بقلم: القارئ الشيخ عمر بن أحمد القزابري
وكالة أنباء أراكان ANA |
مِن أينَ أَبدأ الحديثَ والقلبُ قد توسَّد الألم.. وكيف تُطاوِعُني العباراتُ وهي في زمن الظلم كَالعدَم. ميانمار.. صورةُ ظلمٍ في زمنِ التبجُّح بالقيم.. في عالمٍ سَقطتْ فيه إِبرَة الميزان. وتداعى فيه الكلُّ على ذبح الهِمم. في زمنٍ كَسدَت فيه سُوق المبادئِ وبادت أسهُم الشَّمَم.. الكلُّ تنادى على قتْلِ مسلمي ميانمار فقال الظالمون أهلا.. والمسلمون أخرسهم صوت البَشَمْ.. أَنامتْ أمّتي أمْ ماتت.. ما الخطب ما الخبر..؟ إني أرى خلْف مُستنقعاتِ الذُّلِّ نُفوسًا رضِيَت بالدُّون واستلذَّتِ الأسَنْ..
إِخوانُنا في ميانمار يُبادُونَ أيُّها الأحباب. يُقتَّلُون ويحرقون وتُقَطُّعُ أيديهم وأرجلُهم. يَتعرَّضُون لصنوفٍ من التعذيبِ لا يمكنُ للعقل أن يَتصوَّرَ مدى شناعتِها وبَشاعتِها. وذنبُهُم الوحيد أنَّهم يقولون.. لا إله إلا الله محمد رسول الله { وما نقموا منهم إلا أن يومنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض.. والله على كل شيء شهيد}.
سبحانه لا إله إلا هو؛ شهيد على ظلم الظالمين، شهيد على تخاذل المتخاذلين، شهيد على كلِّ صُنوفِ المكرِ التي جعلت إخواننا في ميانمار شيئا مستباحا، لا حرمة لدمائهم ولا لأعراضهم، حتى أصبح الجلادون يَتفنَّنُون في كيفِيَّة قتلهم، وحرقهم، وإبادتهم، على مرأى ومسمعٍ من عالمٍ ارتفعت فيهِ أعلامُ الظلم؛ حتَّى صار الظالمُ حكمًا لا يُرَدُّ له اقتراح، والجاني يستقبل بزغاريد الأفراح،
نعم أيها الكرام.. هذه قَسَمَاتُ وجه عالمنا الشَّاحِب؛ الذي كادت تموتُ فيه القيم والمكارم، إنَّ المُتابِعَ لقضيَّةِ إِخواننا في ميانمار ليتقطَّعُ قلبه حسراتٍ على حالهم. ويَشعرُ بِوَخزاتِ الضمير، ولا يجد ملجأ سِوى ربه الكريم يلوذ به ويتضرَّعُ إليه، لسنا ندري أنحزن لحالهم، أم نحزنُ لتخاذُلِ الأمَّةِ عن نصرتهم، إنها صورةٌ من صُوَرِ الذلِّ الذي أصبح سيِّدَ المشهد، ومن استوطأ الذُّلَّ بَعُدَتْ عليه الشُّقَّة ، وغرق في بحار المَشَقَّة، وماتت فيه الحَمِيَّة ، وتلاشى عنده الشُّعورُ بالانتماء.
إنَّه حالُنا في زمن التَّردي، في زمنِ نفسي نفسي، نبيُّنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول ( مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى )، فأين نحن من واقع الجسد؟ اليوم يشتكي عضوٌ بل أعضاء من هذا الجسد فهل تداعى المسلمون، وهل مثَّلُوا واقعَ الجسد الذي أرادهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يَكُونُوه؟ لقد تكاثرت علينا السهام وتوالت السياط الكاوية، جِراحٌ في سوريا والعراق وليبيا وميانمار، لقد أصبحت صدور المسلمين قِبلةً لسهامِ المُعتدين، والمسلمون في غفلةٍ معرضون، يستمعون الزواجر وهم يلعبون. لاهية قلوبهم، قد أحاط بهم من الوهن ما الله به عليم، ومع ذلك فقد ركنوا إلى الحياة أي حياة، ورَضُوا بالذلِّ واسْتَساغُوا الهَوَان.
أحبابي لا تنسوا إخوانكم في ميانمار، ذكِّروا بقضيتهم، وأَضعَفُ الإيمان أن تذكروهم بدعوةٍ في سجودكم أو في وقت السحر أو غيرهما من مَظانِّ الاستجابة؛ فإنَّ الأسبابَ إذا انقطعت كانَ الدعاءُ بنفسِه سببا.
إنَّها أمانةٌ في عُنقِ كلِّ من يستطيع إعانتَهم أو تعريفَ النَّاس بقضيَّتِهم. مسؤوليةُ العلماء والدعاة. مسؤوليةُ كل من يقول لا إله إلا محمد رسول الله؛ فإنَّ الإسلامَ رحمٌ بينَ أهله، والمؤمنُ للمؤمنِ كالبنيان يشدُّ بعضُه بعضا. وتذكَّر أيها الحبيب عندما تكون في فِراشِك أنَّ إخوانًا لك يُقاسُونَ البرد الشديد في الجبال فارِّين مِن بَطشِ الظالمين، لا يَجِدُون ما يُطعمون به أنفسهم وأولادهم، قد كساهم الرعب والخوف، فادعوا لهم فإن ذلك من المَعْذِرةِ إلى ربكم، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل .