وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
بعد أيام من توقف محاولة إعادة مئات الآلاف من الروهنغيا من بنغلادش ، بات مصير الأقلية المسلمة الأكثر اضطهادا في العالم معلقا في الهواء أكثر من أي وقت مضى وسط مخاوف متزايدة من أن أمر عودتهم بأمان إلى ميانمار قد يستغرق سنوات، إذا كان مقدرا لهم العودة من الأساس.
واتفقت ميانمار وبنغلادش في يناير الماضي على استكمال عودة اللاجئين طواعية خلال عامين. ووقعت ميانمار اتفاقا مع الأمم المتحدة مطلع في يونيو يهدف للسماح للروهنغيا اللاجئين في بنغلادش بالعودة بسلام وباختيارهم.
غير أن جهود حكومتي ميانمار، ذات الأغلبية البوذية، وبنغلادش تحطمت الأسبوع الماضي في البدء بإعادة أكثر من 700 ألف من اللاجئين الروهنغيا الذي يعيشون في مخيمات في كوكس بازار، إذ لم يوافق أي من هؤلاء اللاجئين العودة إلى ميانمار، ما ترك أكبر أزمة لجوء في العالم في حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل هؤلاء الناس الذي تعرضوا لأعمال عنف وقتل واغتصاب على أيدي جيش ميانمار.
وقال مفوض اللاجئين في بنغلادش لوكالة الأسوشيتد برس الأسبوع الماضي إن الروهنغيا “غير مستعدين للعودة الآن، مضيفا أن المسؤولين “لا يستطيعون إجبارهم على العودة” لكن “سوف نستمر في محاولة تشجيعهم على أن يحدث ذلك.”
علل اللاجئون الروهنغيا عدم قبول إعادتهم إلى ديارهم رغم أن أغلبهم يتوقون لذلك، بأن الأوضاع في ولاية أراكان التي طردوا منها لا تزال في غاية الخطوة ومضطربة كما كانت قبل حملة القمع التي قادها جيش ميانمار في أغسطس 2017، التي قتل فيها عشرات آلاف من الأشخاص وتعرضت النساء للاغتصاب واقتلعت قرى من جذورها ما أدى إلى أزمة نزوح جماعي للأقلية المضطهدة.
ووصفت الأمم المتحدة ووكالات إغاثة الحملة ضد الروهنغيا بأنها “نموذج مثالي للتطهير العرقي” وهو الاتهام الذي تنفيه ميانمار.
أعلنت حكومة ميانمار الأسبوع الماضي استعدادها لاستقبال الروهنغيا، وأنها شيدت مخيمات ومراكز استقبال تستطيع استيعاب 150 من اللاجئين يوميا. بيد أنه لم تكن هناك ضمانات لسلامة هؤلاء اللاجئين وأخرى لمنحهم الجنسية وحرية الحركة، تلك الحقوق التي يعتبرها الروهنغيا من الأمور الرئيسية حتى يبدؤوا في العودة إلى ديارهم.
وتظاهر مئات من الروهنغيا الأسبوع الماضي في كوكس بازار عندما بدى أن حكومة بنغلادش والأمم المتحدة يشرعان في تنفيذ خطة إعادة اللاجئين، فيما فر مئات علموا أن اسمائهم في قوائم العودة، حسبما أفادت أسوشيتد برس.
ونقلت صحيفة الغاريان البريطانية الأربعاء عن يانغي لي، المقرر الخاص للأمم المتحدة لميانمار قوله يوم الأربعاء: “أنا لا أعتقد أن ميانمار تريد عودة الروهنغيا.”
اعتقاد المقرر الأممي يعززه ما أشارت إلية حكومة ميانمار بأن عودة الروهنغيا لا تعني السماح لهم بالتحرك إلى ما وراء منطقة منغدو في ولاية أراكان ، وهي منطقة من مناطق ثلاث كان اللاجئون قد فروا منها العام الماضي.
قال لي إن “الحديث عن العودة إلى الديار غير واقعي في الوقت الراهن، حتى أنها (العودة) شديدة الخطوة. ميانمار لم تظهر أي استعداد حقيقي لاستعادة الروهنغيا ورغم كل حديثهم عن استعادتهم، فالأمر كان في إطار الحديث فقط….. لم يتغير شيء.”
أشارت الغارديان إلى أن الأوضاع المضطربة في أراكان قد تكون حجر عثرة أمام إعادة اللاجئين في المستقبل القريب- الأمر الذي يجعل منظمات حقوقية تخشى من أن تستغل السلطات في ميانمار ذلك لضمان بقاء الروهنغيا في مخيمات كوكس بازار لسنوات وربما للأبد.
