تؤكد المعلومات والوثائق الصادرة عن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، أن المسلمين في أراكان في بورما (جمهورية ميانمار) يتعرضون للتعذيب والتشريد والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، وسلب أموالهم وممتلكاتهم منذ أكثر من 70 سنة.
وتقع دولة ميانمار حالياً في الجنوب الشرقي لقارة آسيا، ويحدُّها من الشمال الصين والهند، ومن الجنوب خليج البنغال والهند وبنغلاديش، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 50 مليون نسمة، وتُقدّر نسبة المسلمين بـ15% من مجموع السكان.
دخل الإسلام هذه الدولة عن طريق (أراكان) – ولاية ضمن جمهورية بورما، والتي تضم أكبر تجمّع لأهل هذا البلد- في القرن الأول الهجري عن طريق الصحابي الجليل وقّاص بن مالك رضي الله عنه، فيما يذكر مؤرخون أنّ الإسلام وصل إليها عبر (أراكان) في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد (رحمه الله) في القرن السابع الميلادي عن طريق التُّجار العرب، حيث أُعجب أهل بورما بأخلاقهم فدانوا بدينهم، وعملوا في الزراعة في البدء، ثم هيمنوا على التجارة واستوطنوا في كثير من البقاع. حتى أصبحت بعد ذلك دولة إسلامية حكمها 48 ملكاً مسلماً على التوالي ما بين عامي 1430-1784م، وكان لهم عملات نقدية تتضمن شعارات إسلامية مثل كلمة التوحيد. ومما يدلّ على قِدَم وجود المسلمين في هذه الدولة أيضاً بعض الآثار التاريخية كمسجد (بدر مقام) في (أكياب) عاصمة (أراكان)، (مسجد سندي خان) الذي بني منذ 560 عاما،ً ومسجد (الديوان موسى) الذي بُني عام 1258م، ومسجد (ولي خان) الذي بني في القرن الخامس عشر الميلادي.
البوذيون ثم الإنجليز
تعتبر “أراكان” ركناً من بورما، وتمثّل أكبر تجمّع إسلامي فيها، كما يوجد تجمّعات أخرى للمسلمين في كل من: (ماندلي وديفيو وشاه ومكاياه والعاصمة رانجون) وغيرها، حيث يقع على تلك التجمّعات أعظم ضغط جماعي مِن قِبل حكومة بورما العسكرية. أما العنصران الأساسيان من سكانها والموجودان فيها حالياً هما: (الروهنجيا) الذين يدينون بالإسلام وينحدّرون من جذور عربية وفارسية وهندية وتركية، أما لغتهم فخليط من البنغالية والفارسية والعربية، و(الماغو) الذين يؤمنون بالبوذية، بالإضافة إلى أقليات عرقية متعددة.
احتُلت أراكان من قِبَل الملك البوذي (بوداباي) عام 1784م الذي قام بضم الإقليم إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين الماغ على ذلك طِوال فترة احتلالهم.
في عام 1824م احتلت بريطانيا بورما، وضمّتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية. وفي عام 1937م جعلت بريطانيا بورما مع (أراكان) مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية كباقي مستعمراتها في الإمبراطورية آنذاك، وعُرفت بحكومة بورما البريطانية. واجه المسلمون الاستعمار الإنجليزي بقوة مما جعل بريطانيا تخشاهم، فبدأت حملتها للتخلّص من نفوذ المسلمين باعتماد سياساتها المعروفة (فرِّق تَسُد) فعَمَدَتْ على تحريض البوذيين ضد المسلمين، وأمدّتهم بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين مذبحةً عام م1942 فتكوا خلالها بحوالي مائة ألف مسلم في أراكان.
وفي4 كانون الثاني عام 1948م، منحت بريطانيا الاستقلال لبورما شريطة أن تمنح لكل العرقيات الاستقلال عنها بعد عشر سنوات إذا رغبت في ذلك، ولكن ما أن حصل البورمان على الاستقلال حتى نقضوا عهودهم، ونكثوا على أعقابهم، واستمروا في احتلال أراكان بدون رغبة سكانها من المسلمين الروهينغا والبوذيين الماغ أيضاً، وقاموا بالممارسات البشعة ضد المسلمين.
