بقلم: أحمد محمد الأزهري
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
من العواقب التي تقف الإنسانية أمامها اضطهاد الأقليات التي توجد في البلاد جميعها بمختلف قاراتها وجغرافيتها وأزمنتها وشعوبها، فعانت السّنّة في إيران بعد الثورة على الأساس المذهبي، واليهود الألمان في أعقاب هتلر على الأساس النازي العِرقي، والهنود الحمر زنوج الولايات وجنوب إفريقيا على الأساس العرقي، ومسلمو ميانمار من الاضطهاد على الأساس الديني والعِرقي الذي تسبب لهم في إنهاء حياتهم أو البقاء على قيد أمل النجاة.
سمع بعض المسلمين عما يحدث لبعضهم من اضطهاد وتنكيل وقتل جماعي فيما يعرف بدولة آسيوية تسمى ميانمار، وبدأت الأنظار تتجه إلى شرقي الهند وبنغلادش لترى ما الذي يحدث، وتعرف الكثير عن ميانمار أو بورما.
ميانمار أو بورما
ميانمار وهي تسمى أيضاً بورما هي إحدى دول شرق آسيا، وتقع على امتداد خليج البنغال.
تحدُ ميانمار من الشمال الشرقي الصين، وتحدُها الهند وبنغلادش من الشمالِ الغربي، وتشترك حدودها مع كل من لاوس وتايلاند. أما عن حدودها الجنوبية، فسواحل تطل على خليج البنغال والمحيط الهندي، ويمتد ذراعاً من ميانمار نحو الجنوب الشرقي في شبه جزيرة الملايو.
في ميانمار (بورما) عدد السكان يزيد على ما يقرب من 55 مليون نسمة، ونسبة المسلمين في هذا البلد البالغ لا تقل عن 10% من مجموع السكان بتقارب الإحصائيات، نصفُهم في إقليم "أراكان" أو ما يعرف مؤخرا براخين التي شهدت الحرب الطائفية الأخيرة التي تعرض لها الروهنغيا في صيف عام 2012.
ويختلف سكان ميانمار من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للبلاد، ويتحدث أغلب سكانها اللغة الميانمارية ويطلق على هؤلاء "الميانمارن" وأصلهم من التيبت الصينية وهم قبائل شرسة، وعقيدتهم هي البوذية، هاجروا إلى المنطقة "ميانمار" في القرن السادس عشر الميلادي ثم استولوا على البلاد في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وهم الطائفة الحاكمة.
وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات أراكان، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات أراكان ميانمار وجماعات الكاشين وغيرها، ويعود نسبهم إلى المسلمين في اليمن والجزيرة العربية وبعض بلاد الشام والعراق والقليل من أصول فارسية.
ويوجد أيضاً عدد آخر ولكن أقل بقليل من أصول بنغلادشية وهندية. وقد وصل هؤلاء المسلمون إلى أراكان وجارتها بنغلادش بغرض التجارة ونشر الإسلام، وهناك استقر الكثير منهم ونشروا تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
هاجر نسبة كبيرة من السكان إلى السعودية والإمارات وبنغلادش وباكستان بسبب القتل الجماعي والاضطهاد الذي واجهوه من قِبل البوذيين والحكومة الميانمارية على مر عشرات العقود الماضية.
ويواجهون اليوم الكثير من التحديات للعيش في مجتمعاتهم الجديدة، ومن أهم التحديات الحصول على حق التعليم والعلاج والعمل البسيط لهم ولأبنائهم، فضلاً عن حق العيش في تلك الدول.
ويتكون اتحاد ميانمار من عرقيات كثيرة جداً تصل إلى أكثر من 140 عرقية، وأهمها من حيث الكثرة "البورمان"، وهناك أيضاً الشان وكشين وكارين وشين وكايا وركهاين والماغ، وينتشر الإسلام بين هذه الجماعات.
