وكالة أنباء أراكان | متابعات
مع استمرار صمت المجتمع الدولي الذي تخلى بحسب بعض المراقبين عن مسؤولياته القانونية والاخلاقية تتواصل معاناة المسلمين في ميانمار، الذين تعرضوا لعمليات ابادة وجرائم خطيرة، وفر نحو 655 ألف شخص من أقلية الروهنغيا عبر الحدود إلى بنغلادش، خشية عمليات الاغتصاب والقتل والإحراق المتعمد حيث قالت الأمم المتحدة إنها يمكن أن تقدم دليلا على الإبادة الجماعية.
وقال براد آدامز، مدير قسم آسيا في هيومن رايتس ووتش، إن الفظائع التي ارتكبها الجيش الميانماري في تولا تولي لم تقتصر على كونها وحشية بل كانت ممنهجة. وأضاف أن “الجنود نفذوا عمليات قتل واغتصاب لمئات من الروهنغيا بكل قسوة وبطريقة لا يمكن أن تتحقق إلا بتخطيط مسبق”.
وفي تطور جديد قالت منظمات حقوقية إن اعتراف جيش ميانمار بتورطه في قتل أفراد من مسلمي الروهنغيا بولاية أراكان بشمال البلاد، مجرد جزء بسيط من الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن، ووصفت منظمات “فورتيفاي رايتس” والعفو الدولية و”هيومان رايتس ووتش” الاعتراف بأن القرويين الراخين العرقيين والقوات الأمنية قتلوا عشرة من مسلمي الروهنغيا في قرية إن دين سبتمبر الماضي مجرد ” قمة الجبل”.
وأوضح المدير التنفيذي لمنظمة فورتيفاي رايتس ماثيو سميث إن المنظمة وثقت أعمالا وحشية مماثلة في أنحاء ولاية أراكان بشمال البلاد، وقال المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي جيمس جوميز إن المنظمة وثقت “دليلاً قويا” في قرى بأنحاء المنطقة على أنّ “الجيش قتل واغتصب أفرادا من الروهنغيا، كما حرق قراهم تماما”.
وطالب نائب مدير منظمة هيومان رايتس ووتش في آسيا فيل روبرتسون حكومة ميانمار بـ”الالتزام بالجدية تجاه محاسبة المسؤولين عن طريق السماح للجنة تقصي حقائق أممية بدخول البلاد”. وتتهم الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة حكومة ميانمار، التي تترأسها زعيمة ميانمار أون سان سو تشي ” بالتطهير العرقي”.
اعترافات جديدة
وفي هذا الشأن أقر الجيش في ميانمار لأول مرة بتورط عناصر من قوى الأمن في تصفية مسلمي الروهنغيا، وبوجود مقبرة جماعية في ولاية أراكان. وتبرر السلطات حملتها في ولاية أراكان بشن “جيش إنقاذ الروهنغيا في أراكان” هجمات ضد مراكز الشرطة.
وأعلن مكتب قائد الجيش على فيس بوك أن “سكان قرية إين دين وعناصر من القوات الأمنية أقروا بقتل عشرة إرهابيين بنغاليين” مستخدما التسمية المعتمدة في ميانمار للروهنغيا، مذكرا بأن ذلك حصل في 2 أيلول/سبتمبر المنصرم في أحداث عنف تلت مقتل أحد سكان الولاية من إثنية راخين البوذية.
وأقر الجيش بذلك بالعثور على أول مقبرة جماعية للروهنغيا في ولاية أراكان إثر حملة القمع الواسعة التي نفذتها قوات ميانمار ضد الأقلية المسلمة. وحسب رواية الجيش، أمسك الجنود بعشرة مسلحين روهنغيا قبل قتلهم في إطار العنف الذي ضرب القرية والمناطق المحيطة بها، وأضاف الجيش أن “القرار اتخذ بقتلهم في مقبرة”. وقدم الروهنغيا الذين فروا من قراهم إلى بنغلادش المجاورة شهادات متطابقة عن مذابح وانتهاكات ارتكبتها القوات الميانمارية ومدنيون ينتمون لإتنية راخين.
وأكد عدد كبير من الروهنغيا الذين فروا من قرية في ميانمار أن الضحايا كانوا مدنيين وليسوا متمردين بخلاف ما أعلنته السلطات. وما أعلنه الجيش أثار غضب عائلات الضحايا التي لجأت إلى بنغلادش المجاورة.
وأدلى الروهنغيا الذين فروا من قراهم إلى بنغلادش المجاورة بشهادات متطابقة عن مذابح وانتهاكات ارتكبتها قوات ميانمار ومدنيون ينتمون لاثنية راخين البوذية.
