بقلم/ عاصم الغامدي
وكالة أنباء أراكان ANA | الجزيرة
“أشخاص من نيويورك”، اسم الكتاب الذي اخترت وعددا من الزملاء إهداءه للبروفيسور المتخصص في الأديان بعد أن ميزنا معه طيلة فصل الخريف ألوان البشر من حولنا، وكنت كلما ألقيت نظرة على غلاف هذا الكتاب المزدحم بقصص وصور لشخصيات من هذه المدينة المتخمة بالبشر تذكرت محيي الدين يوسف الذي روى لي قصة رحلته الطويلة لأميركا. قصته لا توجد في ردهات انتظار المطارات ولا تتكرر في طلبات الحصول على تأشيرة الدخول لبلاد العم سام.
٦ دول
محيي الدين يوسف كرس حياته للدفاع عن حقوق أقلية الروهنغيا التي صنفتها الأمم المتحدة أكثر الأقليات اضطهادا في العالم، تحكي عقود محيي الدين الستة قصصاً من ست دول زارها طيلة ربع قرن في طريقه نحو الولايات المتحدة قبل أن ينتهي به المقام في قبو أطلق عليه اسم “جمعية الروهنغيا العالمية” في الشارع الرئيسي لضاحية كوينز المكتظة بالسكان.
من مساحته الضيقة التي بالكاد اتسعت لنا، انطلق العديد من الحملات التي تطالب بحقوق هذه الأقلية، إذ يقوم محيي الدين مع ثلة من أصدقائه بتنظيم وقفات احتجاجية كل ما سنحت الفرصة أمام مبنى قنصلية جمهورية اتحاد ميانمار وممثليتها لدى الأمم المتحدة، مطالبين بوقف التمييز العنصري ضد الروهنغيا هناك.
لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء
قصته بدأت عام ١٩٧٤ عندما أعلنت سلطات ميانمار قانون طوارئ يجرد أبناء الروهنغيا من جنسيتهم البورمية، إذ تقول الحكومة هناك إن الروهنغيين ليسوا سوى مهاجرين بنغال مخالفين للنظام.
وعندما سُن النظام الجديد، قرر محيي الدين قطع سنته الثالثة من دراسة الرياضيات في كلية “أكياب” في ميانمار، هاربا من سطوة العنصرية نحو بنغلاديش التي استغرق جهاز الاستخبارات فيها عاماً كاملاً لاستقباله في السجن ليمكث فيه ست سنوات.
أثمرت جهود منظمة العفو الدولية عن خروجه من المعتقل. ومن المفارقات -وهي كثيرة في قصته- أن تبعات الإفراج قضت بأن يتم ترحيله لميانمار التي هرب منها. حزم أمتعته وكلها خفيفة وركب السفينة نحو ضفة الموت ميانمار، إذ قال لي إن وصوله لها عائدا من بنغلاديش لم يكن يعني إلا الموت بأبشع صورة فالحكومة هناك كانت ولا زالت تتفنن في قتل واضطهاد عرقية الروهنغيا.. لكنه وجد فسحة أمل في وجه ضابط بنغالي كان مكلفا بحراسته. أقنعه محيي الدين بأن يتغافل عنه ليقفز من السفينة عائدا مرة أخرى للسواحل البنغالية.
الطريق إلى مكة
نجح هذه المرة في البقاء في بنغلاديش لبضع سنوات حتى قرر الذهاب لمكة معتمراً عام ١٩٨٣، بعد أن قام بتزوير جواز سفر بنغالي استطاع بموجبه الحصول على تأشيرة الدخول للديار المقدسة..
في السعودية كان الوضع أفضل بمراحل إذ انخرط مباشرة مع الجالية البنغالية التي تقطن جبال مكة حتى أصبح من أبرز نشطاء الروهنغيا هناك.
وفي عام ١٩٩٠ استبشر محيي الدين خيرا عندما قررت السلطات السعودية السماح للروهنغيا باستخراج إقامات نظامية. كان بكل حماسة من أوائل المتقدمين ناسيا قصة جوازه البنغالي، وعندما جاء دوره في جدة لتصحيح وضعه واستخراج وثيقة جديدة كان أرشيف الجوازات يشير إلى أنه دخل إلى السعودية بجواز بنغالي ولا يستحق الاستثناء الممنوح للروهنغيا، بل يستحق الإبعاد لتخلفه عن موعد الخروج وتم على إثر ذلك ترحيله إلى دكا للمرة الثالثة.
نهاية أميركية
ثلاث سنوات قضاها في دكا مكرساً فيها جل وقته لخدمة قضية أبناء عرقه. هناك أنشأ حزب “الحرية لأراكان”، وأركان هو الاسم القديم لولاية راخين موطن الروهنغيا في ميانمار.
ومن دكا انتقل إلى بانكوك كمحطة عبور لماليزيا التي وصلها عام ١٩٩٤ وأسس فيها المدرسة الإسلامية الخيرية التي كانت تعنى بتعليم أبناء اللاجئين من الروهنغيا. كما أسس في كوالالمبور جمعية اللاجئين الروهنغيا.
وبعد خمس سنوات من النشاط والعمل الدؤوب في العاصمة الماليزية، تم قبوله في برنامج الأمم المتحدة لإعادة التوطين ليستقر في الولايات المتحدة الأميركية كأول روهنغي يصل إلى ما وراء الأطلسي، وليستمر في المطالبة بالحقوق الضائعة.