حوار: د. رضوى عبد اللطيف
وكالة أنباء أراكان ANA | أخبار اليوم
أن تولد مسلما فهذا فضل عظيم ، وأن تصلي وتصوم رمضان فتلك فروض روحانية تقربك من الله فتشعر بسعادة ورضا وتفاؤل وحمد بكل ما مضى وكل ما هو آت ، ولكن وأنت في رحاب روحانيات هذا الشهر الكريم تذكر أن هناك مسلمين يعيشون في بقاع منسية فوق هذه الأرض يقتلون ويحرقون ويغرقون في البحر من أجل صلاتهم وصومهم ودعائهم ، تذكر أن هناك أبرياء يعاقبون لأنهم ولدوا مسلمين.
فى ميانمار البوذية يعيش الروهنغيا المسلمون مأساة عظيمة تجعلنا نتذكر كفار قريش وما كانوا يفعلونه بالمسلمين في بداية الدعوة الإسلامية ، فهم كفار هذا العصر الذين استباحوا دماء الأبرياء ونكلوا بهم على مدار سنوات طويلة والعالم يتابع فى صمت مخز، والدول العربية والإسلامية تكتفى بالشجب والإدانة إذا توفر لديها الوقت للحديث عن مسلمي ميانمار وسط انشغالاتهم السياسية. أمام هذا الواقع المؤلم أردنا أن نكسر حاجز الصمت المطبق وأن نلقي الضوء على حياة مسلمى الروهنغيا فى حديث مع أحد الأصوات التى حملت على عاتقها مهمة نقل الحقيقة وتوصيل ذلك الصوت المنكسر وهمهمات المقهورين إلى آذان هذا العالم الأصم الأبكم . حديثي مع صلاح عبد الشكور مدير المركز اﻹعلامى الروهنجي ورئيس تحرير وكالة أنباء أراكان ، الذي يعمل مع فريق من المتطوعين الروهنغيين من أجل أن يأتي ذلك الغد الأفضل لمسلمي الروهنغيا. وإليكم ما دار فى الحوار.
في بداية حديثنا ..كيف تصف أوضاع مسلمي الروهنغيا ونحن في رحاب شهر رمضان الكريم؟
– يعيش مسلمو الروهنغيا فى ميانمار (بورما) وسط معاناة كبيرة ممتدة منذ سنوات طويلة فى ظل انتهاك حكومة ميانمار لحقوقهم اﻷساسية وتأليب البوذيين الراخين عليهم وتركهم يواجهون القتل والقمع والتشريد على أيدى البوذيين بشكل ﻻ مثيل له فى العالم . حيث يعاني أكثر من مليون ونصف المليون من أقلية الروهنغيا من اضطهاد اﻷكثرية البوذية لهم بدعم وتأييد من الحكومة الميانمارية. فالروهنغيا مصنفون فى البلاد على أنهم دخلاء ومحبوسون فى مخيمات بالية تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة وﻻ يستطيعون العمل ومحرومون من اﻹنجاب أكثر من طفلين وﻻ توجد لهم أي مستشفيات أو مراكز صحية وهذا الوضع مع الأسف قائم حتى هذه اللحظة التى يعيش فيها المسلمون أجواء رمضان بينما مسلمو الروهنغيا يحلمون بفتح مساجدهم التي أغلقتها السلطات البوذية ويحلمون باﻻجتماع على موائد اﻹفطار. وقد منعت حكومة ميانمار المنظمات الإنسانية والمؤن الغذائية من الوصول إليهم وباتوا يعيشون أوضاعا غير مستقرة. أما من يهرب من جحيم البوذيين فهو يصل إلى بعض دول الجوار فى آسيا بعد رحلة شاقة ومتعبة وخطرة فى البحر وإذا نجا من الغرق فهو يعيش حياة الشتات والغربة فى أي بلد يذهب إليه.