ممارسات عنصرية
في 10 يونيو 2012م تم فرض حظر التجول على المناطق التي تقطنها الأقلية المسلمة، وبعدها قامت الجماعات البوذية بتعاون من رجال الشرطة والجيش وقوات حرس الحدود بحملة تطهير عرقي وديني راح ضحيتها آلاف من المسلمين الأبرياء بين القتلى والمصابين بالجروح، كما أن البوذيين أحرقوا أكثر من ثلاثة آلاف منزل من منازل المسلمين.وهذه الأحداث ليست وليدة المصادفة بل هي حلقة من سلسلة حلقات هدفها ابادة المسلمين البورميين، فقد تعرض المسلمون هناك وخصوصاً في (أراكان) لسلسلة لا تنتهي من أعمال الشغب التي يذهب ضحيتها الأرواح والممتلكات، ولم تتخذ السلطات أية إجراءات أمنية لحماية المسلمين.ويورد محمد بن ناصر العبودي في كتابه “ بورما الخبر والعيان “ مجموعة كبيرة من سلوكيات الاضطهاد التي يتعرض لها المسلمون في بورما مثل أن يطوف الجنود البورماويون وهيئات التنفيذ القضائي وسفاحو (الماغ) البوذيين بأنحاء القرى المسلمة حيث يقومون بإذلال كبار السن وضرب الشباب المسلم ودخول المنازل وسلب الممتلكات.ويتم إرغام المسلمين على تقديم الأرز والدواجن والماعز وحطب النار ومواد البناء بالمجّان طِوال العام إلى الجنود وهيئات التنفيذ القانونية.
وعلى الصعيد السكاني فإن الحكومة ما زالت تقوم بإحداث تغييرات ملموسة في التركيبة السكانية لمناطق المسلمين. فلا توجد أية قرية أو منطقة إلا وأنشأت فيها منازل للمستوطنين البوذيين سلّمتهم السلطة فيها. ومنذ عام 1988م قامت الحكومة بإنشاء ما يسمى بـ”القرى النموذجية” في شمال (أراكان)، حتى يتسنّى تشجيع أُسَر البوذيين على الاستيطان في هذه المناطق.كما لا يُسمح للمسلمين باستضافة أحد في بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق، أما المَبيت فيُمنع منعاً باتاً، ويعتبر جريمة كبرى ربما يعاقَبُ عليها بهدم منزله أو اعتقاله أو طرده من البلاد هو وأسرته.
ويحرم أبناء المسلمين من مواصلة التعلُّم في الكليات والجامعات، ومن يذهب للخارج يُطوى قيده من سجلات القرية، أما إذا عاد فيُعتقل عند عودته، ويُرمى به في غياهب السجون.ويفرض على المسلمين العمل القسري لدى الجيش أثناء التنقلات أو بناء ثكنات عسكرية أو شق طرق وغير ذلك من الأعمال الحكومية أو في بناء الطرق والسدود سخرة دون مقابل. الى جانب عدم السماح للمسلمين بالانتقال من مكان إلى آخر دون تصريح، الذي يَصعُب الحصول عليه. كما يتمّ حجز جوازات السفر الخاصة بالمسلمين لدى الحكومة ولا يُسمح لهم بالسفر للخارج إلا بإذن رسمي، ويُعتبر السفر إلى عاصمة الدولة (رانغون) أو أية مدينة أخرى جريمة يُعاقب عليها.
ومن الممارسات أيضا ضد المسلمين هناك ، إرغام الطلاب المسلمين في المدارس الحكومية على الانحناء للعَلَم البورمي. اضافة للطرد أو التهجير الجماعي المتكرر خارج الوطن مثلما حصل في عام 1962م عقب الانقلاب العسكري الفاشي حيث طرد أكثر من 300.000 مسلم إلى بنغلاديش. وفي عام 1978م طرد أكثر من (500.000) أي نصف مليون مسلم، في أوضاع قاسية جداً، مات منهم قرابة 40.000 من الشيوخ والنساء والأطفال حسب إحصائية وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وفي عام 1988م تم طرد أكثر من 150.000 مسلم، بسبب بناء القرى النموذجية للبوذيين في محاولة للتغيير الديموغرافي. وفي عام 1991م تم طرد قرابة (500.000) أي نصف مليون مسلم، وذلك عقب إلغاء نتائج الانتخابات العامة التي فازت فيها المعارضة بأغلبية ساحقة، انتقاماً من المسلمين لأنهم صوتوا مع عامة أهل البلاد لصالح الحزب الوطني الديمقراطي المعارض.
ويضاف لكل ذلك إصدار قانون الجنسية الجديد الذي صدر عام 1982 وهو يُقسّم المواطنين إلى ثلاث درجات يأتي في الأخيرة المسلمون حيث صُنِّفوا على أنهم أجانب دخلوا (بورما) لاجئين أثناء الاحتلال البريطاني حسب مزاعم الحكومة فسُحبت جنسيات المسلمين وصاروا بلا هوية وحُرموا من كل الأعمال وصار بإمكان الحكومة ترحيلهم متى شاءت.
اضطهاد اقتصادي
وفي الجانب الاقتصادي تُصادر الحكومة البورمية أراضي المسلمين وقوارب صيد السمك دون سبب واضح. وتفرض الضرائب الباهظة على كل شيء، والغرامات المالية، ومنع بيع المحاصيل إلا للعسكر أو من يُمثّلُهم بسعر زهيد بهدف إبقاء المسلمين فقراء، أو لإجبارهم على ترك الديار. ويمنع المسلمون من شراء الآلات الزراعية الحديثة لتطوير مشاريعهم الزراعية. ويتم إلغاء العملات المتداوَلة بين وقت وآخر من دون تعويض، ودون إنذار مسبق. كما يتم إحراق محاصيل المسلمين الزراعية وقتل مواشيهم. ولا يسمح للمسلمين بالعمل ضمن القطاع الصناعي في (أراكان).