والمسلمون يعرفون في ميانمار بـ"الروهنغيا"، وهم الطائفة الثانية بعد "البورمان"، أما منطقة "أراكان" فيسكنها 5.5 مليون نسمة؛ حيث توجد كثافة عددية للمسلمين يصل عددها إلى 4 ملايين مسلم يمثلون 70% من سكان الإقليم، وإن كانت الإحصاءات الرسمية لا تنصف المسلمين في هذا العدد؛ حيث يذكر أن عدد المسلمين -حسب الإحصاءات الرسمية- بين 5 و8 ملايين نسمة، ويُعدّ المسلمون من أفقر الجاليات في ميانمار وأقلها تعليماً ومعرفتهم عن الإسلام محدودة.
الأصول التاريخية لاضطهاد الروهنغيا
يرجع اضطهادهم إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، عندما احتُلت أراكان من قِبل الملك البوذي بوداباي الذي قام بضم الإقليم إلى ميانمار خوفاً من انتشار الإسلام، وبدأ التنكيل بالمسلمين ونهب خيراتهم والتحريض على قتلهم من قِبل البوذيين البورميين.
وفي عام 1824، احتلت بريطانيا ميانمار، وضمّتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية.
وبعدها بما يزيد على عشرةِ أعوام وقرن، عام 1937، جعلت بريطانيا ميانمار مع أراكان مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية كباقي مستعمراتها في الإمبراطورية آنذاك، وعُرفت بحكومة ميانمار البريطانية التي استاءت من مقاومة المسلمين لها، فبدأت حملتها للتخلص منهم على طريقة المحتل السالف لهم عن طريق تحريض البوذيين ضدهم، وأمدهم الجيش البريطاني بالسلاح حتى وقعت مذبحة كبرى بالمسلمين في أراكان قيل إن ضحاياها قاربوا مائة ألف قتيل.
ونالت ميانمار استقلالها عام 1948، ولكن لم ينَل الروهنغيا استقلالهم من الاضطهاد والتنكيل بهم، واستمر هروبهم وتهجيرهم من بلادهم.
وجاءت انتخابات 2010 التي كانت بمثابة أحلام الحرية والكرامة التي لم تتحقق للروهنغيا.
نظام الحكم في ميانمار
الحكم العسكري 1962 - 2011م
سيطر على حكومة ميانمار مجلس عسكري يُسمَّى مجلس الدولة للسلام والتنمية، وتولى رئيس المجلس مسؤوليات رئيس الوزراء ووزير الدفاع.
ويعتقد كثير من الخبراء أن القائد العسكري ني ون الذي حكم البلاد بين عامَي 1962 م و1988م، بقي يسيطر على أعمال المجلس. وقد تسلم المجلس السلطة بانقلاب عسكري في سبتمبر/أيلول 1962م، وكان يعرف حتى عام 1997م باسم مجلس الدولة لاستعادة القانون والنظام.
وقد ألغى الانقلابيون السلطة التشريعية وغيرها من المؤسسات الحكومية.
وفي عام 1990م أُجريت انتخابات متعددة الأحزاب، نال فيها الحزب الرئيسي المعارض وهو حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية أغلبية المقاعد، غير أن الحكومة العسكرية أوضحت أنها لن تسمح بانتقال السلطة حتى يتم وضع دستور جديد.
وبدأت جميع الفعاليات السياسية اجتماعات متواصلة منذ 1993م لوضع الدستور الجديد.
انتخابات وإصلاحات 2010 م
جرى الاستفتاء على الدستور "الإنكليزية" في 10 مايو/أيار 2008 واعداً بالديمقراطية المزدهرة بالانضباط، وتغير اسم البلد الرسمي من اتحاد ميانمار إلى جمهورية اتحاد ميانمار وأجريت الانتخابات العامة بموجب الدستور الجديد في سنة 2010 فاز فيها حزب التضامن والتنمية الاتحادي المدعوم من جهة العسكريين بأغلبية 80% من الأصوات مع نسبة مشاركة بلغت %.16 وصف المراقبون يوم الانتخابات بأنه كان سلمياً عموماً، ولكن انطلقت اتهامات بحدوث تزوير في عدد من المراكز الانتخابية، ووصفت الدول الغربية والأمم المتحدة الانتخابات بأنها مزورة، وشككت جماعات المعارضة بنتائج الانتخابات قائلة: إن العسكريين لجأوا إلى التزوير الواسع لتحقيقها.
