وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
أجرت الحوار : منال السيسي
هكذا.. مرت الذكرى السنوية لعمليات الإبادة الجماعية لمسلمي الروهنغيا في ميانمار مرور الكرام! إعلاميًا لم يتعد الأمر سوى خبرٌ هنا أو هناك كأنه حدثٌ عادي روتيني، وسياسيًا صمت مطبق إلا من بعض التصريحات التي تخرج من آن لآخر لمسئولين وسياسيين حفظا لماء الوجه، أما ميدانيًا فالأرقام والإحصائيات تظهر استمرار معاناة أكثر من مليوني مسلم روهنغي على الحدود مع بنغلادش، وسط ظروف معيشية غير آدمية، تفوح منها رائحة الموت!.
عن مستجدات الوضع على الأرض بعد مرور عام على مذابح مسلمي الروهنغيا في ميانمار كان لبوابة ماسبيرو هذا الحوار مع رئيس وكالة أنباء أراكان، الدكتور صلاح عبد الشكور.
– أين وصل الوضع الميداني والإنساني في مخيمات اللاجئين على الحدود مع بنغلادش؟
أقلية الروهنغيا المسلمة في ميانمار تواجه منذ عقود حملة إبادة وتطهير عرقي ممنهج في ولاية أراكان غرب ميانمار (بورما)، وأزمة اللاجئين الروهنغيين على حدود بنغلادش وميانمار ماهي إلا نتاج وإفراز من إفرازات سياسية التمييز العنصري والتطهير العرقي الممارس ضد هذه الأقلية بشكل واضح منذ أكثر من سبعين عامًا لأسباب دينية وسياسية وعرقية واقتصادية، كل هذه الحملات دفعت بالروهنغيين إلى الفرار نحو بنغلادش المجاورة، ومع مرور السنوات تشكلت مخيمات للاجئين هنالك على طول الشريط الحدودي.
وفي الحملة العسكرية التي شنتها القوات الميانمارية وتحديدًا في الخامس والعشرين من أغسطس عام 2017م، اضطر أكثر من 700 ألف روهنغي إلى الفرار نحو الحدود، بعد أن نفذ جيش ميانمار البوذي حملة إبادة جماعية قتلت الآلاف، واغتصبت النساء، وأحرقت قرى بأكملها، ليصبح إجمالي عدد اللاجئين أكثر من مليون ومائتي ألف لاجئ، ويعيش الروهنغيون حالياً في مخيمات مبنية من أخواص وبلاستيك وسط ظروف صعبة للغاية، حيث يعتمدون على المعونات الإنسانية التي تقدم لهم من قبل المنظمات الإغاثية، والأوضاع مجملا تتطلب المزيد من الخدمات، نظرًا لسوء المنطقة التي يسكنها اللاجئون، فهي منطقة جرداء تجتاحها الأعاصير والفيضانات، ولا توجد بها بنية أساسية من الخدمات، كما أن الخدمات الصحية المقدمة للاجئين تحتاج إلى الكثير من التطوير والإمداد.
تقرير أممي يدين جيش ميانمار
– ما هي الشواهد التي ارتكز عليها تقرير لجنة تقصي الحقائق الأممي؟ وما هي أهم التوصيات التي خرج بها التقرير من وجهة نظرك؟
ارتكز تقرير بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ميانمار، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان في مارس عام 2017، على آليات حقوقية وقانونية معروفة دوليًا في تقريرها الذي صدر قبل أسبوع، واعتمدت اللجنة على زيارات ميدانية لعدد من الدول، وعلى صور ووثائق من جرائم جيش ميانمار، واعتمدوا أيضًا على فيديوهات كثيرة، وعلى صور عبر الأقمار الصناعية، ومقابلات مع اللاجئين فاقت 800 مقابلة، وطالب التقرير الختامي للجنة بعدد من المطالب المهمة من وجهة نظري منها:
أولًا: دعت البعثة إلى إحالة الوضع في ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة جنائية أخرى يتم إنشاؤها لهذا الغرض.
ثانيًا: شدد تقرير البعثة على ضرورة مقاضاة كبار الجنرالات في ميانمار، بمن فيهم القائد الأعلى مين أونغ هلينغ، باتهامات ارتكاب الإبادة الجماعية في شمال ولاية أراكان، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في ولايات؛ أراكان وكاتشين وشان.
ثالثًا: توصلت لجنة تقصي الحقائق، بناء على أدلة معقولة، إلى أن الأنماط التي وجدتها للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي، تصل إلى درجة أكثر الجرائم جسامة وفق القانون الدولي، وقد ارتكبت تلك الجرائم بشكل أساسي من القوات المسلحة (التاتمادو).
