وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
تكرار المآسي الإنسانية كانت سببًا في اتساع رؤية الصحفي السابق بالبي بي سي «سايمون إنغرام»، كبير المستشارين الإعلاميين بمنظمة اليونيسيف, الذي اضطره عمله بالمنظمة لمتابعة الوضع في مناطق عدة، من بينها: السودان عام 2011/2012 في أعقاب الانفصال بين الشمال والجنوب، ثم الأردن لمدة أربع سنوات 2012- 2016 عاصر فيها الأزمة السورية كمدير إقليمي لقسم الإعلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومؤخرًا إلى آسيا حيث كان مسؤولا عن جمع شهادات لاجئي الروهنغيا الفارين من ميانمار (بورما) إلى بنغلادش، لضمها إلى تقرير المنظمة عن أحوال الأطفال الذين يشكلون 60% من بين أكثر من نصف مليون شخص فروا في نهاية أغسطس المنصرم لتتصدر أخبارهم وسائل الإعلام، وتصبح أزمتهم أسرع حالات طوارئ اللاجئين تدهورا في العالم.
التقت «الأهرام» الخبير «سايمون إنغرام»، الذى بدأ حديثه قائلًا:
– يتم توصيف جماعة الروهنغيا باعتبارها أكثر الأقليات اضطهادا في العالم، ويعاني المنتمون لها مشكلات معدومي الجنسية حيث تصنفهم ميانمار كمهاجرين غير شرعيين منذ قرون، مع حرمانهم من حمل جنسيتها منذ صدور قانون الجنسية لسنة 1982، وما يستتبع هذا من محظورات عدة تتعلق بحرية التنقل وشراء وامتلاك الأراضي، أو إنجاب أكثر من طفلين وغيرها. وقد تزامن هذا مع تعرضهم لموجات متتالية من العنف، مما اضطرهم إلى الفرار واللجوء إلى مخيمات أقامتها الأمم المتحدة خصوصًا بعد تجدد اشتعال العنف عام 2010.
كيف تقارن الوضع في أعقاب الأزمة السورية 2012 ومأساة الروهنغيا 2017؟
على الرغم من أن لكل كارثة إنسانية خصوصيتها، إلا أنني من خلال تمركزي في عمان ومتابعتي لأزمة لاجئي سوريا عام 2012، تابعت تعاون المفوضية العليا للاجئين واليونيسيف والهيئات الدولية والحكومة الأردنية لإعداد مخيم «الزعتري» للحفاظ على حياة اللاجئين فيه، وقد وصل أغلبهم مصحوبا بأوراقه الرسمية التي ستسمح لهم عاجلًا أو آجلًا بالعودة إلى بلادهم، وإن لم يخل الوضع إجمالًا من بعض المشكلات في داخل المخيم، الذى كان مجرد رقعة رملية مقفرة على مقربة من الحدود مع سوريا، ولكنها ضمت آلاف الخيام المنتظمة إلى جانب كثير من الخدمات، ليصبح الزعتري واحدًا من أكبر التجمعات البشرية في الأردن حيث تجاوز عدد سكانه 80٫000 شخص.
أما الوضع اليوم في منطقة «كوكس بازار» جنوب بنغلادش فهو بمثابة فوضى كبيرة وجحيمً على الأرض منذ نهاية أغسطس المنصرم، بعد فرار مئات الآلاف من الروهنغيا للنجاة بحياتهم دون أن يكون لديهم شيء من أوراق رسمية أو ممتلكات لأنها لم تكن موجودة من قبل، حيث أقاموا بأنفسهم آلاف الخيام المؤقتة المصنوعة من البلاستيك وقطع الخشب وأغصان الشجر، بدون توافر الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية، أو المرافق والخدمات الصحية من إسعافات أولية ولقاحات، مما يجعل من نقاط تجمع اللاجئين أرضًا خصبة للأمراض المعدية وتفشى الأوبئة كالكوليرا، في ظل إصابة واحد من كل خمسة أطفال بسوء التغذية.
كيف ترى وضع الروهنغيا في ضوء التقريرين الصادرين في أبريل وأكتوبر من هذا العام؟
أشرفت في أبريل الماضي على جمع مادة وكتابة التقرير الصادر عن وضع الأطفال في ميانمار وبالتحديد ولاية «أراكان»، التي لم نستطع زيارة الجزء الشمالي منها طبقًا للحظر المفروض من جانب السلطات، حيث قمنا بزيارة المخيمات التي تحولت إلى سجون غير مسموح لسكانها بالخروج منها بدون تصريح رسمي، مع عدم توافر أي خدمات من أي نوع، وتم ضم تلك المعلومات في تقرير لرصد ما حدث بعد أكتوبر 2016 بفرار نحو 60 ألف روهنغي من أراكان. وبالتالي لم يكن ما حدث في أغسطس المنصرم بمفاجأة أو صدمة، ولهذا توجه فريق العمل في سبتمبر الماضي إلى «كوكس بازار» في زيارة لمدة أسبوعين ونصف الاسبوع لجمع الشهادات.
ما تأثير الكارثة من خلال إجابات الأطفال ؟
في أثناء جمعنا للشهادات، تحدث من قابلناهم عن الأسباب وراء هروبهم الجماعي واضطرارهم للسير أياما لعبور خليج البنغال في موسم الأمطار أو عبر حقول الأرز والأراضي المغمورة على الحدود بين البلدين، وما تزامن من ممارسات مرعبة تؤكدها جراح الكبار وكسورهم، وتعيد رسمها أنامل الأطفال التي رصدت جرائم وانتهاكات وتعديات مما قام بها من يرتدون زيا عسكريًا. هناك أيضًا الرعب فيما يخص الأطفال في ظل تفاقم المشكلات الصحية والنفسية المتوقعة، وما يتعرضون له من تهديدات أفواج المتاجرين بالبشر لاستخدامهم في العمالة أو شبكات سرقة الأعضاء أو الدعارة أو ترويج المخدرات.
هل ثمة أفق لحل المشكلة؟
على الرغم من مطالبة سكرتير عام الأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» بدخول المساعدات الإنسانية إلى شمال ولاية «أراكان»، ووقف جميع أعمال العنف ضد أقلية الروهنغيا المضطهدة، وفضلًا عن نجاح مؤتمر المانحين في أكتوبر المنصرم، وسعى الأمم المتحدة في الوقت نفسه لمطالبة السلطات البنغلادشية، بإصدار شهادات للمواليد الجدد لتفادى مأزق عديمي الجنسية، فإن الحل الجذري لن يتم بدون تحرك حكومة ميانمار، مع التوصل لاتفاق بين مسلمي الروهنغيا وبوذيي أراكان في تلك المنطقة شديدة الفقر.