بدأت الحكومة بعد الانتخابات بمجموعة من الإصلاحات السياسية نحو الديمقراطية الليبرالية والاقتصاد المختلط والمصالحة الوطنية، ولكن بدأت شعلة القتل تتجدد قبل سبعة أعوام من الآن.
تجار البشر في تايلاند
في مايو/آيار اندلعت الفتنة غربي ميانمار عندما قُتل 10 أشخاص مسلمين بأيادٍ بوذية عندما تعرضت فتاة للاغتصاب ثم القتل قبل ذلك بأسبوع واحد، ومن هنا تحولت ولاية راخين أو أراكان كما عُرفت على مدى قرون إلى منبع الفتنة والتحريض من قِبل البوذيين ضد مسلمي الولاية.
فيما بعد تدخلت قوات الجيش لتقف بجانب البوذيين ضد الروهنغيا وتبدأ بإطلاق النار بطريقة مباشرة؛ لتصيب من لم يصَب بسكاكين الشباب البوذي، وبدأت الاعتقالات تطال البيوت التي سلمت من الحرق، وأصبح مسلمو أراكان لا حول لهم ولا قوة، وأصبحت حياتهم إما أشلاء مقطعة إرباً حتى لم تدفن أو في سجون ومعتقلات قوات الجيش والشرطة أو نازحين في حقول سيتوي أو هاربين إلى تايلاند.
يركبون سفناً صغيرة هاربين من ديارهم التي أُحرقت وعائلاتهم التي قُتلت وحياتهم التي شُردت، متجهين إلى السواحل التايلاندية وعندما يصلون يكونون إما في قبضة يد الشرطة التايلاندية يحتفظون بهم في السجون أو يسلَّمون لتجار البشر فَيُباعون في السوق السوداء للعمالة مقابل 1000 دولار للشخص الميانماري، فيتحولون من حياة القتل إلى حياة العبودية الرخيصة.
المستقبل المظلم لمسلمي الروهنغيا
عانت الأقلية الروهنغية من اضطهاد إعلامي كبير، فلم يتحرك لها العالم كما تحرك لأقليات كثيرة عانت من التنكيل بها على أساس التعصب الديني والعِرقي.
حتي تقارير منظمات حقوق الإنسان العالمية والتابعة لمجلس الأمن لم تضئ من الواقع المظلم فولتاً واحداً، فجاء تقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" في عام 2012 وعام 2013 و2016 مليئاً بالإدانة والقلق، ومطالباً المجتمع الدولي ومجلس الأمن بالتدخل لحماية تلك الأقليات، وسرعان ما دخلت منظمات الإغاثة إلى أماكن النزاع راصدة أعداد القتلى والنازحين الفارين من بلادهم، ولكن سرعان ما تبخرت الإحصائيات ولم تترجم على أرض الواقع بشيء يفيد الأقلية المضطهدة.
ورصدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في عام 2016 عشرات آلاف من النازحين من بيوتهم بعدما رصدت أقمار صناعية آلاف البيوت التي تعرضت للهدم والحرق وعشرات آلاف اللاجئين الفارين من القتل، وزيارة الأمين العام السابق لمجلس الأمن كوفي أنان لميانمار التي استمرت عدة أيام، وتحذيرات أوباما الحكومة البورمية بارتكابها جرائم ضد الإنسانية بما تفعله مع الأقلية المسلمة.
ولكن كيف ستعيش تلك الأقلية بتصريحات وبيانات وتقارير منظمات حقوق الإنسان واللاجئين وتحذيرات كبار مسؤولي العالم التي لا تجدي نفعاً ولا ضراً؟! كيف سيعيشون في بلدٍ انتزعت منهم حق الجنسية والمواطنة ومنعت عنهم حق الانتخاب بل يمنعون عنهم حقهم في الحياة؟! لا مستقبل لهم، بل لا حياة من الأساس على تلك الأرض طالما يزرع فيها كل يوم مزيد من العنصرية والطائفية والدموية ضد أقليات بأعينها.