وكالة أنباء أراكان ANA | خاص
أجرى الحوار| إبراهيم حافظ
كانت تغطيتي لأوضاع الروهنغيا من أهم محطات حياتي المهنية
الروهنغيا في ميانمار يموتون ببطء!
كان الصحفي ولا يزال يمسك بالكثير من أسرار القضايا العالقة في الشأن العام، ومنذ اندلاع أحداث الإبادة الأخيرة في ميانمار (بورما)، وما صاحبها من تدمير وتقتيل، أوجدت هذه القضية المنسية تحدياً جديداً أمام صحفيي العالم لاختراق هذا الحصار الإعلامي الذي تفرضه حكومة ميانمار على قضية مسلمي الروهنغيا وما يحصل لهم من تطهير وتشريد، ومع الانفتاح الجزئي الذي تشهده ميانمار إبّان الانتخابات التي أقيمت قبل عدة أشهر استطاعت الإعلامية وسيلة عولمي الدخول إلى بعض زوايا وأعماق هذه القضية ووصلت إلى أطراف المأساة هناك، لتنقل لنا شيئاً مما رأته بعينها وسمعته بأذنها، فتابع العالم عدداً من تقاريرها هي وزملائها عبر فريق شبكة الجزيرة.
وفي هذا الحوار تطلعكم وكالة أنباء أراكان على مكاشفات جديدة مع الإعلامية وسيلة عولمي عبر هذا الحوار:
– متى سمعت بالروهنغيا أو عرفت قضيتهم لأول مرة وكيف؟
منذ فترة طويلة وأنا أتابع قضية الروهنغيا لا سيما بعد تسرب معلومات عن وقوع مجازر بحق المسلمين في ميانمار، وفي الحقيقة لم أكن أتابعها متابعة عابرة فقط وإنما كنت أتابع ما يجري هناك بدقة، وأحاول معرفة حقيقة ما يجري، خاصة بعد ما شاهدته من صور وشهادات مؤلمة من هناك؛ ولكن بما أن غموضاً كبيرا يلف هذه القضية بالذات، فقد زاد اهتمامي بها، وحاولت تكوين صورة عما يجري في أراكان من خلال متابعتي لوسائل الإعلام المختلفة (غربية وعربية)؛ لكن للأسف اكتشفت أن هذه القضية بالتحديد لا تحظى بالاهتمام الإعلامي والسياسي الكافي.
الجزيرة وقضايا الإنسان:
– ما سر اهتمامك شخصيا واهتمام الجزيرة كمؤسسة إعلامية عريقة بقضية منسية مهمَلة مثل قضية الروهنغيا؟
ليس بغريب على الجزيرة أن تهتم بالقضايا الإنسانية والقضايا المنسية، فنحن دائماً نناصر المظلومين وأصحاب القضايا العادلة، وقضية الروهنغيا قضية إنسانية من الدرجة الأولى؛ لذلك سخرت الجزيرة كل إمكانياتها لإنجاح مهمتنا في ميانمار، ولنتمكن من الدخول إلى المخيمات والقيام بأول بث تلفزيوني مباشر على الإطلاق من هناك، أما اهتمامي أنا شخصيا فكما قلت في الجواب الأول، فإنني شعرت باهتمام كبير بهذه القضية منذ اندلاع الأحداث في أراكان، وبالتحديد منذ أن بدأت الصور تظهر والمعلومات تتسرب حول ما يتعرض له المسلمون من اضطهاد وتمييز عنصري. حتى في حسابي على تويتر كنت وما زلت أهتم بقضية الروهنغيا وأسلط الضوء عليها قدر الإمكان.
– كيف وقع عليك الاختيار من بين طاقم العمل في الجزيرة للتغطية الميدانية على أرض أراكان رغم الحصار والتكتيم الإعلامي الخانق عليها من قبل حكومة ميانمار ورغم المخاطر المحتملة والمتوقعة؟ ولماذا قبلت القيام بمهمة كهذه؟
*في الجزيرة يمكن للجميع المشاركة بتقديم الأفكار والاقتراحات، وهذا ما جعلني أتقدم بطلب للذهاب إلى ميانمار وتسليط الضوء على معاناة الروهنغيا، وهو الأمر الذي قوبل بموافقة فورية من قبل مدير الأخبار وكل إدارة التحرير، كما أنهم شجعوني ووفروا لنا أنا وفريق العمل كل الإمكانيات المكنة، مما سهل علينا إتمام مهمتنا وتحقيق ما أردنا الوصول إليه، وهو الدخول إلى “المخيمات” رغم أننا ذهبنا إلى هناك في إطار تغطية الانتخابات البرلمانية..