رابعًا: نطاق ووحشية الاغتصاب والعنف وطبيعتهما المنهجية، كل ذلك يشير إلى أن تلك الأعمال كانت جزءًا من استراتيجية متعمدة لترهيب أو معاقبة السكان المدنيين، وقد استخدمت (تلك الانتهاكات) كأسلوب للحرب وشملت الاغتصاب الفردي، والاغتصاب الجماعي، والاسترقاق الجنسي، والإجبار على التعري، وبتر الأعضاء.
خامسًا: خلص التقرير إلى وجود معلومات كافية لإجراء تحقيقات ومقاضاة سلسلة القيادة في القوات المسلحة، لتتمكن محكمة كفؤة من تحديد مسؤولية أولئك القادة على ارتكاب الإبادة الجماعية في ولاية أراكان.
سادسًا: أضاف التقرير أن مستشارة الدولة أونغ سان سو تشي لم تستخدم منصبها، باعتبارها الرئيسة الفعلية لحكومة ميانمار، أو سلطاتها المعنوية لوقف أو منع الحوادث التي ارتكبت في ولاية “أراكان”.
– ألا ترى أن هذا التقرير تأخر كثيرا؟ وما هو المسار الذي سيتم اتباعه بعد ذلك من أجل دعم القضية وتقديم المدانين للمحاكمة؟
نعم.. هذا التقرير تأخر كثيرًا، إلا أنه أنصف الروهنغيا وأعاد الأمل لهم بعد أن ملّوا من المطالبات الأممية لإنصافهم وإعادة حقوقهم، ومع ذلك يبقى تنفيذ بنود هذا التقرير وإحالة المتورطين من جنرالات جيش ميانمار، وإعادة اللاجئين الفارين إلى موطنهم وإعادة حقوقهم ،تبقى كلها ملفات معلقة يحتاج مجلس الأمن أن يكون حازماً في تطبيق بنودها وتنفيذها على أرض الواقع، كما أن الروهنغيا يخشون حاليًا من الفيتو الصيني والروسي الذي منع مرارًا إدانة حكومة ميانمار وجيشها وذهبت الجهود الدولية أدراج الرياح، وكل الجهود تذهب سدى ونعود للمربع صفر، ولذلك نحن الروهنغيا نطالب مجلس الأمن بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة لمحاكمة حكومة وجيش ميانمار مثلما أوصى تقرير لجنة تقصي الحقائق، لوضع حد للإفلات من العقوبة ولمنع التدخل الدولي من بعض الدول التي تربطها علاقات اقتصادية مع ميانمار.
– للمرة الأولى يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بزيارة مخيمات اللاجئين؟ ما هو تقييمك لهذه الزيارة؟
قبل نحو شهر قام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بزيارة لمخيمات اللاجئين الروهنغيا على الحدود مع بنغلادش والتقى خلال زيارته باللاجئين واستمع إليهم، وهي زيارة مهمة جدا وتعتبر الأولى للأمين العام، وبعد ذلك ألقى بيانا في مجلس الأمن حول الوضع في ميانمار تحدث فيه عن تلك الزيارة ولقائه باللاجئين الروهنغيا، ونقل رسالة إحدى اللاجئات قالت فيه “نحن بحاجة إلى الأمن والجنسية في ميانمار. ونريد العدالة لما لحق بأخواتنا وبناتنا وأمهاتنا”.
وقال غوتيريش أيضا في خطابه إن الاستجابة لأزمة اللاجئين الروهنغيا يجب أن تكون عالمية، حيث لا يزال النداء الإنساني لتلك الأزمة يعاني نقصا كبيرا في التمويل بنسبة 33%، مشددا على ضرورة بذل مزيد من الجهود لتخفيف المخاطر الحقيقية على حياة اللاجئين بسبب الرياح الموسمية الحالية والوشيكة.
وفي تصوري أن هذه الزيارة مهمة كونها جاءت في وقت وظرف مهم جدا، وأيضا فإن تلك الزيارة لها أهمية دولية، لأنها تلفت انتباه العالم نحو القضية، ونحو أزمة اللاجئين خاصة ونحن نأمل أن تكون هنالك خطوات أكبر لتحسين ظروف اللاجئين على كافة الأصعدة.
