تحقيق: صلاح عبدالشكور – بنغلاديش
استخدم الاغتصاب الجنسي للنساء كأداة من أدوات العقاب الجماعي من قبل الجيوش في أحداث كثيرة ومتعددة في العالم قديماً وحديثاً، إلا أن آخر تلك الأحداث الظاهرة والممنهجة ما وقع لنساء وفتيات أقلية الروهنغيا في ميانمار إبان الحملة العسكرية التي نفذها جيش ميانمار ضد الروهنغيا في ولاية أراكان غرب ميانمار في الخامس والعشرين من أغسطس عام 2017م، واستمرت لأشهر وتسببت في قتل الآلاف وتشريد أكثر من 700 ألف روهنغي فروا إلى بنغلاديش في ظروف إنسانية بالغة الخطورة، وكانت عمليات الاغتصاب التي روتها المغتصبات تفوق الوصف في بشاعتها وعنفها وطريقة تنفيذها، وكالة أنباء أراكان قامت بتحقيق استقصائي حول الموضوع وذهبت إلى مناطق مخيمات اللاجئين وتنقلت بين أكثر من تسعة مخيمات للاجئين على أسبوع كامل والتقت بأكثر من خمسين فتاة للوقوف على شهادات المغتصبات وفي ثنايا هذا التحقيق نكشف لكم جانباً خفياً وحساساً من جوانب هذا الموضوع الإنساني الذي تكتنفه الكثير من السرية لاعتبارات كثيرة وسنكشف لكم من خلال شهادات حصرية بشاعة ما قامت به القوات الميانمارية في حملتها على قرى الروهنغيين فيما يتعلق بجريمة الاغتصاب والعنف الجنسي.
مخيمات اللاجئين .. أسرار وحكايات
في بداية وصولنا إلى مخيمات اللاجئين أخذتنا الدهشة من أمور عدة كانت تشكل لنا صدمة كبيرة، فالأعداد الكبيرة التي تكتظ بهم المخيمات والمساكن الخشبية المهترئة ذات الأسقف البلاستيكية التي يسكنونها، والأعداد المهولة من الأطفال العراة الذين ينتشرون في أرجاء كل المخيمات، والنساء المسكونات بالوجع والهم، وضعف الخدمات المقدمة، وروائح التجمعات المائية هنا وهناك، وانتشار الأمراض والأحزان المتراكمة على سحنات الكبار والصغار جعلتنا نقف مدهوشين من الموقف في الوهلة الأولى فكل ما هنا يستدعي التوقف والتأمل والفحص، وفي كل زاوية من زوايا المخيم قصص قد لا تكفيها الساعات الطوال لسردها، ومن بين كل تلك المآسي كانت بوصلتنا الصحفية تتجه نحو موضوع غامض نسبياً وتحفه الكثير من الصعوبات لكشفه، إنه وضع المغتصبات اللائي تعرض للعنف الجنسي على يد قوات ميانمار أثناء تهجيرهم إلى بنغلاديش، فقررنا خوض هذه التجربة الصحفية وأخذنا في السؤال والتنقيب عن متعاونين من اللاجئين يقودوننا للجلوس والاستماع إلى المغتصبات، لم يكن فتح هذا الموضوع سهلاً ولكننا دُللنا على بعض المتعاونين ممن ساعدونا على إجراء هذا التحقيق بعد عمليات إقناع وضمانات قدمناها لهم، حيث كشفنا لهم عن بطاقاتنا الصحفية وأعطيناهم الأمان أن لا نكشف عن أسمائهم أو صورهم بأي شكل من الأشكال، وأن غرض هذه المقابلات تحقيق استقصائي نسعى لإظهاره للرأي العام .
مخيم كوتوبالونغ .. والمفاجأة الأولى
يعتبر مخيم كوتوبالونغ واحداً من أكثر المخيمات اكتظاظاً باللاجئين، “محمد رحيم الدين” لاجئ روهنغي كان أحد المتعاونين الوسطاء الذين لهم دراية كافية بالمخيم وهو يمثل عمدة أو مسؤولاً محلياً داخل هذا المخيم وكنا رتبنا معه أن يكون الحوار داخل أحد الأكواخ الخشبية حتى يكون الحديث شفافاً وذا خصوصية حفاظاً على الشهادات واللقاءات التي سوف نجريها مع المغتصبات، وكنا طلبنا منه أن يجمع لنا عشرة أو خمس عشرة نسوة ممن تعرضن للاغتصاب بعد إقناعهن على أهمية الكشف عما جرى لهن، ولكننا تفاجأنا من العدد الكبير من النسوة اللائي حضرن المكان، في الحقيقة لم أكن أتصور أن يكون كل هذا العدد من النسوة قد تعرضن للاغتصاب فتحدثت إليهن جميعاً وسألتهن فكانت المفاجأة الكبرى أن هنالك أضعاف أضعاف هذا العدد ممن تعرضن للاغتصاب على أيدي قوات ميانمار، وأكدن أن الموضوع يفوق التصور وأن ما حصل أمر ممنهج وفظيع للغاية، وبعد هذا الحوار الجماعي قمنا بإدخال الفتيات والنسوة في حجرة واحدة واتخذت حجرة مجاورة ليكون الحديث خاصاً بين كل مغتصبة مع فريق التحقيق الصحفي وبدأنا الحديث.