وأفادت منظمة أطباء بلا حدود في تقرير أن 6700 على الأقل من الروهنغيا قتلوا بين نهاية اغسطس ونهاية سبتمبر. وفر نحو 655 ألفا من أقلية الروهنغيا المسلمة من ولاية أراكان إلى بنغلادش المجاورة منذ آب/أغسطس الفائت بسبب عمليات عسكرية قالت الأمم المتحدة إنها ترقى إلى “التطهير العرقي”.
إلغاء القيود
من جانب آخر قال رئيس لجنة استشارية دولية جديدة بشأن الأزمة في ميانمار إنه يتعين السماح لعمال الإغاثة الإنسانية والصحفيين بحرية الوصول إلى ولاية أراكان حيث دفع العنف نحو 650 ألفا من مسلمي الروهنغيا للفرار إلى بنغلادش.
وعبر سوراكيرات ساثيراثاي وزير خارجية تايلاند السابق عن قلقه إزاء اعتقال اثنين من صحفيي رويترز في ميانمار وقال إنه يأمل ألا تؤدي القضية إلى قيود أوسع على وسائل الإعلام الدولية.
وقال سوراكيرات في مقابلة أجريت معه في بانكوك ”أعتقد أن دخول الصحفيين وموظفي الإغاثة الإنسانية (ولاية) أراكان من المسائل المهمة وكذلك دخول الجهات المعنية الأخرى“. وأضاف ”يجب تعزيز التغطية الصحفية المشروعة“. وفرضت ميانمار قيودا شديدة على دخول ولاية راين حيث يقوم الجيش بعملية ضد الروهنغيا وهي العملية التي نددت بها الأمم المتحدة ووصفتها بأنها تطهير عرقي.
ونفت ميانمار ذات الأغلبية البوذية ذلك الاتهام.
واختارت أونغ سان سو تشي زعيمة ميانمار سوراكيرات (59 عاما) العام الماضي ليرأس لجنة من عشرة أعضاء تكون مهمتها تقديم النصح بشأن كيفية تطبيق التوصيات التي طرحتها لجنة سابقة برئاسة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان.
وكان السماح بالتغطية الإعلامية الحرة أحد التوصيات المحددة في تقرير لجنة عنان الذي جاء في 63 صفحة.
وكانت زعيمة ميانمار عينت لجنة عنان في 2016 للتحقيق في كيفية إنهاء التوترات العرقية والدينية القائمة منذ فترة طويلة في أراكان.
واعتقلت السلطات في ميانمار الصحفيين وا لون وكياو سوي أو في 12 ديسمبر كانون الأول للاشتباه في انتهاك قانون الأسرار الرسمية لميانمار. وكان الصحفيان يقومان بتغطية الأزمة في ولاية أراكان الواقعة بغرب البلاد.
وقال سوراكيرات إنه عبر عن قلقه إزاء قضيتهما مع ثونغ تون مستشار الأمن القومي لزعيمة ميانمار. وأضاف أنه طلب أن يتم التعامل مع القضية بشفافية وحصل على تأكيدات بأن القضية ستخضع للإجراءات القانونية الملائمة.
وقال سوراكيرات ”آمل ألا يطرأ على الأمر تطورات مزعجة لكل من الصحافة الدولية وحكومة ميانمار.. آمل ألا تؤدي القضية إلى عدم ترحيب حكومة ميانمار بالصحافة الدولية. أتمنى أن تكون هذه قضية محددة وآمل في إيجاد حل سريع لها“.
وقدمت اللجنة بقيادة عنان توصياتها التي شملت أيضا إعادة النظر في قانون يربط بين المواطنة والأصل العرقي ويترك معظم الروهنغيا بلا جنسية وذلك قبيل الهجمات التي نفذها مسلحون على مواقع أمنية في 25 أغسطس آب والتي فجرت الأزمة الأحدث.
وقال سوراكيرات إن هناك مخاوف بشأن عودة الأشخاص الذين فروا منذ ذلك الحين إلى بنغلادش وإن اللجنة الاستشارية ستحتاج لإيجاد نهج لضمان عودة هؤلاء الأشخاص دون خوف حتى إذا لم يعترف بهم القانون الحالي كمواطنين من ميانمار. وتواجه زعيمة ميانمار انتقادات دولية لعدم اتخاذ إجراءات بشأن الأزمة في أراكان لكن سوراكيرات قال إنها مقيدة بالسياسات الداخلية.
وطغت النزعة القومية البوذية في ميانمار في السنوات الأخيرة وحظيت حملة الجيش بتأييد واسع. بحسب رويترز.
وقال سوراكيرات ”حاولت أونغ سان سو تشي معالجة القضية بالسعي للتوصل إلى توافق من الداخل بدلا من توجيه الاتهامات“. وأضاف ”هناك فجوة كبيرة بين التفسيرات الداخلية والدولية للموقف في أراكان. إذا لم نستطع تجاوز الفجوة فستكون عقبة أمامنا جميعا نحن الذين نرغب في تحسين الموقف“. وقال سوراكيرات ”اللجنة الاستشارية ليست ناطقة بلسان أحد.. نحن لا نتحدث باسم ميانمار أو المجتمع الدولي“. وتتألف اللجنة من خمسة أعضاء من ميانمار وخمسة معينين دوليا بينهم السياسي والدبلوماسي الأمريكي السابق المخضرم بيل ريتشاردسون. وستجتمع اللجنة مع حكومة ميانمار في 22 يناير كانون الثاني في العاصمة نايبيداو قبل القيام بأول زيارة لها إلى أراكان في 24 يناير كانون الثاني.
معركة ضد الدفتيريا
في السياق ذاته اعتقد محمد حسين أولا أن ابنه يعاني من التهاب غير خطير في الحلق كغيره من الأطفال في مخيمات اللاجئين الروهنغيا في بنغلادش، لكن عندما نقله إلى مستشفى ميداني، كان ينتظره نبأ سيء.
وقال الرجل الذي وضع قناعاً طبياً واقياً على وجهه في وحدة العزل في إحدى عيادات منظمة “أطباء بلا حدود”، “كنت أعتقد أنه مصاب في لوزتيه. لكن الأطباء قالوا لي إن الأمر أخطر بكثير”.
فابن محمد حسين مصاب بالدفتيريا (الخناق). وهو ضحية جديدة لهذا المرض الذي أعلن اختفاؤه من بنغلادش لكنه بات اليوم منتشراً لدى آلاف من اللاجئين في المخيمات الممتدة على مساحات شاسعة في جنوب البلاد. وقد أدى إلى وفاة ثلاثين شخصا على الأقل معظمهم من الأطفال. ويأتي هذا الوباء ليضاف إلى لائحة من الأمراض التي تصيب اللاجئين الروهنغيا الذين يعيشون في ظروف بائسة في مدن شاسعة من الخيام.
ويعيش في هذه المخيمات حوالي مليون من هؤلاء المسلمين الذين قدموا من بنغلادش المجاورة. وقد لجأ حوالي 655 ألفا من أفراد هذه المجموعة المضطهدة إلى هذه المخيمات منذ نهاية آب/اغسطس هربا مما تعتبره الأمم المتحدة تطهيرا عرقيا يقوم به الجيش الميانماري.
وكانت بنغلادش التي تعد واحدة من أفقر دول العالم استعدت لموجهة انتشار للكوليرا والحصبة وأطلقت حملات تلقيح واسعة في هذا الإطار.
لكن الدفتيريا باغتت الجميع من السلطات إلى المنظمات غير الحكومية.
وقال عبد السلام المسؤول الصحي في منطقة كوكس بازار حيث تقع المخيمات “صعقنا عندما أكدت التحاليل وجود الخناق. إنه مرض اختفى منذ فترة طويلة من بلدنا”. وأضاف “قمنا على الفور بشراء اللقاحات من الخارج”. وقالت منظمة الصحة العالمية إنها أحصت حتى اليوم اكثر من 3600 إصابة بين اللاجئين وحوالي عشرين إصابة أخرى لدى بنغاليين مقيمين بالقرب من المخيمات.
والدفتريا مرض معد جدا ويمكن أن يؤدي إلى الموت إذا لم تتم معالجته. وقد يؤدي إلى شلل في الجهاز العصبي المركزي أو المجاري التنفس ويسبب بالتالي الوفاة اختناقا.
أنشئت سبع عيادات خاصة لاستقبال مرضى الخناق الذين يزداد عددهم منذ ظهور المرض في نهاية 2017، كما يقول روديريكو اوفران من منظمة الصحة العالمية. وتتسع هذه العيادات حاليا لحوالي 400 سرير. أما نقص الأطباء فقد تطلب استقدام بعضهم من دول بعيدة مثل بريطانيا.