أما فيما يتعلق بقبولي القيام بمهمة كهذه فالأصح هو أنني كنت أحلم بهذه المهمة، لكوني صحافية ومراسلة في الأساس. ولطالما كنت أتمنى الخروج في مهمة ميدانية من الوزن الثقيل “إن صح التعبير” بغض النظر عن أي مخاطر محتملة. فلا يوجد إعلامي لا يريد الذهاب إلى دولة ظلت لعقود منعزلة ومنغلقة كميانمار لتسليط الضوء على قضية إنسانية منسية وبعيدة كثيراً عن وسائل الاعلام.
أطفال عراة وجائعون .. ما أقساه من شعور!
– كيف تصفين هذه التجربة الميدانية؟ وما هي المواقف والصعوبات التي واجهتك خلال القيام بها؟
أعتبر أن تجربة العمل في ميانمار وبالتحديد من داخل مخيمات الروهنغيا واحدة من أهم المحطات في حياتي المهنية، ففي هذه المهمة مارست كل أنواع العمل الإعلامي، كنت مذيعة أقدم نوافذ مباشرة وأحاور ضيوفي من محللين وسياسيين ومراقبين، وكنت كذلك مراسلة صحفية أقوم بإعداد التقارير، كما أنني حرصت على جعل التغطية شاملة أكثر من خلال نقل الأخبار والمعلومات والتحليلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أما على المستوى الشخصي فقد تركت هذه التجربة أثراً كبيراً بداخلي، فأنا أم لطفلتين، عندما أرى أطفالاً عراة وجائعين ومرضى أشعر بنفس الشعور الذي تشعر به أمهات هؤلاء الأطفال، وهو بالتأكيد شعور قاس جداً.
لهذا تألمت!!
– ما هي أبرز مشاهداتك الحية هناك وقد وصلت إلى العمق الأراكاني ولامست الواقع الروهنغي بالاحتكاك المباشر مع الضحايا؟
شاهدت وضعاً مأساوياً يعيشه الروهنغيا في مخيمات أكياب (سيتوي)، وبالرغم من أننا لم نبق داخل المخيمات سوى ساعتين (لأسباب أمنية) إلا أننا وجدنا أناساً يعيشون أوضاعاً صعبة، يمكن القول إنهم يموتون ببطء، فالمريض لا يجد دواءاً والجائع لا يجد أكلاً كافياً، والأطفال أغلبهم عراة ومرضى! أكثر مشهد ألمني هو أحد الأطفال، جسمه نحيل جداً لدرجة لا تصدق، وكان عارياً. عندما اقترب موعد رحيلنا بدقائق رأيته يبكي بشدة، فتوقفت عنده وحملته.. لم أصدق عندما حملته أن قلبه مازال ينبض، فجسمه عبارة عن جلد فوق عظم فقط، ما آلمني بشدة أنني رحلت ولم أستطع فعل أي شيء لمساعدته!
التدين صفة بارزة في الروهنغيا
– كيف رأيت مدى تمسكهم بدينهم رغم العنف والاضطهاد الذي يمارس ضدهم بسبب خلفيتهم الدينية والعرقية؟
في الحقيقة شدني فعلاً هذا الأمر، فرغم كل شيء إلا أنني وجدت داخل المخيمات مسلمين متمسكين بدينهم بشكل كبير، أطفالهم يدرسون القرآن في الكتاتيب وحتى في الشوارع لعدم توفر المدارس القرآنية ولقلة عدد المدرسين.. وجدت كذلك أشخاصاً مؤمنين وصابرين، ينتظرون الفرج من الله فقط، ما لفتني كذلك أنه عندما يُرفع الأذان يحرص أغلب الرجال على تأدية الصلاة في المساجد. والجميل أنني كلما التقيت بشخص وقلت له: السلام عليكم؛ وجدته يبتسم ابتسامة عريضة ويرد علي: “وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته”.