اتفاق العودة.. والمصير المجهول
– اتفاق العودة الذي ظهرت بنوده بين حكومة ميانمار وبنغلادش العام الماضي، هل دخل حيز التنفيذ؟ أم لا يزال الأمر يكتنفه الغموض؟
تحت ضغط الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وافقت ميانمار شكليا على إعادة اللاجئين إلى ديارهم، حين وقعت اتفاقا في 23 نوفمبر الماضي على بعض الشروط “شبه المستحيلة” للتحقق من إقامة الأشخاص الذين وصفهم الاتفاق بأنهم “نازحون من ميانمار” بدلا من وصفهم بتسميتهم الحقيقية “الروهنغيا”.
وفي 19 ديسمبر 2017، شكلت ميانمار وبنغلادش مجموعة عمل مشتركة للإشراف على عودة الروهنغيا؛ لكن ميانمار أعلنت بعد ذلك بأيام في نهاية الشهر نفسه أنها لن تستعيد اللاجئين الروهنغيا إلا خلال النهار فقط بسبب حظر التجوال، وبدأت بنغلادش في إجراءات العودة عبر استمارات أرسلتها ميانمار ليتم تعبئتها من قبل اللاجئين.
وفي 11 يناير 2018، قال مسؤول الهجرة في ولاية أراكان: إنه لا يعلم أين سيسكن الروهنغيا العائدون، وهو تصريح مهد لتأجيل عودة اللاجئين التي كان من المفترض أن تكون في 22 يناير بسبب عدم اكتمال الدعم اللوجستي.
وخلال هذه الفترة من العام أعلنت الأمم المتحدة أكثر من مرة أن الظروف الحالية غير صالحة للعودة؛ حيث قال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة استيفان دوغريك في 19 من أغسطس الجاري ” الظروف الحالية ما زالت غير ملائمة لعودة الروهنغيا إلى ديارهم في أراكان”، وهكذا مرّ عام على هذه الأزمة ولا زال الروهنغيون ينتظرون قرارًا دوليًا واقعا يضمن لهم حق عودتهم وضمان سلامتهم وأمنهم إلى وطنهم ميانمار.
وضع اللاجئين بلغة الأرقام
– هل يوجد أي تقارير استقصائية أوضاع اللاجئين الروهنغيا..حدثنا بلغة الأرقام؟
نعم.. هناك تقرير بحثي، أعده باحثون من أستراليا وبنغلادش وكندا والنرويج والفلبين برعاية منظمة “أونتاريو للتنمية الدولية” في كندا، ونشرت نتائجه وكالة “UNB” البنغالية (خاصة).
أوضح التقرير بعض الإحصائيات المهمة منها:
نحو 24 ألف من مسلمي الروهنغيا قتلوا في ميانمار قبل موجة النزوح الأخيرة من ولاية “أراكان”، التي بدأت العام الماضي.
18 ألف امرأة وفتاة روهنغية مسلمة تعرضن للاغتصاب منذ أغسطس 2017.
أكثر من 41 ألفا و192 روهنغيا أصيبوا بجروح سببتها أعيرة نارية من قوات الأمن أثناء حملة القمع الأخيرة.
114 ألفا و872 آخرين تعرضوا للضرب على أيدي قوات الأمن.
إحراق 115 ألفا و26 منزلا وتدمير أكثر من 113 ألف منزل آخر.
ومن خلال زياراتي ولقاءاتي بعدد كبير جدا من اللاجئين، أجزم أن هذه الأرقام ربما تكون ضئيلة مقابل أعداد الروهنغيا الذين تعرضوا لكل هذه الجرائم، مع الوضع في الاعتبار أن حكومة ميانمار تمنع كل الطواقم الصحفية وكل المراسلين وتعرقل عمل جميع المنظمات الحقوقية خوفاً من كشف هذه لحقائق.
-أخيرا.. كيف تقرأ المشهد ككل بعد عام من التهجير والإبادة، وكلمة توجهها للحكومات والمنظمات المعنية لمناصرة هؤلاء المستضعفين؟
بحمد الله فإن قضية الروهنغيا نالت نصيبا لا بأس به من الاهتمام العالمي والدولي، وأصبحت القضية واضحة الآن لكل المتابعين وكُشف اللثام عن المجرمين والمتورطين في جرائم الإبادة وجرائم الحرب، والروهنغيون في العالم بل أقول كل العالم ينتظر أن تأخذ هذه القضية مسارها القانوني للعدالة الدولية، وهذا واجب الإنسانية جمعاء في نظري، وأخص منهم السياسيين والزعماء والإعلاميين والمفكرين وسوف ينبلج صبح العدالة بإذن الله مهما أظلم الليل وطال.