بقلم: د. محمد نعمان جلال
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
برغم اهتمام العالم منذ بضع سنين بأحوال المسلمين في ميانمار الذين ينتمون إلى عرقية الروهنغيا، فإن هؤلاء يوصفون في الإعلام بأنهم الأقلية الأكثر اضطهادًا في العالم.
يسكن مسلمو الروهنغيا في مقاطعة راخين (أراكان) في غرب ميانمار، ويتعرضون للقمع والاضطهاد من النظام العسكري الذي حكم ميانمار عشرات السنين، وكان يقمع أهالي ميانمار بوجه عام؛ ولكنه كان أكثر قمعًا لمسلمي الروهنغيا، ومنذ عام 2015 طور الجيش الميانماري قمعه للروهنغيا من مجرد الاضطهاد والقمع إلى التطهير العرقي، بدعوى أنهم لا ينتمون إلى أهالي ميانمار.
ولفهم المشكلة يجب البحث عن جذورها التي ألخصها في النقاط التالية:
الأولى: إن قضية الروهنغيا ترجع إلى القرن التاسع عشر عندما كانت ميانمار "بورما" خاضعة للاحتلال البريطاني الحاكم في الهند، وعندما استقلت في عام 1948؛ نتيجة حركات التحرر الوطني في آسيا بعد الحرب العالمية الثانية، فقد قمعت السلطات بعد الحرب الأهلية الطوائف العرقية والدينية العديدة في الدولة الناشئة ومن هنا نشأت مشكلة الروهنغيا وهم ينتمون إلى ديانات مختلفة أكثرهم مسلمون، وأقليات هندوسية ومسيحية، وكان المسلمون هم أكثر تلك الأقليات تعرضًا للاضطهاد ؛ وخاصة بعد الانقلاب العسكري في بورما عام 1962 الذي حكم البلاد دون سلطة تشريعية، وبحزب واحد ينتمي للعقيدة البوذية التي تمثل الأغلبية السائدة في بورما (80%)، وظل الأمر كذلك حتى بدأ التحول الديمقراطي عام 2010، وتخلى الجيش عن السلطة وأجريت انتخابات جاءت بحزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" بقيادة "أونغ سان سوتشي" زعيمة الحزب، والتي كانت معتقلة لسنوات طويلة، وحصلت على جائزة "نوبل" بصفتها من المناضلين الداعين للديمقراطية وحقوق الإنسان.
الثانية: استبشر العالم وبعض المسلمينً خيرًا بوصول حزب "أونغ سان سوتشي" للسلطة؛ لتاريخها النضالي، ولم تتول السلطة مباشرة؛ ولكنها بقيت تحكم بصورة غير مباشرة، ومع ذلك زاد قمع الجيش والحكومة في ميانمار للمسلمين بوحشية غير مسبوقة، وكلما حاول المسلمون الروهنغيا الدفاع عن أنفسهم ازدادت عمليات القمع، وتحولت إلى تطهير عرقي غير مسبوق إلا في عهد غزو هولاكو للعالم الإسلامي، أو في القرن السادس عشر والسابع عشر عندما لم يتردد حكام بورما آنذاك عن قتل المسلمين على الهوية الدينية التي تتعارض في بعض قواعدها، وفي بعض شعائرها مع البوذية؛ ولذلك لا عجب أن اضطهاد المسلمين وقتلهم في القرن الحادي والعشرين في ظل حكم تقوده سيدة كانت مضطهدة وعانت من القمع، ثم وصلت للسلطة، ولكنها غضت الطرف عما يفعله شعبها وجيشها وحكومتها ضد المسلمين، وتظاهرت حقًا أو جهلًا بأنها لا تعلم شيئًا، واتهمت المسلمين بالإرهاب.
الثالثة: أنه عندما تولى الجيش السلطة تحت قيادة الجنرال "ني ون" قمع الطوائف ولكن زاد القمع على مسلمي الروهنغيا، واحتضن العرق الغالب وهم من شعب "البامار" ويشكلون نسبة 40% من السكان، وحدثت انفراجة سياسية في نظام الحكم في أوائل التسعينيات، وسمح النظام بتكوين أحزاب سياسية.
