وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
في أوائل أغسطس آب من العام الماضي طار ضابط شاب برتبة لفتنانت يدعى كي نيان لين إلى ولاية أراكان مع مئات الجنود في جيش ميانمار.
كانت تلك المجموعة على وشك بدء حملة ستسفر عن طرد مئات الآلاف من مسلمي الروهنغيا من بيوتهم وتشعل النار في المنطقة.
غير أن أول ما فعله اللفتنانت كي نيان لين من ضباط فرقة المشاة الخفيفة الثالثة والثلاثين كان بالضبط ما سيفعله أي شاب: فقد نشر رسالة على صفحته على فيسبوك.
قالت الرسالة المنشورة في العاشر من أغسطس آب ”في طائرتنا. لا بد أن نأكل كعكة“.
وعلق أحد أصدقائه قائلا ”هل ستأكلون لحما بنغاليا؟“ ويشير كثير من البورميين إلى الروهنغيا بلفظ البنغاليين أو بكلمة ”كالار“ التي تنم عن الاحتقار.
وكان رد الضابط ”سأفعل ذلك“.
كان الضابط كي نيان لين فردا فيما يطلق عليه بعض المحللين العسكريين الغربيين ”رأس الحربة“ متمثلا في مئات من الجنود الذين اكتسبوا خبرة في المعارك من فرقتي المشاة الخفيفة الثالثة والثلاثين والتاسعة والتسعين اللتين اشتهرتا بقسوتهما في حملات التصدي لتمرد الأقليات العرقية الكثيرة في البلاد.
وعندما انتفض مجموعة من الروهنغيا في شمال ولاية أراكان في أغسطس آب من العام الماضي كانت الفرقتان 33 و99 على رأس قوة التصدي لهم. ودفعت الحملة التي أعقبت ذلك نحو 700 ألف من الروهنغيا إلى الفرار إلى بنغلادش المجاورة.
وقالت الأمم المتحدة إن الجيش ربما ارتكب إبادة جماعية ووصفت الولايات المتحدة الحملة بأنها تطهير عرقي.
وتنفي ميانمار تلك الاتهامات.
وقد نشر الكثير عن ارتكاب جنود ميانمار لعمليات قتل جماعية وحرق قرى الروهنغيا. غير أن تحقيقا استقصائيا أجرته رويترز يمثل أول تقرير عن الدور الذي لعبته فرقتا المشاة الخفيفة 33 و99 على وجه التحديد وكيف نفذتا الهجوم في شمال ولاية أراكان والعلاقات القديمة بين الجنرال مين أونغ هلاينغ القائد العام للقوات المسلحة وبين الوحدات الخاصة التابعة للجيش.
وتحاورت رويترز مع عشرات من اللاجئين الروهنغيا في بنغلادش وبوذيين في ولاية أراكان وأجرت مقابلات نادرة مع أعضاء في قوات الأمن بميانمار لإعادة تصوير أفعال هاتين الفرقتين. وتشير المقابلات مع الروهنغيا وشهود عيان في ولاية أراكان ورجال الشرطة إلى تورط قوات فرقتي المشاة في إشعال الحرائق وأعمال القتل.
ويتمسك الجيش بالتكتم الشديد حتى أن المتحدث باسمه نادرا ما يتحدث مع وسائل الإعلام. غير أن فيسبوك يحظى بشعبية طاغية في ميانمار وقد توصلت رويترز إلى حسابات جنود نشروا رسائل عن الحياة العسكرية وتحركات القوات والحملة التي شنها الجيش في ولاية أراكان.
وتكشف صفحات اثنين من أفراد فرقتي المشاة الخفيفة عن كراهية عرقية فجة.
قال الضابط كي نيان لين من الفرقة 33 لرويترز إن رد فعل الجيش مبرر لأن الجنود كانوا يتعرضون للهجوم من ”إرهابيين بنغاليين“.
وقال ”كانوا هم البادئين بإرهابنا. ولذلك جرى تكليفنا بالتصدي لهم. وأثناء حملتنا عليهم هرب سكان قرى بأكملها“.
وأضاف أنه لم يشارك في أي أعمال قتل أو إشعال حرائق.
ولم يرد الجيش والحكومة على أسئلة من رويترز. وفي الماضي نفت الحكومة اتهامات التطهير العرقي في أراكان . وقالت وزارة الداخلية المسؤولة عن الشرطة لرويترز إنها ترفض الادعاءات بأن رجال الشرطة شاركوا في حرق قرى الروهنغيا.
