تقع دولة بورما (ميانمار)حاليا في الجنوب الشرقي من قارة آسيا , يحدها من الشمال الصين والهند ،ومن الجنوب خليج البنغال ،ومن الجنوب الشرقي تايلاند،ومن الشرق الصين ولاوس وتايلاند،ومن الغرب خليج البنغال والهند وبنغلادش،ويقع إقليم أراكان في الجنوب الغربي لبورما (ميانمار)
تقدر مساحة ميانمار بأكثر من 261000 ميل مربع ،وتقدر مساحة إقليم أراكان بأكثر من 20000 ميل مربع وينفصل الاقليم عن ميانمار بحدود طبيعية هي سلسلة جبال (أركان يوما) .
أما عدد سكان ميانمار فيبلغ حوالي 54 مليون , ويبلغ عدد المسلمين في ميانمار حوالي 10 مليون تقريبا , أي ما يساوي 20%،معظمهم يسكن في إقليم أراكان ،الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 5,5 مليون ،ونسبة المسلمين في هذا الاقليم تبلغ 90% تقريبا .
تعود أصول مسلمي ميانمار إلى عدة جذور مختلفة مثل : البنغالية و العرب والمورو والأتراك والفرس والمنغول والباتان , ويتكلمون لهجة تسمى (الروهنجيان) وهي مؤلفة من العربية والفارسية والأردية والبنغالية .
دخول الروهنجيا الإسلام
دخل الاسلام إلى ميانمار في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن السابع الميلادي , وذلك مع قدوم التجار العرب المسلمين إليها .
ويذكر المؤرخون أنه في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي , كان الاسلام قد ترسخ في قلوب الناس وعقولهم بين إفريقيا وآسيا , ووصل سواحل المحيط الأطلسي إلى البنغال,ووضع (تراميخلة)والذي اختار فيما بعد اسما إسلاميا هو : سليمان شاه وضع في عام 1430 حجر الأساس لأول دولة إسلامية في أراكان ,ودام حكمها لأكثر من 350 عاما ,حكما إسلاميا مستقلا , وذلك من عام 1430 إلى عام 1784 ,حكمها ما يقارب من 48 ملكا بعد سليمان شاه من أشهرهم : علي خان و كلمة شاه ومنكو شاه ومحمد شاه وجلال شاه وحسين شاه وسليم شاه.
ومن الحقائق الذهبية التي يعتز بها المسلمون في أراكان أنه كان يشترط لملوك أراكان قبل توليهم الحكم أن يحصلوا على شهادة الفضيلة في العلوم الاسلامية ,وكانت العملات والوسامات والشعارات الملكية تنقش و تحفر فيها كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) والآية القرآنية (وأن أقيموا الدين) .
الاحتلال البوذي لأراكان المسلمة
احتل الملك البوذي (بوداباي) أراكان في عام 1784 ,وضم هذا البلد الاسلامي إلى بورما البوذية ,وذلك خوفا من الانتشار السريع للإسلام في تلك المنطقة , وأطلق العنان لجنوده وأتباعه في أراكان ,فعاثوا فيها فسادا وإفسادا,فقتلوا العلماء والدعاة ,ودمروا المدارس والمساجد ,وأذاقوا المسلمين ألوان العذاب ,طوال فترة احتلالهم والتي دامت حوالي أربعين عاما .
وفي عام 1824 احتلت بريطانيا ميانمار وضمتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية , وفي عام 1937 جعلت بريطانيا ميانمار مع أراكان مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية ,وعرفت بحكومة ميانمار البريطانية .
قاوم المسلمون في أراكان الاحتلال البريطاني لبلادهم ,مما جعل بريطانيا تخشاهم ,فقامت بتحريض البوذيين على المسلمين ,وأمدتهم بالسلاح فقاموا بمذبحة مروعة في عام 1942 قتل خلالها حوالي مائة ألف مسلم .
وفي 4/1/1948 نالت بورما الاستقلال , وقام المستعمر البريطاني بضم إقليم أراكان المسلم رسميا إلى بورما ضمن اتفاقية تمت بين بريطانيا و بورما ,على أن تعطي حكومة بورما حق تقرير المصير للروهنجيا بعد عشر سنين والذي لم يعط حتى اليوم .
