإسلام وهم يتركزون في العاصمة رانجون، ومدينة ماندلاي ثم في إقليم أراكان في الشمال على حدود الهند، 70% من السكان بوذيون، و20% مسلمون ، و5% مسيحيون، و3% هندوسيون، و2% ديانات أخرى تشمل الإحيائية والديانة الصينية الشعبية.
يبلغ عدد المسلمين حاليًّا عشرة ملايين مسلم من بين مجموع سكانها البالغ خمسين مليون نسمة، أي 20% من إجمالي عدد سكان بورما، أربعة ملايين منهم في أراكان، والبقية منتشرون في جميع المناطق، أما في أراكان وحدها فتبلغ نسبة المسلمين 70%، منهم حوالي أكثر من مليوني مسلم من الشعب الروهنجيا يعيشون حياة المنفى والهجرة في مختلف دول العالم.
قامت بورما بعد استقلالها بقتل وتشريد المسلمين في جميع مناطق بورما حتى في العاصمة رانجون، واضطر أكثر من 500.000 خمسمائة ألف مسلم إلى مغادرة بورما.. فما قصة دخول الإسلام إلى بورما؟
يذكر المؤرخون أن الإسلام وصل إلى أراكان في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن السابع الميلادي عن طريق التجار العرب حتى أصبحت دولة مستقلة حكمها 48 ملكًا مسلمًا على التوالي، وذلك لأكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن ما بين عامي 1430م – 1784م، وقد تركوا آثارًا إسلامية من مساجد ومدارس وأربطة، منها مسجد بدر المقام في أراكان والمشهور جدًّا، ويوجد عدد من المساجد بهذا الاسم في المناطق الساحلية في كل من الهند وبنغلاديش وبورما وتايلاند وماليزيا وغيرها، ومسجد سندي خان الذي بني في عام 1430م.
يقول زعماء الجالية المسلمة في العاصمة رانجون: إن الإسلام دخل بورما منذ القرن الأول الهجري على أيدي التجار العرب في حين تقول السلطات إنه دخل قبيل الاحتلال البريطاني للبلاد عام 1824م، ومن هذا المنطلق يتم حرمان كل مسلم لا يستطيع إثبات جذوره في البلاد قبل هذا العام من الجنسية.
في عام 1784م احتل أراكان الملك البوذي البورمي بوداباي، وضم الإقليم إلى بورما، خوفًا من انتشار الإسلام في المنطقة، وعاث في الأرض فسادًا، إذ دمَّر كثيرًا من الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس، وقتل العلماء والدعاة، واستمرَّ البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم، وتشجيع البوذيين الماغ على ذلك خلال فترة احتلال طالت أربعين سنة وانتهت بمجيء الاستعمار البريطاني، وفي عام 1824م احتلت بريطانيا بورما، وضمتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية، وظل هذا الاستعمار أكثر من 100 عام.
وفي عام 1937م جعلت بريطانيا بورما مع أراكان مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية، كباقي مستعمراتها في الإمبراطورية، وعُرفت بحكومة بورما البريطانية.
وفي عام 1942م تعرض المسلمون لمذبحة وحشية كبرى من قِبَل البوذيين الماغ بعد حصولهم على الأسلحة والإمداد من قِبَل البوذيين البورمان والمستعمرين وغيرهم، راح ضحيتها أكثر من 100 ألف مسلم أغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشُرِّد أكثر من 500 ألف مسلم إلى خارج الوطن، ومن شدة قسوتها وفظاعتها لا يزال الناس- خاصة كبار السن- يذكرون مآسيها حتى الآن، ويؤرخون بها، ورجحت بذلك كفة البوذيين الماغ، وفي عام 1947م قبيل استقلال بورما عُقد مؤتمر عام في مدينة بنج لونج للتحضير للاستقلال، ودُعيت إليه جميع الفئات والعرقيات إلا المسلمين الروهينجا لإبعادهم عن سير الأحداث وتقرير مصيرهم.
وفي عام 1948م منحت بريطانيا الاستقلال لبورما شرط أن تُمنح لكل العرقيات الاستقلال عنها بعد 10 سنوات إذا رغبت في ذلك، ولكن ما إن حصل البورمان على الاستقلال حتى نقضوا عهودهم، ونكثوا على أعقابهم, إذ استمروا في احتلال أراكان بدون رغبة سكانها من المسلمين الروهينجا والبوذيين الماغ أيضًا، وكان أول خطتها برمنة جميع الشعوب والأقليات التي تعيش في بورما، وفعلًا نجحت في تطبيق خطتها في خلال عدة سنوات, لكنها فشلت تمامًا في حق المسلمين، فلا يوجد أحد من المسلمين ارتد عن الإسلام واعتنق الديانة البوذية أو أي دين آخر، وقد أوغر هذا الأمر صدور المعتدين، وقاموا بممارسات بشعة ضد المسلمين.