كانت ولاية أراكان قد أصبحت بالفعل برميل بارود على الصعيد العرقي قبل وصول فرقتي المشاة الخفيفة. وكانت سنوات العنف بين الجماعتين العرقيتين الرئيسيتين، الروهنغيا المسلمين والراخين البوذيين، قد أدت إلى سقوط مئات القتلى وتشريد الآلاف وأغلبهم من الروهنغيا.
وكان وصول فرقتي المشاة الخفيفة في أوائل أغسطس آب 2017 بداية حشد عسكري كبير. وتبين صور التقطت في تلك الفترة وصول الجنود إلى مطار سيتوي أو في زوارق امتلأت عن آخرها بهم.
وقالت حكومة أونغ سان سو تشي الحائزة على جائزة نوبل في بيان في ذلك الوقت إن نشر القوات سيجلب ”السلام والاستقرار والأمن“. غير أن استقدام قوات مدججة بالسلاح متهمة بأن لها تاريخا طويلا من انتهاكات حقوق الانسان كان له أثر عكسي. فقد قال سكان القرى من الروهنغيا إن ذلك غذى الخوف والتوتر في المنطقة المضطربة.
وفي 25 أغسطس آب جاءت هجمات على مواقع الشرطة وقاعدة للجيش في أراكان. وكانت الفرقتان 33 و99 موجودتين في مواقعهما مع قوات أمنية أخرى وردت تلك القوات بحملة وحشية ساقت فيها فعليا أعدادا غفيرة من المدنيين الروهنغيا أمامها في اتجاهي الشمال والغرب إلى بنغلادش.
ويعتبر الروهنغيا أنفسهم من المواطنين الأصليين في ولاية أراكان. غير أن ميانمار تحرم معظمهم من الجنسية وتقول إنهم ليسوا من السكان الأصليين. كما أن الأغلبية البوذية في البلاد تشهر بهم.
وروى أفراد من الشرطة وأهالي القرى من البوذيين الراخين لرويترز كيف أنهم نسقوا مع القوات من الفرقتين لحرق قرى الروهنغيا حتى لا يصبح لأصحابها بيوت يعودون إليها.
ويأتي التحقيق الذي أجرته رويترز عن فرقتي المشاة وقادتهما في وقت تتصاعد فيه الدعوات العالمية لمحاسبة المسؤولين عن عمليات الطرد الجماعي للروهنغيا.
ففي 25 يونيو حزيران دعا الاتحاد الأوروبي وكندا إلى فرض عقوبات على سبعة من كبار القادة العسكريين في جيش ميانمار وضباط الشرطة بما في ذلك قادة الفرقتين 33 و99.
ويواجه السبعة تجميد أرصدتهم كما أنهم ممنوعون من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي. وحتى الآن لم تفرض الولايات المتحدة عقوبات سوى على قائد واحد من قادة جيش ميانمار بسبب انتهاكات ارتكبت خلال حملة أراكان.
ولم تستهدف العقوبات الجديدة الرجل الذي يملك السلطة المطلقة على الفرقتين 33 و99 وهو القائد العام للجيش مين أونغ هلاينغ.
والقائد العام شخص ضئيل الجسم كثيرا ما يرتدي نظارة مستديرة العدسات بلا إطار ويبدو أشبه بموظف يؤدي عملا مكتبيا منه إلى قائد واحد من أكبر جيوش المنطقة. وقد ارتبط صعود نجمه في صفوف الجيش بالتاريخ الدموي لفرقتي المشاة الخفيفة.
يعمل ثوانغ واي أو مؤرخا عسكريا خدم برتبة عقيد في الفرقة 33 كما خدم برتب أقل في فرقتين أخريين من المشاة الخفيفة. وعندما سئل عمن يملك السلطة المطلقة على فرقتي المشاة قال ”الجنرال الكبير مين أونغ هلاينغ. هذا السؤال في غاية السهولة“.
ورغم أنه رفض مناقشة العملية التي نفذها الجيش في ولاية أراكان فقد قال إن القائد العام ِوحده هو الذي يستطيع نشر فرق المشاة الخفيفة في الهجمات الكبرى.
وأضاف ”القرارات النهائية تصدر من الجنرال الكبير مين أونغ هلاينغ“.