الإنسانية المفقودة
قوارب الموت مأساة مشتركة يعيشها الروهنغيا منذ سنوات مثلما عاشها اللاجئون السوريون مؤخرا منذ اندلاع الحرب فى سوريا وقد شهدتم كيفية تعاطي الدول الأوروبية مع الأزمة كما فعلت بعض الدول الآسيوية مع قوارب الروهنغيا.. فمتى ستعود الإنسانية المفقودة لهذا العالم في ظل هذا الأداء المتواضع للمنظمات الدولية؟
– فعلاً كانت أزمة قوارب الموت التى شهدتها القضية الروهنغية إحدى المحطات المؤلمة فى مشوار معاناة هذا الشعب وقد زرت شخصياً مجموعة من اللاجئين الذين خاضوا هذه التجربة المريرة ووصلوا إلى إندونيسيا وسمعت منهم قصصاً مهولة عما لقوه فى البحر جراء محاولتهم الفرار من حياة القهر والظلم والعذاب فى ميانمار. وهنا أمر لابد أن يعرفه الجميع وهو أن الروهنغيين الفارين من ميانمار لم يتركوا ديارهم من أجل المال أو تحسين وضعهم المعيشي ولكن هم فروا من ديارهم بسبب الاضطهاد الممنهج ضدهم ومنعهم من العيش والتضييق عليهم والاعتداء على حرماتهم. وقد سألت مجموعة من اللاجئين لماذا تهربون عبر هذه القوارب المتهالكة وأنتم تعرفون خطورة هذا الأمر وقد سبق أن سمعتم بغرق عشرات القوارب فقالوا بصوت واحد: إن الغرق فى البحر أهون علينا من حياة الاضطهاد. وأخبروني أيضاً أنه لا أمل فى البقاء فى ميانمار فى ظل استمرار الانتهاكات المرتكبة بحقهم وعدم وجود أي جهة أو مؤسسة تضمن لهم الحياة الكريمة، ومن هنا أستطيع القول: إننا نعيش فعلاً أزمة إنسانية فمن تابع كيف تعاملت بعض الدول مع قوارب اللاجئين يدرك أن الإنسانية قد خفت ضوؤها وأننا بحاجة إلى إعادة النظر فى إنسانيتنا فى التعامل مع قضايا الإنسان .
لا يعرف كثير منا حقيقة ذكرى النكبة التى حلت ذكراها قبل أيام وما ترتب عليها من أحداث أثرت فى قضية مسلمي الروهنغيا ..فما هى نكبة الروهنجيا؟
– منذ أكثر من سبعين عاما يعيش مسلمو الروهنغيا ظروف القهر والقتل واﻹبادة الجماعية والتمييز العنصري وكل أنواع الجرائم التى عرفتها البشرية، إﻻ أن العاشر من يونيو 2012 كان يوما تاريخيا للروهنغيا حين تجددت اﻷزمة بالمحرقة الكبرى التي نفذها «البوذيون الراخين» بدعم وتشجيع من الحكومة ضد الروهنغيين العزل فى أراكان ، فأحرقت قرى أراكان وتشرد آﻻف من الروهنغيا واستشهد اﻵﻻف وغدا ذلك اليوم ذكرى لتجدد نكبة الروهنغيا فى العصر الحديث. ونقلت بعض وسائل اﻹعلام صورا مروعة لعمليات القتل واﻹحراق والتدمير والسحق وكان رجال الدين البوذيون يشجعون على تنفيذ هذه العمليات وبذلك شهد العالم صورة حقيقية من صور اﻹرهاب البوذي والفاشية البوذية بحق أقلية الروهنغيا ورغم ذلك لم يصنف إرهابا فى نظر العالم حتى اليوم. والنكبة نقطة سوداء فى تاريخ الروهنغيين تضاف إلى تاريخ معاناتهم الطويل.
تراجع ملحوظ
نشهد تراجعا ملحوظا فى تناول القضايا التى تتعلق بالاضطهاد الديني والعرقي للمسلمين مع استمرار الحكومات فى ارتكاب جرائمها دون محاسبة ..في رأيكم متى قد يتحرك العالم لنصرة المسلمين ومحاسبة المجرمين؟
– بالفعل هناك تراخ كبير فى الاهتمام بقضية الروهنغيا ربما لأن الفترة الحالية تشهد صراعات عديدة وخاصة في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط . وعموما هناك حالة من النسيان القسري لكثير من قضايا الاضطهاد ومن بينها قضيتنا، وفي نظرب أن العالم بحاجة إلى إعادة النظر فى الطرح الإعلامى الذى يحرك الشعوب ويحرك المنظمات بكل أشكالها لتقديم ما يمكن تقديمه فى مثل هذه الحالات لأننا نلاحظ أن المنظمات بل وحتى الدول لا تتحرك إلا بالإعلام القوي الموجه وقضيتنا لازالت تعانى من تهميش إعلامي كبير من غالبية وسائل الإعلام المؤثرة.
