وكالة أنباء أراكان ANA | الحياة
حتى وقت قريب، كانت ميانمار عالماً مجهولاً بالنسبة الى كثر. لم يكن السفر إليها سهلاً ولا استخراج تأشيرة زيارة، وكان مجرد ذكر اسمها يثير أسئلة كثيرة: أين تقع؟ هل هي نفسها مدينة رانغون الميانمارية؟ كيف نصل إليها، وماذا نتوقع أن نرى فيها؟ من هم أهلها، وما هي عاداتهم؟ ماذا يأكلون، وبأي لسان يتكلمون؟
الأسئلة مبررة، فهذه الدولة الآسيوية عاشت لسنوات في عزلة جعلتها بعيدة من العين. على أن أحوالها بدأت تتغير أخيراً مع انتهاء الحكم العسكري وانفتاحها على العالم، واكب ذلك إقبال المستثمرين والسياح عليها، علماً أن ميانمار سجلت نمواً متصاعداً في أعداد السياح، خصوصاً المهتمين بالسياحة البيئية أو بالمواقع الأثرية والتاريخية أو بالأماكن الطبيعية والشواطئ الجميلة، فيما استقبلت يانغون خلال عام 2014 أكثر من 1.1 مليون سائح بنمو 25 في المئة عن السنة التي سبقتها.
واعتباراً من 3 آب (أغسطس) الماضي، أطلقت «طيران الإمارات» خدمة يومية جديدة إلى يانغون ومنها الى هانوي على متن طائرة «بوينغ 777» بدرجاتها الثلاث، وهي خدمة ستتيح أيضاً للمسافرين من هاتين المدينتيْن السفر الى المناطق المختلفة التي تصل إليها «طيران الإمارات» في العالم عبر دبي.
يسمونها «الأرض الذهبية» و «بلاد المليون معبد»، ويانغون عاصمتها التجارية وأكبر مدنها.
اسمها يحكي جزءاً من قصتها، إذ أطلق الاستعمار البريطاني عليها اسم بورما، وعلى عاصمتها اسم رانغون. لكن ما أن حصلت هذه البلاد على استقلالها عام 1989، حتى غيّرت اسمها الى ميانمار، واختارت نايبييدو عاصمة لها. أما رانغون، فتغير اسمها الى «يانغون»، مأخوذاً في الحسبان أن الشعب الميانماري لا يجيد لفظ حرف «الراء».
يانغون مدينة تحبها من النظرة الأولى أو قد لا تحبها، لكنك في النهاية تستسلم لسحرها. ساحرة بطريقتها الخاصة، بطقسها الاستوائي وخضرتها الدائمة من كل لون وظل، وبإيقاعها الهادئ البطيء المريح للأعصاب. إيقاع من زمن ولى. بكر لم تتعولم بعد، وهذا سرّها ونقطة جذبها واختلافها.
تحسّسك بأن الزمن تجمّد لسنوات، فعلى رغم مرور 27 عاماً على الاستقلال، إلا أن البلد لم يتغير، حتى أن أكثر المعالم السياحية يعود الى الإرث الكولونيالي أو ما تبقى منه، خصوصاً في المعمار، مثل دار البلدية، وبنك «آكا»، ومبنى البورصة.
هذه الصورة لا تنفي الاختناق المروري الدائم في شوارعها الرئيسة، والفقر الواضح في مشهدها العام، في مبانيها السكنية ووسائل النقل العام وأسواقها والخيام المفتوحة المنتشرة على جنبات الطرق وحتى في الأحياء الراقية مثل حي السفارات.
جولة في أكبر أسواقها الشعبية، سوق سكوت بوغيوك، تعطي فكرة عما تشتهر به هذه المدينة. فيها وفرة من الأحجار الكريمة (عقيق وياقوت وزمرد)، وفيها تباع الحرف اليدوية والمنتجات المحلية من الحرير والمنسوجات والأقمشة، كما تنتشر دور صغيرة للخياطة الفورية. يتم التعامل بالعملة المحلية، «الكيات»، أو بالدولار، علماً أن البطاقات البنكية غير متداولة إلا في نطاق ضيق.
لا يُقبل سكان يانغون على ارتداء الملابس الغربية، بل يرتدون ما يشبه «الوزرة»، ويسمونها «لونجي»، وهي للرجال والنساء. مريحة جداً وعملية جداً، وتناسب بنيتهم الجسدية. تعلُّم ارتدائها متعة، خصوصاً التعرف الى استخداماتها المختلفة، فمثلاً تستخدم كشنطة، أو سترة أو مئزر.
