وكالة أنباء أراكان ANA: (شؤون خليجية)
بعد مطالبات عديدة بالحصول على الجنسية أو على الأقل تكييف أوضاعهم القانونية، بات الآن بإمكان المقيم البرماوي بالمملكة العربية السعودية الحصول على الإقامة التصحيحية.
وظلت أوضاع نحو ربع مليون من الجالية الروهنجية (البرماوية) في السعودية، عالقة لسنوات عدة قد تصل إلى 70 سنة، لتنذر بقنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه المجتمع السعودي في أي وقت.
وينتسب البرماوية إلى دولة بورما، اتحاد ميانمار حاليًّا، وتقع في جنوب شرق آسيا.
وأوضح شيخ الجالية البرماوية في مكة المكرمة، أبو الشمع عبد المجيد – خلال تصريحات صحفية يوم الأحد – أن أبناء جاليته يعيشون على أرض المملكة منذ ما يزيد على 70 عاماً، قادمين من وطنهم هربا مما يعانونه من ظلم وتعذيب من الحكومة البورمية والجماعات المتطرفة، والتنكيل بالمسلمين في بلادهم، مثمناً دور الحكومة السعودية في مساعدة الجالية الروهنجية، والوقوف في صف المسلمين ضد عمليات الإجرام في بلادهم.
وأكد أن الإجراءات التصحيحية الأخيرة التي أقرتها الحكومة السعودية، ممثلة في إمارة منطقة مكة المكرمة وتوجيهات الأمير خالد الفيصل بمنح الإقامات المجانية لأبناء الجالية، أسهمت في حل الكثير من المشكلات التي كانت تواجههم، وتسهيل سبل التنقل والإقامة من خلال إصدار الإقامات التعريفية لأبناء الجالية الروهنجية.
وأشار إلى أن الأبناء الذين كانوا يدرسون في المدارس الخيرية الأهلية الخاصة بالجالية أصبح بإمكانهم بعد منحهم الإقامة الدراسة في المدارس العامة من المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الثانوية.
وأوضح أن أفراد الجالية البرماوية في السعودية يقدرون بأكثر من ربع مليون نسمة، الذين تم تعريفهم حتى الآن، وذلك من خلال لجنة تصحيح أوضاع الجالية البرماوية في إمارة مكة المكرمة، واعتماد التعرفة من مجالس الأحياء المتعددة في المنطقة.
فيما توالت ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي حول الخبر ما بين مؤيد ومعارض وطامح لما هو أكثر من توفيق الأوضاع.
يقول سالم: “أتمنى من الحكومة السعودية الضغط على حكومة بورما لتحسن معاملة الأقلية المسلمة في بلادها، وأن تحرض كل الدول أن تحذو حذوها في هذا الضغط لأن الحكومة البورمية لن تحسن معاملتها للأقلية المسلمة إلا إذا شعرت أنها ستخسر علاقاتها مع دول كثيرة”.
فيما قال مورد: “الروهنجيا تسمية فضفاضة تسمح لكل بنغالي بادعائها، وأمر منحهم الإقامة أمر كريم يحتاج صونه للحيطة والحذر حتى لا يصير ألف فقط من المليون بنغالي في المملكة رصيدا للإرهاب، خاصة مع جهلنا لغتهم وقبائلهم وعوائلهم وأحوالهم الفكرية والاعتقادية. كان الأولى أن نستضيف بعض العرب من أهل فلسطين”.
وقد سبق وأن أصدر الملك الراحل “عبدالله بن عبدالعزيز” توجيها بتصحيح أوضاع أبناء الجالية البرماوية في المملكة، منذ 2003، ولكنه لم ينفذ، كما دشن الأمير خالد الفيصل -أمير منطقة مكة المكرمة وقتها – اللجنة الإنسانية للجالية البرماوية للإفادة في كافة الخدمات على الأصعدة الصحية، والتعليمية، والاجتماعية.
