بقلم: إيريك بي شوارتز
رئيس منظمة اللاجئين الدولية
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
في عام 1998، زار الرئيس بيل كلينتون رواندا، حيث اعتذر رسمياً عن سلبية الحكومة الأميركية خلال أحداث الإبادة الجماعية التي وقعت في هذا البلد عام 1994، والتي أدت إلى مصرع 800 ألف شخص تقريباً. كما عاب كلينتون، في ذلك الوقت، على المجتمع الدولي عدم قيامه «بتسمية هذه الجرائم باسمها الصحيح على الفور».
وفي الوقت الراهن، تعرض الحكومة الأميركية نفسها لخطر فشل مماثل في معالجة مأساة الروهنغيا في ميانمار. فشهادة وزارة الخارجية الأميركية، في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، في الخامس من أكتوبر الجاري، تذكر على نحو لافت للنظر بالتوصيفات الأولى للوضع الذي كان سائداً في رواندا قبل 23 عاماً. وقد حاول أعضاء الكونغرس، من دون جدوى، إقناع «باتريك ميرفي»، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا، بأن يعلن بشكل واضح أن تطهيراً عرقياً يحدث في ميانمار، لكن ميرفي وصف الوضع، بدلاً من ذلك، بأنه «مرجل من التعقيدات».
والحقائق على الأرض في ميانمار ليست بحاجة إلى جدال. ففي زيارة قمت بها لبنغلادش الشهر الماضي، سمعت شهادة متكررة من اللاجئين، تؤكد ما جاء في التقارير الموثوقة، التي قدمتها منظمات حقوق الإنسان منذ عدة أسابيع، وفحواها في المجمل هو أنه بعد الهجمات التي شنتها جماعة مسلحة من الروهنغيا على قوات الأمن في ميانمار نهاية أغسطس الماضي، بدأ الجيش الميانمارى في إشعال النار بشكل منهجي، في قرى الروهنغيا، وإطلاق النار على المدنيين من سكانها وهم يحاولون الفرار.
ونتج عن ذلك هروب أكثر من 500 ألف شخص من الروهنغيا، أي نصف عدد أفراد هذه العرقية، والذين كانوا يعيشون في ميانمار قبل 25 أغسطس، إلى بنغلادش المجاورة، حيث انضموا هناك إلى مئات الآلاف من بني قوميتهم الذين كانوا قد لجؤوا إلى هذا البلد في فترات سابقة. ولا تزال عملية الخروج الجماعي مستمرة حتى الآن، ولا يخامر أحد سوى شك قليل في أن جيش ميانمار مسؤول عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ورغم شهادة وزارة الخارجية الأميركية، وتصريحات نائب الرئيس «مايك بينس»، و«نيكي هالي» السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، عن حملة التطهير العراقي الوحشية والمستمرة، ضد أقلية الروهنغيا، فإن تلك التصريحات لم يتبعها جهد أميركي ملموس لحشد العالم من أجل العمل على إيجاد حل لمشكلة الروهنغيا.
وقيمنا تدعونا لعدم الاكتفاء بالوقوف مكتوفي الأيدي، وعدم العمل من أجل منع المأساة المستمرة، كما أن المصالح الأميركية في تحقيق الاستقرار الإقليمي، وتعزيز الديمقراطية في ميانمار، تجبرنا على اتخاذ إجراءات أقوى للحيلولة دون تجنيد الجماعات المسلحة لمقاتلين من بين مليون لاجئ روهنغي في بنغلادش، لشن هجمات انتقامية على جيش ميانمار، يمكن أن تعطي هذا الجيش ذريعة لإعادة بسط سيطرته على مقاليد الأمور في ميانمار مجدداً، ووضع نهاية للكفاح الذي طال أمده من أجل الديمقراطية هناك.
والعمل الجريء ضروري لتقليص احتمال حدوث مثل هذه النتيجة، وإتاحة الإمكانية للعودة الآمنة للروهنغيا، رغم التحديات الهائلة.
ومع أن الزعيمة المدنية «أونغ سان سو تشي»، قد أعربت عن استعدادها لقبول عودة الروهنغيا الذين فروا من البلاد، فإن أحداً لا يعرف ما هي العقبات التي قد تفرضها السلطات العسكرية هناك بهذا الشأن. كما أنه من غير الواقعي الاعتقاد بأن الروهنغيا الذين حرق الجيش قراهم، ستكون لديهم الثقة الكافية التي تدفعهم للتجرؤ على العودة إلى هناك مرة أخرى.
وعلاوة على ذلك، فإن الإجراءات التي ترمي إلى أن يحقق الضغط المتعدد الأطراف النتيجة المرجوة في الأمم المتحدة، قد تتعرض للعرقلة من جانب البعض، وعلى وجه الخصوص الحكومة الصينية التي تدعم جيش ميانمار.
لكن الصين تهتم في الوقت ذاته بأن تكون لها علاقات طيبة مع بنغلادش والعالم الإسلامي، كما تهتم بتحقيق استقرار طويل الأمد في ميانمار نفسها. لكل هذه الأسباب على الولايات المتحدة أن تسعى للتنسيق مع الصين، للضغط على كل من أونغ سان سوتشي، وجيش ميانمار، لضمان موافقتهم على عودة اللاجئين الروهنغيا، وتوفير ضمانات حقيقية لهم.
وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على الولايات المتحدة والصين، وغيرهما من أعضاء مجلس الأمن الدولي، الحث على أن تشمل الضمانات انتشاراً سريعاً لبعثة مراقبي سلام تابعين للأمم المتحدة في ولاية أراكان التي تأتي منها الغالبية العظمى من اللاجئين. فمن شأن المشاركة الدبلوماسية للصينيين، الذين يسهمون بعدد من الموظفين في عمليات السلام الأممية يفوق ما تساهم به أي دولة أخرى عضو في مجلس الأمن، أن توفر مصدر طمأنينة لحكومة ميانمار وجيشها، مع الاستمرار في الوقت نفسه في الدفاع عن الروهنغيا ودعمهم، خصوصاً وأن معظمهم لديه رغبة قوية في العودة والعيش بسلام في بلده ميانمار.