ممارسات ضدية دينية
لا تسمح الحكومة بطباعة الكتب الدينية وإصدار المطبوعات الإسلامية إلا بعد إجازتها من الجهات الحكومية وهذا أمر صعب جدا. ولا يسمح للمسلمين بإطلاق لِحاهُم أو لبس الزيّ الإسلامي في أماكن عملهم. الى جانب مصادرة الحكومة ممتلكات الأوقاف والمقابر المخصصة لدفن المسلمين وتُوزّعها على غيرهم أو وتحوّلها إلى مراحيض عامة أو حظائر للخنازير والمواشي. كما يتعرّض كبار علماء الدين للامتهان والضرب ويتم إرغامهم على العمل في معسكرات الاعتقال. ويُمنع استخدام مكبرات الصوت لإطلاق أذان الصلاة، ولقد مُنع الأذان للصلاة بعد رمضان 1403 هـ. وتتدخل الحكومة بطريقة غير مشروعة في إدارة المساجد والمدارس بهدف فرض إرادتها عليها. ويُمنع المسلمون من أداء فريضة الحجّ باستثناء قلة من الأفراد الذين تعرفهم الحكومة وترضى عن سلوكهم.
يقول نائب رئيس اتحاد الطلاب المسلمين في إقليم أراكان إبراهي محمد عتيق الرحمن في حديث لـ”وكالة الأنباء الإسلامية ـ إينا”: إنّ حكومة ميانمار قامت خلال عام 2001م بتدمير نحو 72 مسجداً وذلك بموجب قانون أصدرته منعتْ بموجبه بناء المساجد الجديدة أو ترميم وإصلاح المساجد القديمة، كما أن هذا القانون ينص على هدم أي مسجد بُنِيَ خلال العشر سنوات الأخيرة.
وهناك محاولات مستميتة لـ (برمنة) الثقافة الإسلامية وتذويب المسلمين في المجتمع البوذي البورمي قسراً، فلقد فرضوا الثقافة البوذية والزواج من البوذيات وعدم لبس الحجاب للبنات المسلمات والتسمّي بأسماءٍ بوذية. الى جانب طمس الهوية والآثار الإسلامية وذلك بتدمير الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس تاريخية، وما بقي يُمنع منعاً باتاً من الترميم فضلاً عن إعادة البناء أو بناء أي شيء جديد لـه علاقة بالدين من مساجد ومدارس ومكتبات ودُور للأيتام وغيرها، وبعضها تهوي على رؤوس الناس بسبب مرور الزمن، والمدارس الإسلامية تُمنع من التطوير أو الاعتراف الحكومي والمصادقة لشهاداتها أو خرّيجيها.
منع حمل المسلمات
ضمن سياسة الحكومة البورمية في اضطهاد المسلمين والمسلمات هناك يتم إعطاء حُقَنْ مانعة للحمل للنساء المسلمات في حالات كثيرة، ورفع سن الزواج للفتيات لـ 25 عاماً والرجال 30 عاماً، ومنع عقود النكاح إلا بعد إجراءات طويلة وإذن من السلطات، ومنع التعدد منعاً باتا مهما كان السبب، منع الزواج مرة أخرى للمطلق أو الأرمل إلا بعد مرور سنة، ومن يخالف ذلك يُعرّض نفسه للسجن والغرامات الباهظة أو الطرد من البلد. والهدف من كل ذلك هو القضاء عليهم أو تقليل أعدادهم.
وإذا حَمَلَت الزوجة فلا بدّ من ذهابها طِبْقاً لقرار السلطات الحاكمة إلى إدارة قوّات الأمن الحدودية “ناساكا” لأخذ صورتها الملوّنة كاشفة بطنها بعد مرور كلّ شهر حتّى تضع حملها، وفي كلّ مرّة لا بدّ من دفع الرسوم بمبلغ كبير، وذلك للتأكّد كما تدّعي السلطة من سلامة الجنين، ولتسهيل إحصائية المولود بعد الولادة. كما يتم أخذ النساء عَنوةً من منازلهن وإجبارهن على العمل في معسكرات الجيش دون مقابل. ويتم إجبار الفتيات المسلمات على الزواج من البوذيين. وكذلك الحضور الإجباري للبنات المسلمات غير المتزوجات إلى قيادة القوات المسلحة والعمل لمدة 6 أشهر تحت إشراف أفراد قوات حرس الحدود. وبالطبع انتهاك حُرُمات النساء وإجبارهنّ على خلع الحجاب. ناهيك عن عمليات الاغتصاب الجماعي وهتك الأعراض في صفوف المسلمات اللاتي يموت بعضهن بسبب الاغتصاب.
المصدر: حريدة عالم اليوم