ويلفت الزائر مسحوق أبيض اللون تضعه النساء على خدودهن ووجناتهن. يقولون إنه مسحوق «ثاناكا»، وهو نوع من الطين الذي يستخدم للتجميل وللحماية من أشعة الشمس ولعلاج البثور. متوافر في الأسواق جاهز كبودرة أو كمعجون، لكن طريقة إعداده ممتعة وبسيطة، فلا تحتاج إلا إلى حجر رملي، وجذع شجرة «ثاناكا» وماء. ثم يُفرك لحاء جذع «الثاناكا» بالحجر الرملي حتى تتكوّن بودرة تُخلط مع القليل من الماء حتى يتشكل معجون طري يوضع على الوجه.
معابد «أرض الذهب»
يُعرف عن الميانماريين حبّهم للذهب، لذلك فإن أوراقه تغطي غالبية المعابد البوذية والأديرة في يانغون.
أيقونتها معبد «شويداغون»، وهو مغطى بالذهب والجواهر، وما من وقت أجمل لزيارته مثل الغسق. فيه تكتشف أن علم التنجيم الخاص بالميانماريين يشكل جزءاً مهماً من ثقافتهم ومعتقدهم على اعتبار أن النجوم تحدد الحظ والمصير. فلكل شخص برج يحدد على أساس اليوم الذي ولد فيه من أيام الأسبوع. وللتعرف أكثر إلى المعابد البوذية وتقاليدها، ينصح بزيارة معبد «كالايوا» لمشاهدة موكب الرهبان عندما يصطفون في الساعة الحادية عشرة صباحاً الواحد تلو الآخر بملابسهم الخمرية اللون، لتناول وجبتهم الوحيدة في النهار، وهي في العادة تقدمة من الأهالي. وللعلم، يحظر على الرجال والنساء الدخول إلى المعابد ما لم يغطوا الذراعيْن والرجليْن، كما يجب خلع الحذاء والجوارب.
ثقافة بيوت الشاي
عادة شرب الشاي هي جزء من ثقافة الميانماريين وحياتهم اليومية. فمن من الطبيعي أن يتناولوا الفطور في بيوت الشاي حيث يقدم الشاي الأخضر أو الشاي مع الحليب الحلو، أو شوربة السمك. ويعود انتشار بيوت الشاي إلى صغر حجم المنازل السكنية، إضافة إلى ما توفره هذه الدور من جو اجتماعي للتحادث، وفرص لرجال الأعمال.
من هنا جاءت فكرة مطعم «رانغون تي هاوس»، وهي فكرة مستحدثة لتقديم الطعام الميانماري بمدخلات عصرية، علماً أن مطبخ يانغون هو مزيج من المحلي مع تأثيرات هندية وتايلاندية وصينية. لا يستخدم المطعم إلا اللحم الحلال والمنتجات المحلية عالية الجودة ويطعّمها بنكهات إقليمية. لاقت فكرة المطعم استحسان المحليين والسياح على السواء، حتى أنه يعد أحد أهم مطاعم المدينة.
كذلك، هناك مطعم «بورت أوتونومي» الذي يديره الشيف الشاب كيفن، وهو من أهم الطهاة في المشهد الميانماري، ويقدم الطعام المحلي بتوليفات جديدة. أما مطعم «شاركيز»، فهو من الأسماء البارزة في عالم المطاعم في البلاد، إذ لا يستخدم في مطاعمه إلا ما «صنع في ميانمار» من منتجات عضوية، إضافة الى منتجاته الخاصة.
هذه المطاعم، وغيرها أوروبية ويابانية، شاهد على المشهد المتغير سريعاً في يانغون التي تشهد تحولاً وانفتاحاً على العالم ينعكسان في نهضة عمرانية ودخول العديد من الفنادق والمطاعم الى المدينة.
على أن التجربة الميانمارية لا تكتمل من دون تجربة «أكل الشارع» من أكشاك مقامة على جانبي الطريق وسط البلد، وتبيع الفواكه والخضراوات واللحوم المقلية ووجبات الطعام الطازجة. وكان لافتاً حقاً وجود أكشاك لبيع ما يسمى «بيتال كويد»، وهو أقرب ما يكون الى «القات».