وخلال حياته العسكرية قاد مين أونغ هلاينغ فرقة المشاة الخفيفة الرابعة والأربعين. وفي 2009 وبصفته قائدا للعمليات الخاصة أشرف على نشر الفرقة 33 في حملة لإخراج متمردين مسلحين من جيب في شرق ميانمار وفر في تلك الحملة حوالي 37 ألفا عبر الحدود إلى الصين. وأصبح قائدا عاما للجيش في 2011.
وكان مين أونغ هلاينغ هو الوجه الرسمي للحملة في ولاية أراكان. وقبل أيام من نشر الفرقتين 33 و99 عقد اجتماعا أمنيا حظي بتغطية إعلامية واسعة مع قيادات البوذيين في ولاية أراكان.
وفي عز الحملة الأمنية قال في أول سبتمبر أيلول ”المشكلة البنغالية مشكلة قائمة منذ مدة طويلة وقد أصبحت مهمة لم تكتمل“.
وفي 19 سبتمبر أيلول زار مدينة سيتوي عاصمة الولاية وتقول صفحته على فيسبوك إنه تلقى تقريرا مفصلا من كبار الضباط عن سير عملية الجيش في أراكان.
ولم يرد الجيش على طلب من رويترز للحصول على تعليق من مين أونغ هلاينغ.
ولم يعر العالم الهجمات العسكرية السابقة التي شنتها الفرقتان 33 و99 التفاتا. غير أن دورهما في الحملة الأمنية على أراكان كانت له آثار بعيدة المدى.
فقد أدى ذلك إلى أزمة لاجئين متواصلة في بنغلادش التي تعد من أفقر دول العالم وغير مهيأة للتعامل معها. كما أضرت الحملة بصورة سو كي على مستوى العالم كواحدة من أيقونات الديمقراطية.
ويتهم ناشطو حقوق الانسان سو كي بعدم الدفاع بقوة أكبر عن الروهنغيا الذين تعرضوا طويلا للاضطهاد ثم تأييد ما ردده الجيش عن الأحداث. ورفض مكتبها التعليق.
وفي ديسمبر كانون الأول قدرت جماعة الإغاثة الدولية أطباء بلا حدود أن 6700 على الأقل من الروهنغيا قتلوا في الشهر الأول وحده من الحملة الأمنية.
ولم يعلق الجيش على عدد القتلى في ولاية أراكان أو على الاتهامات المحددة عن الانتهاكات التي ورد وصفها في هذا التقرير.
عشرة رجال من مسلمي الروهنغيا في قرية إن دِن على ساحل منغدو في صورة التقطت يوم الثاني من سبتمبر أيلول 2017. صورة لرويترز.
* ”إذا كانوا بنغاليين فالقتل مصيرهم“
تبين ثلاث صور وزعتها وكالة ميانمار للصور الصحفية وصول الجنود إلى مطار سيتوي في العاشر من أغسطس آب. كما تظهر في اثنتين من الصور طائرات عسكرية من طراز شانغي واي-8 الصينية الصنع القادرة على نقل أكثر من 100 جندي وهي تقف صفا على أرض المطار أمام أسطول من شاحنات الجيش. وظهر على كتف أحد الجنود بوضوح رمز الفرقة 33.
وكان ممن سافروا جوا إلى ولاية أراكان وإن لم يكن بالضرورة على متن واحدة من تلك الطائرات اللفتنانت كي نيان لين من فرقة المشاة الخفيفة الثالثة والثلاثين. ويعرف نفسه على فيسبوك باسم ماي نوانغ لين. ويظهر اسمه كي نيان لين على صفحته الرئيسية على فيسبوك وفي صورة نشرها من حفل زفافه. وهو في الرابعة والعشرين من العمر.
وفي 11 أغسطس آب نشر صورة من أيقونات الوجوه على فيسبوك لوجه يتكلف الابتسام وكتب بجوارها ”إذا كانوا بنغاليين فالقتل مصيرهم“.
وكان الجنود الذين يظهرون في الصور التي تم التقاطها في مطار سيتوي وفقا لمعايير جيش ميانمار مزودين بمعدات جيدة ومدججين بالسلاح. وكانوا يرتدون خوذا وصديريات واقية من الرصاص ويحملون بنادق ومدافع مورتر.