وبدأت هجرة البرماويين إلى المملكة السعودية منذ الستينيات الهجرية، يحدوهم الشوق إلى مجاورة بيت الله الحرام لقضاء بقيّة حياتهم في العبادة، بعد حملات الإجلاء الإجبارية فاضطروا للفرار بدينهم وعقيدتهم، يطرقون أبواب الدول الإسلامية المجاورة كباكستان الشرقية (بنجلاديش الآن) وباكستان الغربية، وتايلاند، والهند، وماليزيا، وبعض دول الخليج، وكلما زاد بطش البوذيين بالمسلمين خرج ثلة من المسلمين وهاجروا إلى بلدان شتى.
وتقع بورما في جنوب شرق آسيا، تحدّها من الشمال الصين، ومن الجنوب خليج البنغال وتايلند، ومن الشرق تايلند والصين وجمهورية لاوس، ومن الغرب خليج البنغال وبنغلاديش.
وهي تتكوّن من عدّة ولايات، ومن أهمّها : ولاية (أراكان) التي يتمركز فيها المسلمون من شعب (الروهنجيا) ويبلغون 15% من نسبة السكّان والذين يبلغ عددهم 55 مليون نسمة، وغالبيتهم يعتنقون الديانة البوذية، حيث تعتبر بورما قبلة البوذيين، ويفد إليها بوذيو العالم على مدار العام.
وفي عام 1784م بدأت قصة الظلم والاضطهاد على أشده حينما احتل الملك البوذي (بودا باية) أراكان وضمها إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، وعاث في الأرض الفساد، ومن هنا بدأت قصّة معاناة شعب كامل من المسلمين، ضاعت فصولها وسط جراحات الأمّة المتتالية، مع أنّ مجريات تلك القصّة الدامية سبقت قضيّة أمتنا الكبرى (فلسطين).. ولكن شتّان ما بين القضيّتين في الإعلام الدولي، مع أنّ معاناة مسلمي بورما كانت أنكى وأشد!!
دمّر البوذيون كثيراً من الآثار الإسلامية والمساجد، والمدارس، وقتلوا العلماء والدعاة، وأمعنوا في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم، فساموا أهلها سوء العذاب، وأنزلوا عليهم أقسى أنواع الظلم والقسوة، وأحرقت منازلهم ومزارعهم، وأُسر فيها كثيرٌ من المسلمين، واستُخْدِمُوا كعبيد وأرقاء سُخِّروا لأعمالهم من بناء المعابد وحرث الأرض دون مقابل مادي.
واستمرت المعاناة إلى أن أتى الاستعمار البريطاني عام 1824م وضمها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية لمدة مائة عام تقريباً، ثم في عام 1937م جعلت بريطانيا بورما مع أراكان مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية كباقي مستعمراتها في الامبراطورية آنذاك، وعرفت بحكومة بورما البريطانية.
وفي عام 1947 م قبيل استقلال بورما عقد مؤتمر في مدينة (بنغ لونغ) البورمية للتحضير للاستقلال، دعيت إليه جميع الفئات والعرقيات إلا المسلمين لإبعادهم عن سير الأحداث وتقرير المصير، حتى كان يوم 4 يناير عام 1948م حيث منحت بريطانيا الاستقلال لبورما شريطة أن تمنح كل العرقيات الاستقلال عنها بعد عشر سنوات إن رغبوا في ذلك، وما إن حصل البورمان على الاستقلال حتى نقضوا عهودهم ونكصوا على أعقابهم، إذ استمروا في إحكام قبضتهم على أراكان، وقاموا بالممارسات البشعة ضد المسلمين، متجاهلين حقوق سكان أراكان المسلمين التاريخية والدينية والثقافية والجغرافية واللغوية والعرقية.
وما بين عام 1942م إلى 2000م، مورست ضدّ المسلمين 19 حملة تطهيريّة ومجازر جماعية يعجز البيان عن وصفها، راح ضحيّتها عشرات الآلاف من المسلمين العزّل، وأغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال.
أمّا حملات التهجير الجماعي والتشريد إلى المصير المجهول فيصل عددها إلى 6 حملات منظّمة بدأت من عام 1962م وحتّى عام 1991م.. شرد من خلالها قرابة مليون ونصف مسلم خارج وطنهم، وهكذا لا يكاد الأراكانيون يلتقطون أنفاسهم من محنة إلا وتغشاهم أخرى، واستمر الاضطهاد والظلم وإلغاء الحقوق والمواطنة تدريجياً إلى يومنا هذا.