قال المقرر الأممي إن حتى في ظل جهود المصالحة سيستغرق الأمر “سنوات وسنوات” حتى تصبح عودة الروهنغيا آمنة بسبب “عقود من التمييز ضدهم بموجب القوانين، وفي التعامل وفي السياسة،” التي رسخت المشاعر المعادية للمسلمين في أراكان .
ولا يزال الوضع سيئ إلى درجة أن المسلمين في أراكان ما زالوا يفرون إلى بنغلادش – فقد عبر 14 ألف منهم الحدود منذ يناير، وقال رئيس بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في ميانمار مؤخرًا إن “الإبادة الجماعية ما زالت مستمرة”، بحسب الصحيفة البريطانية.
التشاؤم الذي عبر عنه المقرر الأممي، كرره مدير حملة بورما (ميانمار) في بريطانيا، مارك فارمانر، الذي قال إن عرض ميانمار بأنها مستعدة لعودة الروهنغيا إلى ديارهم ما هو إلا “تمثيلية” لتخفيف حدة الضغوط الدولية، التي اشتدت منذ تقرير بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة الذي خلص إلى ولاية أراكان شهدت تطهيرا عرقيا، وطالبت البعثة بأن تحقق المحكمة الجنائية الدولية مع جنرالات الجيش في ميانمار بتهمة الإبادة الجماعية.
قال فارمانر: “بالطبع ميانمار ليست لديها نية لاستعادتهم كلهم أو إعادة جنسيتهم. يمكنك أن ترى بوضوح أنهم بنوا مخيمات فقط لتأوي نحو 30 ألف من الروهنغيا، وهو عدد من اللاجئين يعتبرون أنه ثمن صغيرا يدفعونهم حتى يُسكت المجتمع الدولي انتقاداته- لكنهم بالتأكيد لا يريدون أكثر من ذلك.”
أوضح فارمانر أن تعهد ميانمار باستقبال 150 من الروهنغيا في اليوم يعني أن إعادة مليون لاجئ في المخيمات، بعضهم وصل قبل 2017 جراء أعمال عنف سابقة، سوف تستغرق نحو 20 سنة.
“ترتيبات دائمة مشابهة للأبارتهايد”
وعدت ميانمار بإيجاد سبيل أمام الروهنغيا للحصول على الجنسية، التي سحبت منهم في 1982. غير أن ذلك سيكون متاحا فقط عندما يوقع اللاجئون على بطاقة تحقق وطنية، تلك التي يقاومها معظم اللاجئين إذ يقولون إنها تعني قبولهم بأنهم “بنغال أجانب” أكثر من مواطني ميانمار الشرعيين.
قال يو سو أونغ، مدير منطقة منغدو لمجلة فرونتير ميانمار هذا الأسبوع إنه سيكون من “المستحيل” حصول الروهنغيا على الجنسية.
قال فيل روبرتسون، نائب مدير اسيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، “يبدو أن ميانمار تجهز لترتيبات دائمة مشابهة للابارتهايد بالنسبة للروهنغيا، وأي عائد من بنغلادش سوف يتم إدخاله في هذا النظام.”
بنغلادش ، في المقابل، ليست مستعدة لقبول لبقاء مليون لاجئ من الروهنغيا في كوكس بازار، لكن مفوض اللجوء في البلاد، محمد أبو الكلام، قال للجارديان إن العودة “سوف تحصل بالتأكيد.”
أشارت الصحيفة البريطانية إلى أنه رغم تعهدات بنغلادش المتكررة بأنها لن تقف في وجه أي من الروهنغيا عند الحدود، إلا أن العديد من المنظمات غير الحكومية على الأرض أعربت عن قلقها من أن سلطات بنغلادش قد تحاول أو تبدأ في فرض قيود على المساعدات وعلى تأشيرات للمنظمات غير الحكومية التي ترغب في زيارة كوكس بازار، أو نشر معلومات مضللة للاجئين حتى تقنعهم بالعودة إلى ديارهم.
وقالت الغاريان إن الإصرار على أن وجود الروهنغيا مؤقت يعني أن بنغلادش مترددة في السماح بالمزيد من البنية التحتية الدائمة في مخميات كوكس بازار مثل وجود مدارس لمئات الآلاف من الأطفال. قالت كارولين غلوك، المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إنه طالما بقي اللاجئين في المخيمات، فخطر التطرف يتعاظم، خاصة بين الشباب المحرومين من القدرة على العمل.
ولا تزال بنغلادش تمضي قدما في خطة لإعادة توطين اللاجئين في مخيم جديد، بحسن تشار، على جزيرة في نهر، وهو مقترح تسبب في حالة من القلق والخوص لدى منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمات إغاثية، إذ أن هناك مخاطر من حدوث فيضانات. وقال أبو الكلام إن أي إعادة توطين في المخيم الجديد سيحدث فقط “ما إن تنتهي الانتخابات.”