وتحول اسم المجلس العسكري الحاكم من "مجلس الدولة للسلام والتنمية في إدارة شؤون البلاد" إلى "مجلس الدولة لاستعادة القانون والنظام"؛ ولكن الانفراجة السياسية لم تؤت ثمارها إلا عام 2010 تحت ضغوط دولية؛ مما أدى إلى الإفراج عن "أونغ سان سوتشي" ودخول حزبها في الانتخابات، ونجاحه في الوصول للسلطة؛ ولكن اضطهاد المسلمين الروهنغيا استمر، وزاد عما كان في الماضي؛ نتيجة محاولتهم الدفاع عن أنفسهم، وأدى ذلك لهجرة ما بين 300 و500 ألف شخص منهم، وتجريد أعداد منهم من جنسيتهم منذ عام 1982، وفر نحو 18 ألف روهنغي مسلم في أسبوع واحد في ظل حملة قمع أطلق عليها "الديمقراطية في البلاد".
وكان الروهنغيا يقطنون ولاية "أراكان" الساحلية الغربية فقام الجيش بتنفيذ عمليات حرق وتدمير لقراهم، وسجل محققو الأمم المتحدة والجمعيات الإغاثية ذلك واتهمت الزعيمة "أونغ سان سوتشي" النساء المسلمات من الروهنغيا بتلفيق قصص العنف الجنسي ضدهن، وهذا أثار استنكار حقوقيين دوليين؛ لذا طالبوا بسحب جائزة "نوبل للسلام" منها باعتبارها مشاركة - عن طريق "حزبها المشارك في السلطة" - في عمليات القمع والمحرقة التي راح ضحيتها أكثر من 18 ألف روهنغي خلال شهرين.
الرابعة: أن سكان ميانمار من عرقيات وطوائف دينية عديدة ويشكل عرق "البامار" البوذي أغلبية 40% من السكان؛ بينما يشكل معتنقو العقيدة البوذية 80%، والعقيدة البوذية وفقًا لأصولها الدينية هي أكثر العقائد الدينية مسالمة، إذ إن بوذا يمنع حتى قتل الحشرات؛ ولذا تسمى عقيدة مسالمة Pacifist؛ ولكن أنصار العقيدة يقتلون البشر بوحشية، كما حدث في الحرب الأهلية في سري لانكا، وكما تجلى في ميانمار قتل يتشابه في وحشيته مع أعمال ما التنظيم الذي يدعى "داعش" في الشرق الأوسط، وهو قتل يتعارض مع دعوة الإسلام للسلام، ورفض القتل حتى للحيوان بأسلوب وحشي.
وأما قتل الإنسان، فكما قال القرآن الكريم: " مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا" فهي تعد جريمة إبادة للجنس إذا استخدمنا المصطلحات الحديثة، ولم يتعرض الروهنغيا من عرقيات "الكاشين" المسيحية وعرقية التشين التي تسكن بالقرب من الحدود الهندية لأي اضطهاد، أو قمع وحشي، أو وصفهم بالإرهابيين، هذا برغم أن أقلية "الكاشين" المسيحية كونت جبهة عسكرية باسم "جبهة تحرير كاشين"، وقاتلت ضد الحكومة حتى توصلت معها لاتفاق وقف إطلاق النار.
كما أن هناك أكثر من أقلية عرقية كونت تشكيلات عسكرية وخاضت مواجهات ضد السلطة المركزية، ومن ذلك أقلية "وا" في ولاية تشان "التي لديها مليشيات، والتي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الصين.
وقد سعت الأقلية المسلمة لحمل السلاح للدفاع عن نفسها؛ أسوة بما حدث مع الأقليات الأخرى، ولكن تم قمعهم وقتلهم، وأطلق عليهم وصف أنهم إرهابيون. ويبلغ عدد مسلمي ميانمار 1.2 مليون مسلم من السكان البالغ عددهم .51.5 مليون نسمة.