وسيلة الروهنغية !!
– بعد عودتك من رحلتك المثيرة إلى ميانمار كان لك موقف طريف مع الزملاء في الجزيرة. حدثينا عن هذا الموقف.
بعد عودتي من ميانمار كانت ردود فعل زملائي رائعة معي أنا وفريق العمل.. وتلقينا كماً كبيراً من الشكر والإطراء من قبل الزملاء في غرفة الأخبار، والطريف أن أكثر من زميل أطلق علي اسم وسيلة الروهنغية، وطبعاً هذا الأمر أسعدني؛ لأنه دليل على أنني تمكنت خلال أيام قليلة من أن أكون صوتاً للروهنغيا، ففي العادة يرتبط اسم المراسل مع المكان الذي يعمل فيه إذا كان مراسلا مقيماً فيه، لكن ولله الحمد شعرت أنني ارتبطت بذلك المكان رغم أن عملي فيه اقتصر على ٦ أيام فقط!
– من المعروف أن المتابعين والمهتمين بالشأن العربي العام يشتكون من ضعف التواصل الثقافي والإعلامي بين المشرق العربي ومغربه.. بصفتك إعلامية من المغرب العربي ومتابعة لاهتماماته: هل ترين أن هذا الأمر ينسحب أيضا على قضية الروهنغيا؟ خصوصا وأن هناك جهات ثقافية تنكر وقوع إبادة جماعية ضد الروهنغيا بحجة انتشار صور مفبركة غير حقيقية كما أشرت؟
صحيح أن هناك هوة بين المشرق والمغرب العربيين وهذا موضوع قد يطول الحديث فيه.. أما فيما يتعلق بقضية الروهنغيا فأعتقد أنها للأسف بعيدة نوعاً ما عن اهتمام وسائل الاعلام المغاربية، ربما لأسباب البعد الجغرافي وحتى لكثرة الملفات الساخنة التي استحوذت على كل اهتمام وسائل الاعلام. وطبعاً هذا لا يعني أن المواطن في المغرب العربي (ودعني أتحدث عن الجزائر خصوصاً) لا يهتم بقضية الروهنغيا، فمثلاً عندما كنت في ميانمار وبعد عودتي منها لمست اهتماماً كبيراً من متابعي صفحتي على الفيسبوك بالروهنغيا، وكثيرون سألوني عن طرق تقديم المساعدة للمخيمات، بل إن بعض الصحف في الجزائر كتبت عن الموضوع وأشادت باهتمام الجزيرة بقضية مسلمي ميانمار.
– ما هي رسالتك للمؤسسات الإعلامية ولزملاء المهنة تجاه هذه القضية الإنسانية العادلة؟
أتمنى أن تحظى هذه القضية باهتمام أكبر من وسائل الإعلام لنقل مزيد من المعلومات والشهادات عن حقيقة الوضع هناك دون زيادة أو نقصان، وهنا أريد أن أقول إنه للأسف هناك من يستغل وسائل التواصل الاجتماعي لنشر بعض الصور على أساس أنها للروهنغيا، وعندما يكتشف البعض أن هذه الصور مفبركة يعتقد كثيرون أن القضية كلها غير حقيقية، وهذا ظلم كبير بحق أقلية الروهنغيا التي تعاني فعلاً من أشد أنواع الظلم والاضطهاد، ويكفي فقط نقل صور وأخبار حقيقية من داخل المخيمات ليتأكد العالم أن هناك ظلما يتعرض له المسلمون في ميانمار. فهم للأسف مصنفون كأتعس أقلية على وجه الأرض.
أستاذة وسيلة: في ختام هذا اللقاء نعتبرك صديقة عزيزة للشعب الروهنغي المسلم ومناصرة عظيمة لقضيته العادلة، ونبعث إليك بتحياتنا الحارة باسم هذا الشعب الصامد، ونتمنى لك التوفيق الدائم في حياتك الشخصية والمهنية.