وكالة أنباء أراكان ANA | رؤية
أعلن الرئيس أوباما, عقب عقده لآخر جلسة مشاورات مباشرة تجمعه بالزعيمة الميانمارية “أونغ سان سوكي”, يوم الأربعاء الماضي عن نيته رفع ما تبقى من العقوبات الاقتصادية المفروضة على ذلك البلد الواقع في جنوب شرق آسيا. وبينما تواصل ميانمار انتقالها التاريخي الذي لم يكتمل بعد، نحو الديمقراطية, يُلقي هذا القرار الضوء على قدرة العقوبات على العقاب والإرغام, وكذلك محدوديتها في بناء وتعزيز العلاقات.
ولا تزال ميانمار تواجه العديد من العقبات الشديدة لتنفيذ الإصلاح, ولكن هذا النوع من العقبات لا يمكن معالجته بنجاح من خلال العصا الغليظة للقيود التجارية الواسعة. وعوضا عن ذلك, هناك وسيلة أخرى أكثر ملائمة- وسيلة تعتمد على التعاون والتنمية- يجب استعمالها في المستقبل.
وردًا على القمع الوحشي للمعارضة وانتهاكات حقوق الإنسان غير المسبوقة, فرضت الولايات المتحدة ودول أخرى هذه العقوبات الاقتصادية المؤلمة على النظام العسكري الحاكم في ميانمار في منتصف عقد التسعينيات.
وعلى الصعيد الأخر أصبحت “أونغ سان سوكي”- ابنة أحد الآباء المؤسسين لميانمار, والتي تلقت تعليمها في بريطانيا- رمزا لبقا وجذابا للمعارضة ضد الحكم العسكري, ومحفزا قويا للتحرك الدولي.
ومع ذلك, لم تثمر العقوبات عن نتائج سريعة. فالعقوبات الاقتصادية ليست ضربة في جسد الدولة بقدر ما هي خنق بالبطء لها, كما أن الطغمة الحاكمة في ميانمار دائما ما كانت تقاوم مساعي التغيير. وبعد سنوات من التعنت الرسمي, عانت ميانمار من العزلة والفقر, لدرجة أن البعض قارن وضعها بكوريا الشمالية( وبالطبع لم تجد دعما اقتصاديا سوى من الصين). ولكن في بواكير عهد إدارة أوباما, أرسل النظام الميانماري إشارات عن استعداده اتخاذ خطوات نحو الإصلاح. وبحلول عام 2011, أصبحت تلك الإصلاحات واعدة لدرجة لا يمكن تجاهلها, كما أصبحت هيلاري كلينتون أول وزيرة خارجية أمريكية تزور ميانمار خلال ستة وخمسين عاما بغرض تقييم الوضع والتشاور مع “اونج سان سوكي” حول استعدادها لتقديم الدعم لعملية الإصلاح. وبعد أن كانت زعيمة المعارضة سببا في فرض العزلة الدولية على ميانمار, أصبحت الآن تمنح شرعية أخلاقية للإنعاش المتدرج لوطنها.
ومنذ ذلك الحين, بدا التقدم الذي أحرزته ميانمار حقيقيا, كما حذت سياسة العقوبات الأمريكية نفس الحذو إلى حد ما. تولت “أونغ سان سوكي” وحزبها المعروف باسم الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية السلطة هذا العام بعد تحقيقها فوزا انتخابيا ساحقا في مواجهة الحزب الوريث للنظام العسكري. وعلى الرغم من أن الدستور الذي صاغته الطغمة العسكرية يمنح سلطات هامة
للقوات المسلحة, إلا أن ” أونغ سان سوكي” أشرفت على انتقال سلمي للسلطة رغم مرور ست سنوات على وضعها تحت الإقامة الجبرية. ونتيجة لذلك, واصلت الولايات المتحدة تخفيف عقوباتها, في حين أبقت عليها في مجالات محددة, مثل صادرات المعادن والأحجار الكريمة, فضلا عن قائمة سوداء تضم أفرادا وكيانات يُشتبه في تواطؤها تاريخيا في تجاوزات الطغمة العسكرية.