وتجري حملة واسعة لتلقيح الأطفال. وتم تلقيح حوالي 320 ألف طفل تقل أعمارهم عن 15 عاما ويفترض أن يتم تلقيح 160 آلفا آخرين خلال شهر. وفي عيادة تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود حيث يتعافى ابن محمد حسين تدريجيا، يعمل الطاقم الطبي مزودا بمعدات واقية تستخدم لمرة واحدة. وأي شخص يدخل هذه الخيام يجب أن يضع قناعا واقيا ويغسل يديه بالمياه المعقمة بالكلور.
وقالت كبيرة الممرضين كارلا بلا إن المعالجين يواجهون تحديا مع هذا المرض “الذي لم يعرفوه سوى في الكتب كل هذه السنوات”. وبعضهم لم يسبق أن واجه هذه المرض من قبل في كل حياته المهنية. وتقول مراكز الوقاية ومراقبة الأمراض الأميركية إن عدد الإصابات بالخناق تراجع في الولايات المتحدة ودول أخرى منذ عشرينات القرن الماضي مع انتشار اللقاحات. بحسب فرانس برس.
ومنذ أن فتحت في كانون الأول/ديسمبر، استقبلت عيادة “أطباء بلا حدود” 600 مريض. لكن في مشفى آخر للمنظمة وصل 180 مريضا في يوم واحد. وإلى جانب معالجة المرضى، تبقى الأولوية لوقف انتشار الدفتيريا عبر منع المصابين من الاتصال مع الأشخاص الذين لم يتم تلقيحهم وهي مهمة صعبة في هذا الوسط المكتظ بالناس. وقالت كارلا بلا “نواصل متابعة المرضى للتأكد من أن المرض لا ينتشر”.
إعادة 100 الف
على صعيد متصل أعلن مسؤولون أن بنغلادش تستعد لإعادة 100 ألف من الروهنغيا إلى ميانمار في خطوة أولى ضمن خطة لإعادة هؤلاء اللاجئين المسلمين إلى وطنهم الذي فروا منه هربا من العنف العرقي.
ووقعت حكومتا بنغلادش وميانمار اتفاقا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي يسمح بإعادة اللاجئين إلى وطنهم ، رغم تشكيك هيئات اغاثة ودبلوماسيين في موافقة الروهنغيا على العودة.
واستهدفت ميانمار الروهنغيا سابقا بمخططات منها سحب الجنسية، فحكومتها لا تعترف بمواطنة هذه الجماعة الاتنية. وأعلن وزير المواصلات ونائب رئيس حزب رابطة عوامي الحاكم في بنغلادش عبيدول قويدر أنه من المتوقع أن تبدأ عملية اعادة اللاجئين إلى وطنهم بعد أن تنهي مجموعة عمل مكونة من مسؤولين في البلدين إعداد لائحة بأسماء العائدين.
وقال قويدر للصحافيين خلال زيارة لكوكس بازار حيث مخيمات اللاجئين “بالاستناد إلى قرار مجموعة العمل المشتركة، فإن لائحة أولى بأسماء 100 ألف من الروهنغيا سيتم إرسالها الى حكومة ميانمار اليوم من أجل عودة آمنة ومشرفة”. وأضاف “الاجتماع التالي لمجموعة العمل الذي سيعقد في ميانمار سيحدد كيفية بدء عملية الاعادة”. وتابع “سيتم إنجاز هذه اللائحة في أسرع وقت. عملية الإعادة إلى الوطن ستبدأ بعد الانتهاء من هذه اللائحة”. بحسب فرانس برس.
وقال عبد الكلام ازاد مفوض الحكومة البنغلادشية لإغاثة اللاجئين الروهنغيا إن القرار اتخذ من قبل الأعضاء البنغلادشيين في مجموعة العمل لإرسال لائحة من 100 ألف اسم إلى ميانمار.
وصرح ازاد أن إعادة اللاجئين ستبدأ بعد أن تصادق ميانمار على اللائحة وتحصل السلطات في بنغلادش على موافقة اللاجئين للعودة. إلا أن معظم اللاجئين الروهنغيا في المخيمات شددوا على أنهم لا يريدون العودة، وقالوا إن أراكان ليست آمنة بما يكفي.
وأعرب دبلوماسيون ايضا عن شكوكهم بأن تجيز ميانمار عودة أعداد كبيرة منهم.
وأفاد ازاد بأن نحو مليون من الروهنغيا على الأقل يعيشون في بنغلادش وبعضهم موجود فيها من عقود. وقد وافقت ميانمار فقط على عودة اللاجئين الذين وصلوا إلى بنغلادش منذ تشرين الأول/اكتوبر 2016 ويعتقد أن عددهم يصل إلى 700 ألف شخص.