لا بل إن رئيس بورما أصدر إعلانا أن اسم بورما مأخوذ من بوذا وهي للبوذيين فقط ,وأن على المسلمين إن أرادوا البقاء أن يغيروا حروف القرآن إلى الحروف البورمية , وأن تخلع نساء المسلمين الحجاب ,وأن يتسموا بأسماء البوذيين ويتزوجوا من نسائهم…… فلما رفض المسلمون ذلك اتهموا بتقويض وحدة الأمة البورمية , وطرد الآلاف منهم خارج حدود بورما دون مأوى ولا وطن ولا تعليم .
وفي عام 1962 بلغت المأساة ذروتها باستلام الجيش البورمي الشيوعي مقاليد الحكم في بورما , فهجر كثير من المسلمين من بلادهم إلى بنغلادش في عام 1978 ,ثم ازداد الأمر سوء في عام 1982 وذلك عندما ألغيت الجنسية للمسلمين بموجب قانون جديد للجنسية ,وفي عام 1991 استغل البوذيون انشغال العالم بحرب الخليج وقاموا بمجازر مروعة ,وهجروا أكثر من 350000 مسلم أيضا .
معاناة المسلمين الروهنجيا
ذاق المسلمون الروهنجيا في ميانمار جميع ألوان الاضطهاد والتعذيب ,ولعل من أبرز هذه العذابات :
1- الابادة الجماعية: حيث يقوم البوذيون البورميون بالتخلص من هذا الشعب المسلم الأعزل ,عن طريق التطهير العرقي و القتل الجماعي وذلك منذ عام 1962 أي بعد استلام العسكريون الفاشيون للحكم في ميانمار,وحتى اليوم على مسمع من العالم المتمدن الذي يدعي رعاية حقوق الانسان .
2- الطرد والتهجير: فقد قامت سياسة البوذيين البورمان على إبعاد وتهجير المسلمين الروهنجيا خوفا من انتشار الاسلام في بلادهم ,فقد هجر عام 1962 أكثر من 300000 مسلم ,وهجر عام 1978 أكثر من 500000 مسلم ,وقرابة 150000 عام 1988 ,وحوالي350000 مسلم عام 1991 ,وما زال التهجير مستمرا حتى الآن .
3- حرمان المسلمين من حق المواطنة واكتساب الجنسية بعد قانون الجنسية الجديد عام 1982 الذي قسم المواطنين ثلاثة أقسام أ- مواطنون من الدرجة الأولى وهم : الكارينون و الشائيون الباهييون والصينيون و الكامينيون ب – مواطنون من الدرجة الثانية وهم خليط من أجناس الدرجة الأولى ج – مواطنون من الدرجة الثالثة وهم المسلمون حيث صنفوا بأنهم أجانب وحرموا من كافة الحقوق .
4- حرمانهم من تقلد الوظائف العامة , ومنعهم من السفر إلى الخارج لأداء فريضة الحج ,وحرمانهم من استقبال أحد في بيوتهم و لو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق , حتى إن الزواج يحتاج لإذن ولا يسمح للعائلة بإنجاب أكثر من ولدين اثنين.
5- حرمانهم من التعليم ,حيث يمنع أولادهم من مواصلة التعلم في الكليات والجامعات , ويتم إرغام الطلاب المسلمين في المدارس الحكومية على الانحناء للعلم البورمي .
6- العقوبات الاقتصادية التي مورست ضدهم حيث صودرت أراضيهم ,وفرضت الضرائب الباهظة على كل شيء ومنعوا من بيع محاصيلهم إلا للعسكر ,وأحرقت محاصيلهم وقتلت ماشيتهم ,ولم يسمح لهم بالعمل في القطاع الصناعي .
وقد عرضت قناة الجزيرة الاخبارية تقريرين إخباريين عن معاناة و مآسي هذا الشعب المسلم ,الذي مورست عليه كل أشكال الاضطهاد والتعذيب ,لا لشيء إلا لأنه يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله .
لقد مارست الحكومة البورمية كل أشكال الاضطهاد الديني ضد المسلمين,فمنعت طباعة الكتب الدينية الاسلامية ,وحرمت المسلمين من ارتداء الزي الاسلامي ,وصادرت ممتلكات الأوقاف ,ومنعت الأذان للصلاة ,ومنعت المسلمين من أداء فريضة الحج ,ومنعهم من ذبح الأضاحي ,بالإضافة إلى حملات التبشير المستمرة ,وطمس الهوية الاسلامية بتدمير الآثار الاسلامية من مساجد ومدارس تاريخية .
المصدر/ مركز التأصيل للدراسات والبحوث