بقلم: براهما تشيلاني*
وكالة أنباء أراكان ANA | البيان
الصين مولعة بالسدود. في الواقع، على مدى السنوات الـ50 الماضية، شيدت الصين المزيد من السدود أكثر من جميع البلدان الأخرى مجتمعة. ولكن هناك سدا واحدا لم تتمكن الصين من بنائه: سد ماييستون في ميانمار. ولن يدعه القادة الصينيون يضيع منهم.
وكان من المتوقع أن يقام سد ماييستون على منابع نهر إيراوادي، شريان الحياة في ميانمار. وقد صُمم هذا المشروع لإنتاج الطاقة الكهرومائية، والذي من شأنه أن يولد الطاقة بهدف تصديرها إلى الصين، في الوقت الذي كان يعتمد اقتصاد ميانمار على جارتها العملاقة. وخلال حكم المجلس العسكري الاستبدادي، واجهت ميانمار عقوبات قادتها الولايات المتحدة، مما ساهم في الشلل والعزلة الدولية الواسعة للبلاد.
وبينما رأى آخرون انتهاكات حقوق الإنسان في ميانمار، انتهزت الصين الفرصة لتعزيز مصالحها الاستراتيجية والموارد الخاصة بها. عندما قُدم مشروع سد ماييستون، أنشأت الصين أيضا موطئ قدم في ميناء كياويبيو في ميانمار على خليج البنغال، وانطلاقا منه ستبني خطوط أنابيب الطاقة لتصل إلى جنوب الصين.
ويَعد الحضور القوى للصين في إيراوادي في ميانمار، الذي يمتد من الحدود الصينية إلى بحر اندامان، بتسهيل وصول الصين إلى أوروبا عبر الطريق التجاري الأقصر والأقل تكلفة. وكميزة إضافية، سوف يخدم مشروع ماييستون طموح الصين في تحدي الهند في المحيط الهندي، وعلى نطاق أوسع، علاقة الصين مع ميانمار.
وكان كل شيء يبدو كأنه يسير وفقاً للخطة الموضوعة، ولكن في عام 2011، بعد عامين من توقيع المشروع بقيمة 3.6 مليارات دولار، أوقفت حكومة ميانمار فجأة بناء السد، وكان ذلك بمثابة صفعة في وجه الصين. وبالنظر إلى التحرك نحو الإصلاح الديمقراطي، كانت حكومة الرئيس ثين سين تتوق للتخلص من صورة ميانمار كدولة عميلة للصين.
وحصل سين على ما أراد. وأصبح الموقف المعاكس لميانمار على سد ماييستون لحظة فاصلة للانتقال الديمقراطي في البلاد. الأمر الذي ساعد على وضع حد لعزلة ميانمار الدولية، وتخفيف العقوبات الغربية التي طال أمدها والتي جعلت ميانمار تعتمد على الصين في المقام الأول. في عام 2012، كان باراك أوباما أول رئيس أميركي يقوم بزيارة لميانمار.
في العام الماضي، انتخبت ميانمار أول حكومة يقودها مدنيون. وفازت الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بالأغلبية الساحقة، بقيادة أونغ سان سو كيي، وهي سجينة سياسية سابقة. على الرغم من منع سو كي من الترشح لرئاسة الجمهورية مباشرة، فإنها أقوى شخصية في حكومة ميانمار البالغة من العمر عشرة أشهر.
جنباً إلى جنب مع كل هذا التقدم الديمقراطي، تراجعت العلاقات بين ميانمار والصين إلى حد كبير. بعد توقف العمل بسد ماييستون، وضعت عدة مشاريع أخرى متعلقة بالسدود والطاقة أيضا في لائحة الانتظار، على الرغم من تمكن الشركات الصينية من إكمال خطوط أنابيب النفط والغاز الرابطة بين الساحل الغربي لميانمار وجنوب الصين في سنتي 2013 و2014، بتكلفة مليارات الدولارات.
ولكن الصين لم تتخل عن مشروع ماييستون. في الواقع، يبدو أن الرئيس شي جين بينغ يحاول انتهاز فرصة الانفتاح التي أنشأتها جهود سو كي لنزع فتيل التوترات الثنائية - وكانت أول رحلاتها الدبلوماسية بعد الانتخابات لبكين - من أجل الضغط عليها لإلغاء قرار سين.
