وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
بجسد نحيل فوق قدمين تدرك من اللحظة الأولى كم تعاني صاحبتهما لتكمل حياتها في بيئة لا تخلو من الطين والأشجار والسير حافية في أحيان كثيرة لتدخر حذاءها الوحيد، فهي لا تعلم كم من عمرها قد يمضي دون حذاء جديد.. هي “نصر الله”، إحدى لاجئات الروهنغيا التي فرت هاربة مع من تبقي من أسرتها خوفًا من أن تصل إليها يد أفراد جيش موطنها ميانمار، فيغتصبونها مثلما فعلوا بالكثيرات ممن كانت تعرفهم.
تطل نصر الله، ابنة الواحد والعشرين عامًا برأسها من داخل فتحة بالكوخ الذي تسكن به يستخدمونها كباب للدخول والخروج، وكأن وجهها النحيل الأسمر قد صار عينًا كبيرة زائغة تتوه تفاصيل المشاهد من حولها في دموعا تغافلها وتسقط وهي معلقة بكل غريب آتي فربما حمل لها ولطفلتها بعض الأرز أو الدقيق أو بعض من الملابس أو خبرًا عن أمها التي تاهت منها في زحام اللاجئين الذين وصلوا مؤخرًا إلى مخيمات اللاجئين ببنغلادش.
العودة إلى الوطن، لم يعد هو الحلم الذي يؤرق نصر الله، هي فقط تريد العودة إلي حضن أمها، بعد أن قتل والدها وأخواتها الأربعة علي يد جيش ميانمار.
تجلس نصر الله، القرفصاء، مثلما يعتاد أهلها، أمام كوخ خشبي أعطته لهم إحدى المنظمات الإغاثية بعد أن وافقت علي الحديث معنا حين أخبرها أحد معارفها أننا جئنا ضمن وفد إغاثي وإعلامي أرسله الأزهر الشريف لمسانداتهم.
تلعثمت الكلمات فوق شفتيها كثيرًا وكأنها تتردد في الحكي، ثم تحتضن طفلتها التي لا يتعدى عمرها الخمسة أشهر، بين الحين والآخر، وكأنها هي التي تستمد منها القوة والأمان رغم أن كلتيهما، يعانين من المصير ذاته بعد سحب الجنسية وإجبارهم علي ترك ديارهم ووطنهم والرضا بالإقامة داخل كوخ من الخشب المغطى بالبلاستيك لتصبح كل أحلامهم هو الحصول على الغذاء أو مزيد من الغطاء البلاستيك لسد بعض الفتحات التي تدخل عليهم الهواء وأحيانًا بعض الزواحف مثل الثعابين التي تنتشر بسبب طبيعة بيئة المخيمات التي تقع في منطقة غابات جبلية.
تعدل نصر الله، طرحتها الصفراء التي وضعتها فوق رأسها كجزء من زيها الرسمي كغيرها من نساء الروهنغيا، محاولة أن ترسم فوق وجهها الأسمر ابتسامة تقابلنا بها بينما لا تستطيع أن تمنع دموعها وهي تروي كيف قتل والدها وأخواتها الأربعة.
تروي نصر الله، كيف ساعدها زوجها، هي وأمها وطفلتها وجدتها المسنة علي الهرب من ديارهم بإقليم أراكان، بعدما تمكن جيش ميانمار من ذبح والدها وقتل أخواتها حين حاولوا إنقاذه، هي لا تعرف السبب لقتله غير كونهم مسلمين وأفراد الجيش بوذيين.
ساعات طويلة قضتها نصر الله، وأسرتها داخل مركب بنهر “ناف” بعد أن دفعوا كل ما يملكون لشخص بنغالي ينقلهم في الليل من حدود ميانمار ليصلوا إلى بنغلادش مع بداية النهار.
تتابع نصر الله، بعد أن اشتد بكاؤها، وهي تحكي لنا كيف تاهت عن والدتها حين وصلت حدود بنغلادش، “كان الزحام شديدًا حين وصلنا الحدود البنغالية.. ثم قام الجيش البنغالي بتوزيعنا على منطقة المخيمات.. فذهبت أنا وزوجي وطفلتي وجدتي في مخيم بينما ذهبت أمي إلي مخيم آخر..”
لا تحلم نصر الله، بالعودة إلي ميانمار، فبحسب قولها قام جيش ميانمار بأخذ منزلهم بعد فرارهم منه، كما سحبوا منهم الجنسية ولن يسمحوا لهم بعودة شاملة الحقوق كافة دون هوية، لذا هي تخشى أن تعود فتقتل أو تغتصب، لكنها تتعلق بأمل إن يسمح لها الجيش البنغالي بالانتقال بين المخيمات للبحث عن والدتها.
وتُعد نصر الله، نموذجًا تكاد تنطبق تفاصيله مع غيرها من النساء الذين فروا خوفًا من جيش ميانمار لينضموا إلى غيرهن من النساء اللاتي تمثل نحو 20% من اللاجئين الروهنغيا بمنطقة كوكس بازار ببنغلادش.