وقررت الحكومة البورمية بعد ذلك القضاء على المسلمين، واقتلاع جذور الإسلام من أرض بورما، وذلك بقتل ونهب وتشريد المسلمين ومسخ هويتهم وطمس شعائرهم وتراثهم، وتغيير معالمهم وثقافتهم، ودس السموم في نفوسهم، وما إلى ذلك من الأساليب والبرامج للظلم والعدوان، ومنذ أن استولى الجيش على مقاليد الحكم عام 1962م اشتدت المظالم على المسلمين بطريق أوسع من السابق, حتى إن يد الغدر امتدت للروهنجيين الذي كان لهم الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في طرد الاستعمار البريطاني من البلاد, وهكذا تدهورت أوضاعهم، واتجهت الدولة إلى طردهم من الوظائف الحكومية والجيش، وفي عام 1978م شردت بورما أكثر من300 ألف مسلم إلى بنجلاديش, وفي عام 1992م شردت بورما حوالي 300 ألف مسلم إلى بنجلاديش مرة أخرى.
بداية المأساة الجديدة
مع حلول الديموقراطية في ميانمار (بورما) حصلت ولاية أراكان ذات الأغلبية الماغيّة على 36 مقعدًا في البرلمان، أعطي منها 43 مقعدًا للبوذيين الماغين و3مقاعد فقط للمسلمين, ولكن وبالرغم هذه المشاركة من المسلمين الروهنجيين لم تعترف الحكومة الديموقراطية التي مازالت في قبضة العسكريين الفاشيين بالعرقية الروهنجيّة إلى الآن رغم المطالبات الدولية المستمرّة.
وقبل انفجار الأزمة الحالية في 18/7/1433هـ الموافق 8/6/2012م بأيام أعلنت الحكومة الميانمارية البورمية أنّها ستمنح بطاقة المواطنة للروهنجيين في أراكان فكان هذا الإعلان بالنسبة للماغين صفعة على وجوههم, فهم يدركون تمامًا معنى ذلك وتأثيره على نتائج التصويت– في ظلّ الحكومة الجمهورية الوليدة– ويعرفون أن هذا القرار من شأنه أن يؤثر في انتشار الإسلام في أراكان, حيث إنّ الماغين يحلمون بأن تكون أراكان منطقة خاصة بهم لا يسكنها غيرهم.
بدأ الماغين بعد ذلك يخططون لإحداث أي فوضى في صفوف المسلمين، ليكون ذلك مبررًا لهم لتغيير موقف الحكومة تجاه المسلمين الروهنجيين فيصورونهم على أنهم إرهابيون ودخلاء، ويتوقف قرار الاعتراف بهم أو يتم تأجيله, وأيضًا لخلق فرصة لإبادة الشعب الروهنجي المسلم مع غياب الإعلام الخارجي كليًّا، وسيطرة الماغين على مقاليد الأمور في ولاية أراكان.
البداية المفبركة
عمد الماغيون في بلدة تاس ونجوك البوذيّة التي يندر وجود المسلمين فيها، والواقعة في الطريق المؤدّي إلى العاصمة رانغون برصد تحركات المسلمين، فاتجهت- قدرًا- حافلة تقلّ مجموعة من العلماء والدعاة المسلمين منهم من عاصمة بورما (رانغون) ومن عاصمة ولاية أراكان (إكياب – سيتوي) وحين وصلوا إلى البلدة المذكورة هاجمهم مجموعة من الماغين البوذيين وأمسكوا بهم، فوقعت المأساة والمذبحة البشعة فاجتمع على ضربهم وقتلهم قرابة الـ 466 من الماغين الحاقدين في صورة تنعدم عندها كلّ معاني الإنسانيّة.
والمتأمل لصور شهداء المذبحة يدرك تمامًا أن هؤلاء الدعاة– رحمهم الله- تمّ ربط أيديهم وأرجلهم, ثمّ انهال الجميع بضربهم ضربًا مبرحًا بالعصي على وجوههم ورؤوسهم، فلا ترى إلا وجوهًا محتقنة بالدماء والنزيف الداخلي للدماغ والوجه واضح جدًّا، وقد فقئت أعينهم وكسرت جماجمهم وخرجت أدمغتهم.. وسحبت ألسنتهم فلا يعلم إلا الله كم عانوا من الألم قبل أن تخرج أرواحهم!
التبرير الساذج للمذبحة
وحتّى يثير الماغين الفتنة, ويخلقوا موقفًا لتبرير جريمتهم ادّعوا أنّهم فعلوا ذلك انتقامًا لمقتل فتاة بوذيّة زعموا أن أحد المسلمين اغتصبها وقتلها, مع العلم بأنّ حادثة الفتاة- إن صدقوا فيها- حصلت في بلدة يندر فيها وجود المسلمين، كما أن هؤلاء الدعاة ليسوا من تلك البلدة وإنّما كانوا مارّين بها، إضافة إلى أنهم مواطنون أصليون من العاصمة رانغون وليسوا من مقاطعات أراكان ويتكلمون لغة الماغ بطلاقة وهم من كبار السنّ وقد علاهم الشيب وغطّت وجوههم اللحى.
