وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
هذه الرواية الجديدة للكاتب والروائي والشاعر مصطفى القرنة، «عائلة من الروهنغيا»، تجعلنا نتساءل عن الطريقة التي يفكر فيها مصطفى القرنة، كيف يفكر هذا الرجل حتى يكتب لنا عن مشكلة ظهرت حديثا في وسائل الإعلام العربية والعالمية، وهي مأساة الأقلية المسلمة في منطقة بعيدة عن بلدنا جغرافيا وسياسيا وإعلاميا، حتى ولا تربطنا بها علاقات اجتماعية ولا اقتصادية ولا حتى سياسية كي نعرف الحقيقة وماذا يجري في تلك البلاد البعيدة الغريبة، وميانمار دولة في جنوب شرق آسيا وهي خليط من البوذيين والكاثوليك والبروتستانت والهندوس.
ولكن النسبة الكبيرة في هذه البلاد هم من البوذيين وهم يشكلون بنسبة 80% من عدد السكان وتعرف ميانمار أيضا باسم بورما، المسلمون مضطهدون في هذا البلد إلى درجة التعذيب والقتل ويعتبرون غرباء وخاصة أمام البوذيين السكان الأصليين، حيث قامت في السنوات الأخيرة الماضية حملات مطاردة من قبل الجيش ضد الروهنغيا. اعتقال، وتعذيب، وتصفية، وحرق للبيوت، والتنكيل بالناس، وأخذهم إلى مشاريع إنشائية للدولة ليعملوا هناك بالسخرة ليل نهار وبدون مقابل واستغلال نسائهم للعمل في البيوت خادمات وإذلالهن، وقد فرّ الكثير من هؤلاء المظلومين إلى دول مجاورة مثل اندونيسيا وماليزيا واثيوبيا، وكانت هذه الدول ترفضهم وتمنع دخولهم كلاجئين ومنهم من يغرق قاربه في البحر وينتهي به الأمر، ولكن نتيجة الضغوط الدولية والإعلامية التي كشفت مأساتهم تم قبول أعداد قليلة منهم في دولة إثيوبيا وإقامة لهم مخيمات على الحدود.
أما الراوية التي تتحدث عنهم فهي تختصر مأساتهم بعائلة من الروهنغيا تختزل كل المأساة، وتقدمها للعالم بأسلوب درامي وتراجيدي يسطره لنا الراوي مصطفى القرنة، عندما يبدأ ببطل الراوية وهو ضابط بورمي برتبة رائد اسمه (لاي سان ) يقود مفرزة اسمها ناسكا وهي المسؤولة عن ملاحقة المسلمين الروهنغيا والمفرزة تظم عددا كبيرا من المفارز مخصصة للقتل والتعذيب والاعتقال واحتلال البيوت وأخذ محتوياتها، ثم حرقها بمن فيها.
الرواية تتضمن الأدوات الفنية اللازمة مثل اللغة والأسلوب والشخوص والأحداث والسرد، حيث أبدع الراوي القرنة في تلخيص الفكرة الأساسية والانطلاق منها وتخيل الوقائع وتحريك الشخوص في تعدد أدوارهم في العائلة الواحدة، وكأن الراوي كان قريبا من أحداث الرواية أو كان جزءا منها حين يتحدث عن تفاصيل بعينها مثل علاقة الرائد لاي سان بزوجته جيا، ونفور الزوجة من زوجها القاسي الظالم والسكير الذي يعيش على طعام الحيوانات البرية، مثل القردة، والفئران، والقطط، ولحم النيص، كان يأكل هذه الحيوانات بشراهة، هذا الضابط أنموذجا في التوحش والبربرية، وهذا السلوك الهمجي تم توظيفه لقتل الناس وهم الرهنغيا بوحشية مطلقة، حتى ذكر الراوي أن هذا الضابط المتوحش كان يتناول لحوم البشر في بعض المرات، مما سبب له في النهاية مرضا غامضا وخطيرا عجز الأطباء عن اكتشافه مما انتهى به الأمر الى الموت.
الاتجاه الكابوسي في هذه الرواية يتناسل حكايات وقصصا غريبة عن الاضطهاد للمسلمين الروهنغيا على يد الجنود والضباط البورميين الذين لا يقلون بربرية وتوحش عن الضابط لاي سان.
فالغابات الكثيفة في ذلك البلد كانت ملاذا للهاربين من السكان المضطهدين من جماعة الروهنغيا، ولكن الحكومة عندما علمت بأنهم يختفون هناك قام الجيش بزراعة تلك الغابات بالألغام مما كان له الأثر السيء بقتل الكثير من الأبرياء صغارا وكبارا شيوخا وأطفالا.
فالراوية لم تترك شيئا من حيث الأحداث والتفاصيل في إطار المبنى الحكائي في إطار القصص في صياغتها الفنية والجمالية.
وهناك المتن الحكائي والمشتمل على المادة الأولية للحكاية، أي الأحداث الأساسية كما وقعت في الواقع الفعلي والافتراضي، وهذا يدلل على أن الراوي مدرك تماما لما يقوم به من عمل روائي فني يلخص أحداثا تاريخية ماثلة ولم تكن خيالية مجردة، فهو يكتب عن قضية إنسانية يتعرض فيها قلة من المسلمين إلى الإبادة والتطهير العرقي؟
في ظل صمت عربي وإسلامي ودولي مريب.
شخوص الرواية هم أفراد عائلة مسلمة تتعرض للاضطهاد وهي تمثل كل المسلمين المضطهدين في ميانمار، أخذها الراوي أنموذجا يمثل كل الشرائح والطبقات والأشخاص الذين يتعرضون للإبادة الجماعية أو الفردية.
بقي القول : لقد أجاد مصطفى القرنة في هذه الرواية المتميزة وأزعم ان أول كاتب في العالم يكتب عن محنة الروهنغيا هو مصطفى القرنة، كما كتب قبل شهور رواية المدرج الروماني، وهي رواية متميزة، كما كتب رواية الموت بطعم مالح، وأيضا رواية خيمة مشرعة للريح، إضافة لراوية جديدة لم يعلن عنها وهي الشيطان يخرج من إزمير، أتمنى للصديق مصطفى القرنة دوام النجاح والتوفيق.
التعليقات 1
Annette
08/03/2018 في 10:46 am[3] رابط التعليق
Thanks for sharing! I love your projects!!!
(0)
(0)