وحذرت الصين أنه إذا لم تستأنف ميانمار مشروع ماييستون، ستكون مسؤولة عن دفع 800 مليون دولار للصين. هونغ ليانغ، سفير الصين لدى ميانمار، أعلن منذ ثلاثة أشهر أنه على ميانمار دفع 50 مليون دولار من الفائدة وحدها عن كل سنة يتم فيها تعليق المشروع. وأضاف هونغ أنه إذا تم إنجاز المشروع، ستجني ميانمار عوائد عالية من خلال تصدير كميات كبيرة من الكهرباء إلى الصين.
ولم تجد التهديدات آذانا صماء. قبل زيارتها لبكين، كلفت سو كي لجنة من 20 عضوا لمراجعة مشاريع الطاقة المائية المقترحة والقائمة على طول نهر إيراوادي، بما في ذلك صفقة ماييستون التي تم وقف تنفيذها.
لكن من غير المرجح أن تعيد سو كي تشغيل مشروع السد، وهي التي استهجنته عندما قادت المعارضة ضد المجلس العسكري. وبقدر ما أنها تريد الابتعاد عن الصين - وهو الهدف الذي قاد بالتأكيد قرارها إنشاء اللجنة - فإن موافقتها بالفعل على استئناف العمل في سد ماييستون ستكون غير شعبية ومكلفة سياسيا.
في الواقع، داخل ميانمار، يُعتبر مشروع ماييستون على نطاق واسع جزءاً من سياسة الاستعمار الجديد، يهدف إلى توسيع نفوذ الصين على البلدان الصغيرة، وإلى تغذية جشعها من أجل الموارد الخاصة بها، بغض النظر عن الظروف أو الاحتياجات المحلية. وهناك الكثير من الأدلة التي تدعم هذه القراءة، بدءاً من طلب الصين لمعظم الكهرباء، في حين تعاني مناطق كثيرة من ميانمار من انقطاع التيار الكهربائي يومياً.
وعلاوة على ذلك، كان لبناء عدد من المشاريع عواقب وخيمة على شعب ميانمار، كإتلاف رقعة واسعة من الأراضي، ومشروع تهجير العديد من المزارعين والصيادين الفقراء، مما أثار ردود فعل شعبية ساهمت في نهاية وقف إطلاق النار الذي استمر 17 عاماً بين جيش الاستقلال كاشين والقوات الحكومية. «ومن المفارقات، أن الصينيين يعملون جاهدين للحصول على دعم سو كي، ويقومون بدور الوساطة في محادثات السلام بين الحكومة والمتمردين، الذين يُعتقد أنهم يتلقون الأسلحة من الصين منذ فترة طويلة».
وتثير الضغوط الصينية لإحياء مشروع ماييستون المشاعر المناهضة للصين في ميانمار. في الحقيقة، لما كانت سو تشي في بكين، اندلعت احتجاجات مناهضة للصين من جديد داخل البلاد. وفي الوقت الذي تجري فيه استمالة ميانمار من قبل جميع القوى الكبرى والمستثمرين الدوليين، لا يوجد أي حافز للحكومة - ناهيك عن الشعب - لتجاهل التكاليف البيئية والبشرية للمشاريع مع الصين.
لقد حان الوقت للصين لتدرك أن قرار إنهاء مشروع ماييستون لن يتم التراجع عنه. نأمل أن تخرج لجنة سو كي ببعض التوصيات لحفظ ماء الوجه، مثل دفع تعويضات إلى الصين أو عقد صفقات جديدة لمحطات طاقية أصغر حجما وأكثر احتراما للبيئة. ولكن، على ضوء أن سو كي تلتزم سياسة خارجية محايدة، فإن أيام امتصاص الصين لموارد ميانمار، دون أي اعتبار للتكاليف البيئية أو البشرية، قد ولت.
* أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز مقره نيودلهي لأبحاث السياسات وزميل في أكاديمية روبرت بوش في برلين، وهو مؤلف لتسعة كتب، منها «آسيا الطاغوت، المياه: ساحة المعركة الجديدة في آسيا» وكتاب تحت عنوان «المياه، والسلام، وحرب: مواجهة أزمة المياه العالمية».