عنصرية الاختيار
ما مدى اهتمام الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والانسانية حول العالم بمشكلة مسلمى الروهنغيا ؟
– هيئة اﻷمم المتحدة وغيرها من الهيئات والمنظمات الحقوقية لها جهود ولكن هذه الجهود ضعيفة وﻻ ترتقي إلى المستوى المأمول ففي كثير من اﻷحيان تكتفي هذه الهيئات ببعض البيانات واﻻستنكارات التي نراها في وسائل اﻹعلام. ثم إذا بحثنا فى الواقع لم نجد شيئا من هذا من جهة ومن جهة أخرى هنالك تأكيدات من عدد من المهتمين بقضايا المسلمين أن هناك تمييزا وانتقائية فى التعامل مع ملفات المسلمين من بينها ملف الروهنغيا، وأما على صعيد المنظمات الحقوقية فهناك بعض التحركات لرفع دعاوى قانونية ضد حكومة ميانمار ونجحت بعض المنظمات فى ذلك إﻻ أن هذه التحركات تحتاج المزيد من المتابعة واﻻهتمام.
هذا يدفعنا للتساؤل ..لماذا لا توجد حتى الآن حملة دبلوماسية عربية إسلامية من أجل الضغط على حكومة ميانمار للاعتراف بحقوق مسلمي الروهنغيا ؟
– أشرت سابقا إلى أن معرفة الدبلوماسيين بقضية الروهنغيا غير مكتملة فكثير منهم ﻻ يعرفون أبعاد قضيتنا وﻻ يرون إﻻ ما تنقله بعض وسائل اﻹعلام من صور القتل واﻻضطهاد . والتحرك الدبلوماسى يحتاج إلى إحاطة بجوانب القضية من كل زواياها وأعتقد أن هذا سبب رئيس فى عدم وجود حملة دبلوماسية للمطالبة باﻻعتراف بحقوق الروهنغيا كعرقية أصلية فى ميانمار . وأمر آخر أيضا قد يكون وراء ضعف التحرك الدبلوماسي وهو انشغال المجتمعات العربية وسياسييها بملفات وقضايا بلدانهم وعدم وجود مراكز بحثية توفر المعلومات لصانعي القرار والسياسيين للقيام بواجبهم حيال الروهنغيا ومن في حكمهم.
تخاذل مشين
كيف تصنفون اهتمام الإعلام العربى والإسلامي بقضية مسلمى الروهنغيا؟ ولماذا فى رأيكم هذا التخاذل المشين فى إثارة القضية وتبنيها كما يجب أن يكون الحال؟
– اهتمام الإعلام العربي والإسلامي بقضية الروهنغيا ضعيف وبطيء ولا أستطيع أن أعتبره تخاذلاً لأن هناك جهودا إعلامية مبذولة من قبل مجموعة من وسائل الإعلام ولكن هذه الجهود قليلة وضعيفة ولا ترقى إلى المستوى المأمول. وهذا الضعف فى تناول قضية الروهنغيا إعلامياً يرجع لعدة أسباب فى نظري: أولاً: عدم استيعاب كثير من إعلاميي المنطقة العربية لما يجرى في ميانمار من انتهاكات وما يحصل للمسلمين الروهنغيا من اضطهاد ربما لبعد المكان وهذا أدى إلى ضعف الاهتمام.