المغتصبات .. وتقاسم الهم والقلق والاضطرابات النفسية
في بداية حديثنا مع اللاجئات الروهنغيات اللاتي تعرض للاغتصاب في ميانمار لاحظنا قواسم مشتركة بين جميع من قابلناهم من الفتيات والنسوة، كان الحزن والهم يسيطر على نفوسهن وكنّ مصدومات للغاية ومعظمهن انفجرن بالبكاء والعويل أثناء حديثهن وتذكرهن لمشاهد الاغتصاب والعنف الجنسي، كما أن جميع الفتيات والنسوة تشابهت رواياتهن إلى حد كبير، ومن بين المغتصبات فتيات قاصرات، إضافة إلى ذلك فإن الواضح من مجمل المقابلات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك إلى استخدام جيش ميانمار للعنف الجنسي مع معظم المغتصبات وأكثر ما لفت انتباهنا الحالة النفسية السيئة التي يعشنها والاكتئاب الذي ينتابهن بشكل متواصل، وخاصة أن كثيرات من هؤلاء المغتصبات قد فقدن أزواجهن أو أقاربهن أو أبناءهن وشاهدن الكثير من جرائم الإبادة الجماعية وحرق القرى والتهجير الجماعي، فكانت الواحدة منهن تبكي لحالها وحال أسرتها وأبنائها في صورة إنسانية لا تتحملها الأعين.
قتل وتمثيل واغتصاب
“سليمة ح ك” كانت متحفظة أثناء حديثها تتنفس الصعداء وقد بدا الاضطراب عليها أثناء استفسارنا عن حالها، وبعد بضعة دقائق من الحوارات العامة سألناها عما جرى لها فأجهشت بالبكاء وقالت: “هربت بعد عيد الأضحى بعد أن اعتقل الجيش زوجي وعرفت فيما بعد أنه في السجن، كان آخر مرة رأيته فيها ليلة الاعتقال لم أره بعدها، ولما وصل الجنود إلى القرية فر الجميع وكنت أنا في بيتي ولم أعلم بهم دخلوا عليّ بيتي وكانوا أكثر من سبعة عناصر مدججين بالسلاح، تواصل قائلة: في البداية قتلوا طفلي الصغير أشعلوا النار في عضوه الذكري ثم ذبحوا أخته بالسكين أمام عيني بعدها وجهوا البندقية إليّ وربطوا يدي في الخلف واغتصبوني، بعدما غادر الجنود القرية عاد أهل القرية وجاء أخي إلى بيتي ليطمئن علي فوجدني على حالي تلك، فكّ قيدي وقدم لي العلاج وواساني. هناك العديد من النساء اللواتي حملن من اغتصاب الجنود”.
العنف الجنسي الممنهج
لاجئة أخرى تدعى “آمنة م م” تحاورنا معها وطلبنا منها حكاية ما وقع عليها فما كان منها إلا أن مسحت دموعها والخجل يغطي وجهها وقالت بمرارة: “لقد قتل جيش ميانمار زوجي واثنين من إخوتي، لقد قتلوا زوجي بالرصاص ثم ذبحوه، كان ذلك أمام عيني ثم بدؤوا بالاغتصاب، ربطوا يدي ورجلي وراء ظهري ثم تناوب خمسة من الجيش في اغتصابي، كان ذلك في العراء، ضربوني أيضا بأعقاب البنادق، لقد تعرضت للضرب كثيراً، وكنت كلما أصرخ يبالغون في الضرب لم أتحمل كل هذا فهربت إلى هنا، أخجل من ذكر هذا لكن ماذا نفعل والبوذيون لا يعرفون عيبا، بعدما انتهوا من اغتصابي غادروا المكان، وعندما عاد الناس إلى القرية فكوا قيودي فركضت ولحقت بأهلي. لا يطلقون قيود المغتصبة بعد الانتهاء من فعلتهم المشينة بل يتركونها على حالها الآن أقيم هنا في المخيم مع أمي وولداي.
قتل الأطفال أمام الأمهات
السيدة “مريم ن ن” تحدثت عن عنف جنسي مورس معها بعد أن قتلوا طفلها: “أخذوا طفلي من حضني وقتلوه اقتحم علي خمسة أو ستة من أفراد الجيش وقيدوا يدي ورجلي واغتصبوني وتركوني عارية وبعدما غادروا أتى إلي نساء القرية وفكوا قيودي وساعدوني”.
حتى القاصرات لم يسلمن
من أغرب المواقف التي صدمتنا أثناء إعداد هذا التحقيق شهادات فتيات قاصرات لم يتجاوزن سن الخامس عشرة وقد تعرضن للاغتصاب الجماعي على يد قوات ميانمار، حيث أكدت الفتاة “نور الصباح م م” أنها تعرضت للاغتصاب من خمسة أفراد من عناصر جيش ميانمار ما أفقدها الوعي وأصيبت بحالة من الهستريا كادت أن تفقد حياتها، وتتذكر نور الصباح تلك اللحظات المرعبة وتسرد تفاصيل الوحشية التي مارسها جيش ميانمار مع نساء وفتيات الروهنغيا.
منظمات حقوقية وطبية تؤكد شهادات المغتصبات
اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، قوات الأمن في ميانمار، بارتكاب جرائم اغتصاب واسعة النطاق، كجزء من حملة تطهير عرقي ضد مسلمي الروهنغيا بإقليم أراكان،جاء ذلك في تقرير مكون من 37 صفحة، صدر عن المنظمة الحقوقية.
وقال أطباء تابعون للأمم المتحدة وعاملون في مجال الرعاية الصحية إن الأطباء الذين يعالجون مرضي من بين نحو 429 ألفا من الروهنغيا المسلمين الذين فروا في الأسابيع الأخيرة إلى بنغلاديش من ميانمار فحصوا عشرات النساء المصابات بجروح تتفق مع الاعتداءات الجنسية العنيفة، يقول أطباء في عيادة تديرها المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة في مخيم ليدا المؤقت للاجئين إنهم عالجوا مئات النساء من إصابات قلن إنها نتجت عن اعتداءات جنسية عنيفة خلال عملية الجيش.