وفي الصور المنشورة في أغسطس آب 2017 على فيسبوك تظهر قوات وشاحنات تمتلئ بها سفينة إنزال تابعة للبحرية. وقال ثلاثة محللين درسوا هيكل القيادة العسكرية لجيش ميانمار واثنان من خبراء القانون الدولي إن استخدام الطائرات والسفن في نقل الجنود يوضح تنفيذ عملية مشتركة يشارك فيها سلاح الجو والبحرية والجيش.
وقال أحد الخبيرين وهو تايلر جيانيني المدير المشارك لوحدة عيادة حقوق الانسان الدولية بكلية الحقوق بجامعة هارفارد إن العملية المشتركة ونشر قوات من خارج المنطقة يشير إلى اشتراك ”القيادة المركزية على أعلى المستويات“.
وأنزلت السفينة التابعة للبحرية حملتها في راثيدونغ وهي إحدى ثلاث مدن تمثل شمال ولاية أراكان. ومن هذا الموقع انطلقت فرقتا المشاة الخفيفة شمالا حسب ما قاله أكثر من 40 فردا من الروهنغيا تحدثت رويترز معهم عن مشاهداتهم.
وتقدمت الفرقة 33 في الأساس على الجانب الشرقي من جبال مايو وهي سلسلة جبلية تغطيها الغابات تقسم مدينتي راثيدونغ ومنغدو. أما الفرقة 99 فسارت على الجانب الغربي.
وأوضحت المقابلات التي تمت مع أفراد الروهنغيا أن الفرقتين 33 و99 انتشروا في 22 قرية على الأقل في شمال ولاية أراكان.
كان لنشر القوات وقعا شديدا في المنطقة. ففي 14 أغسطس آب أحصى أحد علماء الدين الروهنغيا ويدعي عبد الجليل حوالي 350 جنديا يسيرون عبر قريته في ثا وين تشاونغ. وقال ”ساروا في الطريق الرئيسي وشاهدهم الجميع“.
كما أعلنت الفرقتان 33 و99 عن وصولهما في سلسلة من اللقاءات قال من شاركوا فيها من الروهنغيا إنها بثت في نفوسهم القلق والخوف.
وقالوا إن قيادات من طائفة الراخين المحلية شاركت أحيانا في تلك اللقاءات.
وتشابهت الرسائل التي تم توصيلها من خلال تلك اللقاءات التي عقدت في أماكن مثل المدارس ومراكز الشرطة. فقد قال الضباط إنهم جاءوا ”لتطهير“ المنطقة واجتثاث ”الإرهابيين“ و“المجرمين“.
وقال الحاضرون من الروهنغيا إن الضباط اتهموا الروهنغيا بإيواء ”أشرار“ وهددوا بحرق القرى وإطلاق النار على كل من يعتبر مشبوها.
وأجرت رويترز مقابلات مع ثلاثة من الروهنغيا قالوا إنهم حضروا اجتماعا في منتصف أغسطس آب دعا إليه قادة الفرقة 99 في توانجبيوليتوي الواقعة على حدود ميانمار مع بنغلادش. وقال أحد الأعيان المحليين ممن حضروا الاجتماع واسمه عارف إن عشرات الجنود كانوا يحرسون القائد. وقال عارف إنه يتذكر أن الضابط قال ”إذا وجدنا أي إرهابيين فسنحرق قريتكم ونحولها إلى رماد. ولن تبقى لكم أجيال قادمة“.
وفي الجانب الآخر من جبال مايو في قرية تشوت بين حضر عبد البصير وقيادات أخرى من الروهنغيا اجتماعا دعا إليه قائد من قادة الفرقة 33. وقال لهم القائد إنه كان يخوض في الآونة الأخيرة حربا عرقية أخرى في شمال ميانمار.
ونقل عبد البصير عن القائد قوله ”قبل أن نأتي إلى هنا كنا على الجبهة في ولاية كاشين. وتصرفنا تصرفات في غاية السوء في كاشين وهم مواطنون. أما أنتم فلستم مواطنين ولذا بوسعكم أن تتصوروا كيف سنتصرف“.
وأشار كثير من الروهنغيا الذين التقت بهم رويترز إلى قوات الفرقتين 33 و99 بعبارة ”الجنود الجدد“ لتمييزهم عن الجنود المرابطين من قبل في المنطقة. وقالوا إن الروهنغيا على مر السنين كانوا يرشون رجال الجيش والشرطة المحليين أو يساومونهم من أجل الحفاظ على الوضع القائم غير المستقر. غير أن مقاول البناء نور عالم وهو من الروهنغيا قال إن ”الجنود الجدد“ كانوا مختلفين.