ثانياً: الحصار الإعلامي المفروض على قضية الروهنغيا من قبل الحكومة الميانمارية وهذا الحظر لا زال حتى اليوم فكثير من الطواقم الإعلامية تمنع من دخول مناطق المسلمين. ثالثاً: عدم وجود الكفاءات والكوادر الروهنغية المتخصصة سواء فى الإعلام أو في السياسة وهذا أدى إلى ضعف انتشار القضية ولكن بحمد الله خلال السنوات الأربع الأخيرة حصلت هنالك صحوة فى صفوف الروهنغيين فظهرت مراكز إعلامية ووكالات للأنباء وشبكات إخبارية وهنالك نشاط ملحوظ من قبل الروهنغيين في وسائل التواصل الاجتماعى وأنا متفائل بأن القادم سيكون أفضل فيما لو أدركت وسائل الإعلام العالمية دورها ومكنت الشباب الروهنغيين من أداء رسالتهم من خلال المنصات الإعلامية الكبيرة .
إعلام روهنغيا
فى ظل اعتمادكم على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير لنشر قضيتكم حول العالم ما التأثير الذي أحدثتموه حتى الآن ؟ ولماذا لا نشهد حملات دعائية كبيرة تشارك فيها كل شعوب الدول العربية والإسلامية؟
– نعم نحن نعتمد كثيراً على وسائل التواصل الاجتماعي ولدينا أيضاً شراكات مع عدد من وسائل الإعلام التقليدية لإظهار القضية كما أننا نزود عدداً كبيراً من وسائل الإعلام بالمعلومات والأخبار والصور عن قضية الروهنغيا واستطعنا بحمد الله تحريك القضية فى الوسط العربي خصوصاً ونعمل بحمد الله على عدة مسارات إعلامية ولدينا كوادر تدربت على مهارات الإعلام ولا زلنا فى البداية، وأما بخصوص الحملات الإعلامية الكبيرة فنحن نحاول أن نقوم بما نستطيع وأوجه ندائي إلى المؤسسات الإعلامية التى لها حضور في الوطن العربى كي تمد يدها إلينا لنستطيع إيصال صرخات المضطهدين الروهنغيا إلى العالم.
ما هى وكالة أنباء اراكان ومن صاحب فكرة إنشائها وطبيعة التأثير والدعم الذي تحصل عليه من دول العالم وكذلك الصعوبات التى تواجهك كرئيس تحرير من أجل الاستمرار؟
– وكالة أنباء أراكان جاءت نتيجة فكرة مشتركة بين مجموعة كبيرة من الروهنغيين المهتمين بقضايا شعبهم وخاصة بعد اندﻻع أحداث اﻻضطهاد البشعة عام 2012 ونظرا للتعتيم اﻹعلامى المفروض على قضية الروهنغيا في ميانمار ولعدم وجود أي وسائل إعلام عربية يمكنها نقل ما يجري داخل أراكان . توافرت همم مجموعة من اﻹعلاميين الروهنغيين فأطلقوا هذه الوكالة ورتبوا كل ما يتعلق بها من احتياجات سواء في داخل أراكان من مراسلين سريين أو ما يتطلبه العمل من محررين وغير ذلك حتى انطلقت الوكالة وأصبحت مصدرا لكثير من وسائل اﻹعلام العالمية. وأستطيع القول إننا كسرنا جزءا كبيرا من الحصار اﻹعلامي المفروض على قضية الروهنغيا فأصبح العالم يتلقى الخبر الموثق وبأسرع وقت ووجدت وسائل اﻹعلام من يزودها بأخبار الروهنغيا بعد سنوات طويلة من التكتم والحصار . وأما عن الصعوبات فالحصول على الصور والفيديوهات فى نظري أكبر تحد أمامنا ﻷن السلطات الحاكمة فى ميانمار تحظر على الروهنغيا استخدام اﻻنترنت والهواتف الذكية وتمنع الإعلاميين من الوصول إلى أماكن اﻷحداث وتحظر عليهم التصوير ونقل اﻷخبار. وقد اعتقلت السلطات عددا من مراسلينا وبعضهم ﻻيزال قيد التحقيق بتهمة نقل اﻷخبار، ونحن ماضون بإذن الله فى غايتنا بمساندة الشرفاء حتى تعود الحقوق ﻷصحابها والله غالب على أمره.
لم يتبق سوى سؤال تقليدى بسيط.. كيف نساعد الروهنغيا ؟
– ساعدوا الروهنغيا بإيصال صوتهم إلى العالم .. وكل الشكر لصحيفة الأخبار المصرية على اهتمامها بقضيتنا.