موقف الحكومة
وبالطبع كان موقف الحكومة مخجلًا ومتواطئًا مع البوذيين ضدّ المسلمين, حيث قامت بالقبض على 4 من المسلمين بدعوى الاشتباه بهم في قضية الفتاة, وتركوا الـ466 الذين شاركوا في قتل هؤلاء الأبرياء, مما يوضح بجلاء أنّ القضيّة ليست قضيّة فتاة إنما هي دعوى ترويجيّة لإحداث الفوضى وإبادة المسلمين بمباركة من الحكومة وإعادة ما حصل قبل ستة عقود.
تطورات القضيّة
وفي يوم الجمعة 19/7/1433هـ الموافق 3/6/2012م يوم اندلاع الثورة أحاط الجيش والشرطة البوذيّة بشوارع المسلمين تحسّبًا لأيّ عملية مظاهرات وشغب في أراكان وبالتحديد في مانغدو ومنعوا المصلين من الخروج دفعةً واحدة, وأثناء خروجهم قام الرهبان البوذيون الماغ برمي الحجارة عليهم حتى أصيب عدد منهم, فثار المسلمون وقاموا بردة فعل, وقد احتقنت النفوس على قتل الدعاة العشرة وضياع حقوقهم طيلة العقود الماضية, فقاموا بأعمال شغب، وكانت هذه هي الفرصة التي كان ينتظرها الماغ ليردّوا عليها بإبادة شعب كامل, وبعدها تدخّل الجيش والتزم المسلمون بالتهدئة ورجعوا لمنازلهم وتمّ فرض حظر التجوّل على الطرفين فتمّت محاصرة أحياء الروهنجيين المسلمين حصارًا محكمًا من قبل الشرطة البوذية الماغيّة, وفي المقابل ترك الحبل على الغارب للماغ البوذيين يعيثون في الأرض الفساد, ويزحفون على قرى ومنازل المسلمين بالسواطير والسيوف والسكاكين, فبدأت حملة الإبادة المنظمة ضدّ المسلمين والتي شارك فيها حتّى كبار السن والنساء, أمّا المسلمون العزّل فكلّ ما كان يحملونه عند ثورتهم بعد الجمعة مجرّد عصيّ وأخشاب لدى بعضهم, وهكذا بدأ القتل في المسلمين وحرق أحياء وقرى كاملة للمسلمين بمرأى من الشرطة الماغية البوذية وأمام صمت الحكومة التي اكتفت ببعض النداءات لتهدئة الأوضاع.
تهجير المسلمين من أكياب- سيتوي
ومما يدل أيضًا على أن المسألة مسألة تطهير عرقيّ وإبادة جماعيّة للروهنجيين المسلمين, ما قام به البوذيون الماغين، حيث استغلوا فرض حظر التجول في المناطق ذات الأغلبية المسلمة وضمنوا عدم استطاعة زحفهم تجاه عاصمة أراكان إكياب، وهي مدينة بعيدة عن تجمع المسلمين مثل مانغدو وراثيدونغ وغيرها، وقاموا بحرق أحيائهم بالكامل, وبدأ النزوح الجماعي للمسلمين من إكياب ومانغدو بعد أن احترقت منازلهم وصاروا يهيمون على وجوههم في كلّ مكان, بأجساد عارية ليس عليها إلا خرق بالية, وبدأ تهجيرهم وطردهم والدفع بهم في عرض البحر على سفن متهالكة بلا طعام ولا شراب, وهكذا بدأت رحلة المجهول على قوارب الموت مسلمّين أمرهم إلى الله وقد علت أصواتهم بالاستغاثة والالتجاء لله, وبحت أصواتهم وأصوات أطفالهم ونسائهم بالبكاء, وقد انتهى مصيرهم بالوصول إلى الدول المتاخمة وهم في حالة بين الحياة والموت، بل كثير منهم كان قد فارق الحياة.
وعلى الرغم من مناقشة قضية الأراكانيين الروهنجيين من قبل الأمم المتحدة ومنظمة آسيان, ومنظمة المؤتمر الإسلامي منذ عقدين فإن شيئًا لم يتغيّر، بل ازداد الأمر سوءًا، ففي ظل سكوت العالم اليوم عن هذه القضية كما سكت بالأمس فإن البوذيين لن يتوانوا في إعادة مسلسل جرائمهم من جديد والذي بدأوه قبل 60 عامًا حين أيقنوا أن العالم في سبات عميق تجاه ما يقترفونه في حق المسلمين في إقليم أراكان من أبشع صور القتل والتعذيب والتهجير وحرق المنازل والأحياء بمن فيها.
نداء إلى المسلمين في كل مكان!
ورد في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئًا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». وفيهما عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه».
المسلمون في بورما إخوة لنا بحاجة إلى من ينصرهم ويمد لهم يد العون والمساعدة، وهذه دعوة لنصرتهم.. ونذكركم بالدعاء.
المصدر : البشرى