فقد كان عالم يبني مدرسة حكومية في قرية آه هتيت نان يار في راسيدونغ. وعندما وصل مئات الجنود صباح يوم مطير في منتصف أغسطس آب فر عماله. وقال ألوم الذي كان على صلة طيبة بالكتيبة المحلية إنه ظل في مكانه.
وأضاف إنه تكور بعد دقائق وأصبح في وضع أشبه بالجنين بينما راح جنود الفرقة 33 يركلونه ويضربونه ويطالبونه بأن يقر بحقيقة ”الإرهابيين“ المختبئين في قريته.
وأضاف ألوم الذي يعيش الآن في مخيم للاجئين في بنغلادش أن أحد الجنود قال له ”الحكومة المركزية أرسلتنا خصيصا لقتلكم أيها البنغاليين“.
ولم يتسن التأكد من الاعتداء على نور عالم من مصدر مستقل. غير أن ثورا سان لوين قائد الشرطة شبه العسكرية في أراكان في ذلك الوقت قال لرويترز إن قوات من الفرقتين 33 و99 أرسلت إلى قرى من بينها قرية آه هتيت نان يار.
كان الضابط كي نيان لين من الفرقة 33 مشغولا بالعمليات العسكرية حسب ما نشره على صفحته على فيسبوك. إذ كتب يقول في 26 أغسطس آب ”لم أنم مرة أخرى لأنني اضطررت للخروج والمساعدة في محاصرة قرية من قرى الكالار. لكن عندما وصلنا إليها كان جميع الكالار قد رحلوا“.
ثم راح يروي رحلته الشاقة عبر الجبال إلى قرية إن دِن على ساحل منغدو. وهناك تناول وجبة طيبة واتصل بزوجته. وكتب يقول ”استرخي الآن في حالة من السكينة“.
وبالنسبة لسكان قرية إن دِن من الروهنغيا كانت القرية في ذلك الوقت منطقة حرب. وكانوا قد بدأوا في ذلك الوقت يفرون إلى الغابات القريبة. وفي غضون أيام من وصول الفرقة 33 انضم الجنود ورجال الشرطة إلى البوذيين الراخين المحليين في حرق معظم بيوت الروهنغيا في إن دِن حسب ما نشرته رويترز في فبراير شباط الماضي.
وذكرت رويترز في فبراير شباط إن الجنود احتجزوا في أول سبتمبر أيلول عشرة من الرجال والصبية من الروهنغيا. وفي اليوم التالي وبمساعدة أهل القرية من الراخين أطلقوا عليهم النار أو قتلوهم ضربا بأسلحة بيضاء ثم ألقوا بجثثهم في قبر جماعي غير عميق.
وقال اثنان من رجال الشرطة إن بعض الجنود في قرية إن دِن كانوا ينتمون مثل اللفتنانت كي نيان لين للكتيبة الحادية عشرة من فرقة المشاة الخفيفة 33. وقال الضابط كي نيان لين لرويترز ”لم أشارك في القتل في إن دِن. وبالقطع لم أرتكب أي عمليات قتل أخرى أيضا“.
وفي ديسمبر كانون الأول ألقت السلطات القبض على صحفيين من رويترز بعد أن علمت الشرطة أنهما يتحريان عن مذبحة إن دِن. وفي الشهر التالي اعترف الجيش بأن جنودا شاركوا في قتل العشرة وقال إن محكمة قضت بسجن سبعة جنود عشر سنوات. ولم يذكر الجيش أسماء المحكوم عليهم أو رتبهم أو الفرق التي كانوا ينتمون إليها.
ولا يزال الصحفيان وا لوني وكياو سوي أو في السجن بتهمة مخالفة قانون الأسرار الرسمية. وإذا تم توجيه الاتهام لهما رسميا فربما يحكم عليهما بالسجن فترة تصل إلى 14 عاما.
وقال سكان من الروهنغيا يعيشون الآن في مخيمات في بنغلادش إن الجنود راحوا يهدمون قرية مين جي المعروفة أيضا باسم تولا تولي في 30 أغسطس آب في شمال منغدو.
ويقول محققون يعملون لحساب منظمة هيومن رايتس ووتش إن مذبحة وقعت في تولا تولي. وقال تقرير للمنظمة الحقوقية إن الجنود أطلقوا النار على الروهنغيا الفارين وألقوا القبض على المئات.