في الواقع, إن فرض أو تخفيف تلك العقوبات هو أكثر تعقيدا من مجرد خفض أو رفع درجة التقريع الدبلوماسي حسب آخر التطورات السياسية. فبينما كان الرفع المتدرّج للعقوبات يهدف لتحفيز زيادة مشابهة في عمليات الاستثمار, عرقلت حالة عدم اليقين الاستثمار في ميانمار.
على سبيل المثال, في أعقاب سماح وزارة الخزانة الأمريكية بصورة كبيرة للشركات بالتجارة في ميانمار, اضطرت الخزانة في العام الماضي لإزالة الالتباس حول ما إذا كان من الممكن نقل البضائع التي يجري الاتجار فيها عبر موانئ ومنشآت تعود ملكيتها لأفراد مُدرجة أسماؤهم على القائمة السوداء. على الرغم من مواصلة الإدارة تخفيف القيود المفروضة على البنوك والأعمال المملوكة للدولة في شهر مايو من هذا العام, إلا أن العقوبات الاقتصادية ظلت تُستخدم كأداة خشنة في الوقت الذي يتطلب فيه الانخراط مع ميانمار حرصا متزايدا.
ومن المرجح أن يتم رفع العقوبات بصورة جزئية قبل أن يتعطل ( على نحو مفهوم ) تنفيذ الاستثمارات المتبقية بسبب الخوف الدائم من الاصطدام بالعقوبات الاقتصادية المتبقية.
في الواقع, ربما تكون القيود القانونية المفروضة على تعامل الولايات المتحدة مع الجيش الميانماري هي العائق الأكبر أمام زيادة الإصلاحات. سوف تتطلب القضايا العالقة و الملحّة التي تواجه ميانمار- مثل الصراعات المستمرة في محيطها والأزمة الإنسانية لشعب الروهنغيا- تعاونا مهما من الجيش الميانماري. على المدى الطويل, سوف يكون التقدم الذي تحرزه ميانمار نحو إرساء علاقة مدنية-عسكرية متوازنة هو التحدي الأبرز في مسيرة الانتقال السياسي لهذا البلد. باستطاعة الولايات المتحدة أن تلعب دورا مساعدا وحاسما في هذه الجهود, شريطة أن لا يتم منعها من التفاعل بصورة مجدية مع الفاعل السياسي الأكثر تأثيرا في ميانمار( أي أونغ سان سوكي).
ولهذه الأسباب, قدّم عضوا مجلس الشيوخ بين كاردين وجون ماكين يوم الثلاثاء قانونا لا يكتفي بتأسيس عملية يتم من خلالها إنهاء العقوبات القانونية المتبقية والمفروضة على المواطنين والكيانات الميانمارية فحسب, وإنما يفتح الباب أيضا لتأسيس تعاون عسكري استكشافي متبادل بين جيشي البلدين.
يُجيز مشروع القانون إعطاء دروس لغة إنجليزية, وتدريب الجيش الميانماري على كيفية المشاركة في عملية السلام الداخلية والتعاون مع جيوش دول المنطقة.
يمكن القول بأن العقوبات المفروضة على ميانمار لم تسهم في تحول هذا البلد, وقادته نحو طريق الديمقراطية، والتحديات الكبيرة المتبقية في ميانمار لا يمكن حلها عن طريق العقوبات, ولكن من خلال تشجيع التعاون معها، ويجب على الولايات المتحدة أن تمضي قُدما في خطة الرئيس التي تهدف إلى رفع ما تبقى من عقوبات اقتصادية مفروضة على ميانمار وزيادة التعاون معها في المستقبل. سيكون الأمر أكثر صعوبة وخطورة من الإبقاء على العقوبات كما هي, ولكن إذا كان الهدف المرجو هو إحداث تطور إيجابي بدلا من ردع سلوك سيء, فإن ذلك سيكون مجازفة يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بها.