وأضاف التقرير أن الجنود راحوا بعد ذلك و“بشكل منهجي يقتلون الرجال على مدى عدة ساعات“ وذلك قبل قتل نساء وأطفال من الروهنغيا واغتصاب العديد من النساء.
وتبين مقابلات رويترز مع اثنين من أهل القرية في أراكان أن الفرقة 99 كانت في القرية. كما تؤكد المقابلات مع الناجين من الروهنغيا مشاركة جنود الفرقة في ارتكاب فظائع فيها.
وقال أحد سكان القرية ويدعى ماونغ هلا سين لرويترز إن السكان من عرق الراخين اعتبروا أفراد الفرقة 99 منقذين لهم. وأضاف ”لو لم يصلوا لكان الكالار قتلوا الجميع“. وقال إنه سمع إطلاق نار وانفجارات من ناحية قرية تولا تولي لكنه لم ير ما حدث فيها.
Slideshow (3 Images)
وقال أونغ كياو ثين رئيس القرية من عرق الراخين إن أكثر من 100 جندي من الفرقة 99 نفذوا ”عملية تطهير“ في تولا تولي. وقال لرويترز في نوفمبر تشرين الثاني ”لا أعرف بالضبط عدد من قُتلوا من المسلمين لأننا لم نجرؤ على مغادرة قريتنا“. ونسب الفضل في حماية أهل القرية من عرق الراخين للفرقة 99.
وتحاورت رويترز مع ثلاثة من نساء الروهنغيا قلن إن جنودا في جيش ميانمار يرتدون رمز الفرقة 99 على أذرعهم اغتصبوهن في تولا تولي.
وقالت امرأة من الثلاثة من عائلة تحمل اسم بيغوم إن جنودا أخذوها إلى بيت في تولا تولي مع 11 امرأة وبنتا أخرى من بينهن شقيقتها الصغيرة. وقالت إن ستة من جنود الفرقة 99 دفعوا بها إلى غرفة مليئة بالجثث ثم ذبح أحد الجنود شقيقتها. وقال وهي تبكي وترتعد ”لم أتحمل النظر وأدرت وجهي“.
وقالت المرأة إنها تعرضت للركل والضرب حتى غابت عن الوعي. وعندما أفاقت، كان الظلام حالكا وكانت النار مشتعلة في ظهرها وساقيها ورأسها مضطربة. وزحفت خارجة من المكان بينما كانت عشر نساء أخريات تحترقن وهن غائبات عن الوعي.
ولم يتسن التحقق من صحة روايتها من مصدر مستقل.
وبدت على جسدها آثار حروق أثناء حديثها مع رويترز. وقال سكان من عرق الراخين لرويترز في نوفمبر إن جنودا من الفرقة 99 كانوا لا يزالون في تولا تولي وإن جميع بيوت الروهنغيا سويت بالأرض.
وفي الخامس من سبتمبر أيلول كتب ساي سيت ثواي أونغ الجندي بالفرقة 99 على صفحته على فيسبوك ”الكالار هادئون الآن“. وأضاف ”قرى الكالار احترقت“. وقال لرويترز إنه كان في شمال منغدو في ذلك الوقت وإنه لم يشعل أي حرائق. وأضاف أن الروهنغيا أحرقوا بيوتهم ثم حملوا المسؤولية للجيش.
وقالت أونغ سان سو تشي في خطاب ألقته بعد أسبوعين إن الحملة التي شنها جيش ميانمار في ولاية أراكان انتهت رسميا في الخامس من سبتمبر أيلول.
ومع ذلك تبين صور الأقمار الصناعية أن عمليات إشعال الحرائق في قرى الروهنغيا استمرت لأسابيع. وخلال تلك الفترة شاهد صحفيون من رويترز في بنغلادش الدخان يرتفع كل يوم في ميانمار على الجانب الآخر من الحدود.
ويقول شاهد على الأحداث هو ضابط الشرطة الذي نجا من الهجوم على القاعدة في مين هلوت إن الفرقتين 33 و99 كانتا من بين المسؤولين عن عمليات الحرق.
وقال الضابط لرويترز إنه أمر بعد الهجوم بالانضمام لجنود من الفرقتين 33 و99 في ”عمليات تطهير“ في بعض قرى الروهنغيا التي كان أهلها قد هجروها. ونشرت رويترز بعض أقواله في فبراير شباط.
وقال إن كل عملية شارك فيها من خمسة إلى سبعة من رجال الشرطة مع 20 جنديا من الجيش على الأقل. وحاصرت الشرطة بيوت الروهنغيا بينما فتشها الجنود ثم أشعلوا النار فيها. وكانت أسقف البيوت من أوراق الشجر وجدرانها من الخيزران ولذلك كان من السهل حرقها.
وقال الضابط ”لم تكن هناك حاجة لاستعمال الوقود“. وأضاف أنه تم حرق البيوت ”أساسا لأسباب أمنية“ لمنع الروهنغيا من العودة وشن هجمات جديدة.
وقد نفى الجيش حرق البيوت في ولاية أراكان ويقول إن مسلحي الروهنغيا أشعلوا النار في البيوت.
ووصف ضابط الشرطة كيف استخدمت الفرقتان 33 و99 إشعال الحرائق بشكل روتيني ومنهجي. وقال ”كنا نتوجه إلى قرية ونحرقها عن آخرها … وفي اليوم التالي نتوجه إلى قرية أخرى. وفي المساء نتوجه إلى قرية غيرها“.
* استقبال الأبطال
حظرت حكومة ميانمار على الصحفيين وغيرهم من المراقبين الأجانب بما في ذلك محققي الأمم المتحدة زيارة أغلب الأماكن في شمال ولاية أراكان بحرية.
وقال مين أونغ هلاينغ لمبعوثي مجلس الأمن الذين زاروه في نايبيتاو في أبريل نيسان إن ما حدث في أراكان ”مسألة داخلية“ وذلك وفقا لرواية عما دار في اللقاء نشرت على صفحته الرسمية على فيسبوك.
وفي إشارة إلى النزوح الجماعي للروهنغيا قال ”البنغاليون لن يقولوا أبدا أنهم وصلوا إلى هناك وهم راضون. فلن يحصلوا على التعاطف والحقوق إلا إذا قالوا إنهم يواجهون الكثير من المصاعب والاضطهاد“.
ويشير مراقبون عسكريون إلى أنه تم في الآونة الأخيرة استبعاد بعض الضباط المشاركين في الحملة الأمنية على ولاية أراكان من الخدمة الميدانية.
وكان من بينهم اللفتنانت جنرال أونغ كياو زاو. ويقول مراقبون مخضرمون لجيش ميانمار إن من المفترض أنه نسق عملية ولاية أراكان من مقر الجيش في نايبيتاو بصفته رئيس مكتب العمليات الخاصة لغرب ميانمار. ويقول الجيش إن أونغ كياو زاو الذي كان من قادة الفرقة 33 خلال حياته العسكرية ”تلقى إذنا بالاستقالة“ في مايو أيار.
وقال الجيش إن الميجر جنرال ماونغ ماونغ سوي الذي كان قائدا للقيادة الغربية تم عزله من الجيش في 25 يونيو حزيران. ولم يرد الجيش على طلب تقدمت به رويترز للحصول على تعليق من أونغ كياو زاو وماونغ ماونغ سوي.
وورد اسما البريجادير جنرال ثان أوي قائد الفرقة 99 والبريجادير جنرال أونغ أونغ قائد الفرقة 33 في قوائم العقوبات التي نشرها الاتحاد الأوروبي وكندا في 25 يونيو حزيران.
واستقبل جنود جيش ميانمار استقبالا حافلا في المدن التي ترابط فيها معظم فرق المشاة الخفيفة.
ومن الممكن الاطلاع على صور عودة القوات على الكثير من الحسابات على فيسبوك. ويظهر في تلك الصور جنود من الفرقتين 33 و99 وهم يسيرون عبر المدن والناس يقدمون لهم الورود وأوراق الغار رمزا للنصر وحسن الحظ.
وفي السادس من ديسمبر كانون الأول نشر ساي سيت ثواي أونغ صورا لنفسه ولجنود آخرين من الفرقة 99 وهم يسيرون أثناء عودتهم وسط حشود من الناس في ميكتيلا. وكان يبتسم بينما كانت الزهور تطوق عنقه.
وفي ذلك اليوم نشر لنفسه صورة ذاتية بالزي العسكري وعلق عليها أحد أصدقائه قائلا ”فخور بك لطرد الكلاب الكالار“.