بقلم: كريستين ماكوناشي*
وكالة أنباء أراكان ANA | صدى الإمارات
كان المأمول أن تحدث في ميانمار، عملية تحول سياسي، نحو الديمقراطية، بعد تولي الزعيمة، « أونغ سان سو كي» الحائزة على جائزة نوبل للسلام، زعامة البلاد. ولكن الديمقراطية ظلت بعيدة، ووتيرة التمييز الديني والعرقي، والمذابح ضد الروهنغيا، ازدادت شراسة.
عانى الانتقال المضطرب في ميانمار مؤخراً خسارة فادحة، عندما جرى اغتيال شخصية عامة تحظى باحترام شديد. كان «يو كو ني»، عضواً عريقاً في حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية»، ومحامياً وخبيراً في الإصلاح الدستوري ومستشاراً لدى رئيسة الحكومة « أونغ سان سو كي». وكان أيضاً مسلماً، وينسجم قتله بشكل مأساوي مع الاضطهاد المناوئ للمسلمين في ميانمار- ومع السياق الأوسع لخيبة الأمل السياسية في هذا البلد.
في 20 يناير/ كانون الثاني، أدْلت المقرِّرة الخاصة للأمم المتحدة «يانغي لي» ببيانٍ حول انتهاء مهمتها، صريح على نحو غير مألوف. وصفت غياب التعاون الرسمي معها في مهمّتها، بما في ذلك حرمانها من دخول مناطق في ولاية كاشين، وسردت قائمة بانتهاكات حقوق الإنسان. وكان من بينها قمع الاحتجاجات السلمية والمعارضة السياسية، والاعتقال التعسفي، والعمل القسري في السجون، والهجمات على المدنيين في ولايتيْ كاشين وأراكان، والتمييز المنهجي والمؤسسي ضدّ الروهنغيا.
وتعززت النتائج التي توصلت إليها، «بتقرير خاطف» صدر في 3 فبراير/ شباط عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة. ويقوم التقرير على مقابلات أجريتْ مع أكثر من 220 شخصاً من الروهنغيا الذين فرّوا من ميانمار في أعقاب الحصار العسكري الذي فرض عليهم البقاء في منازلهم وعدم مغادرتها في ولاية أراكان، في أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
ويصف التقرير أعمالاً فظيعة ارتكِبتْ خلال ذلك الوقت: مثل الاغتصاب الجماعي، والتعذيب والضرب، وإطلاق النار العشوائي للقتل، واستعمال القنابل اليدوية ضدّ المدنيين، وحبس الناس داخل المنازل وإضرام النار فيها. ويشير التقرير إلى أنه «بينما كان التمييز ضدّ الروهنغيا شائعاً منذ عقود في ولاية أراكان الشمالية.. فإن مستوى العنف الذي وقع مؤخراً لم يسبق له مثيل».
وتدعو هذه الروايات إلى قراءة واقعية للوضع. فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، كان يُفترض أن ميانمار منخرطة في عملية إصلاح سياسي. على الأقل، كان ذلك هو الأساس المنطقي الذي استند إليه إلغاء العقوبات وتصعيد المساعدات الأجنبية الضخمة. المملكة المتحدة وحدها، قدّمت ما يقارب 300 مليون جنيه استرليني مساعدة لميانمار بين عاميْ 2011 و2016، لدعم «التحوّل» الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في البلاد. ولكن، هل هنالك تحوّل لكي يجري دعمه؟
شهدت انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، في ميانمار إحراز حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» فوزاً مقنعاً. وذكر العديد من التقارير الإخبارية العالمية في ذلك الوقت أن هذا الفوز، يرقى إلى درجة ثورة، وتغيير للنظام، يقاربان هزيمة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا عام 1994. ولكن التحول السياسي في ميانمار لم يتقدم حتى الآن بفعل ثورة جذرية، بل عن طريق عملية تدار بعناية، مع تحديد واضح للرابحين والخاسرين.
وأوضحُ الرابحين حتى الآن هو الجيش، الذي تجنب أي محاسبة عن عمليات القتل، والتعذيب والاضطهاد، التي ارتكبت في ظل الحكم العسكري. وقد نقل زعماء البلاد السابقون وأتباعهم سيطرتهم السياسية بسلاسة، إلى القطاع الاقتصادي، وتحكموا بمساحات واسعة من الصناعات المربحة، من التعدين وقطع الأشجار إلى السياحة والاتصالات.
وعلى الجانب الآخر يوجد الخاسرون. ويشمل هؤلاء بالتأكيد الروهنغيا والمسلمين الآخرين، الذين يواجهون اضطهاداً شديداً في مناخ من القومية البورمية والبوذية الملتهبة. كما يشمل أيضاً أعضاء من القوميات العرقية في البلاد والجماعات المسلحة العرقية. واتسمت عملية وقف إطلاق النار الشاملة في البلاد ومؤتمر بانغلونغ للقرن الواحد والعشرين، حتى الآن، بالبلاغة الجوفاء من قبل الحكومة، بدلاً من الالتزام الجاد بالفدرالية السياسية.
ومن بين الخاسرين الآخرين في عملية التحول في ميانمار، المجتمع المدني الأوسع، الذي طال تهميشه من قبل الحكومة، وتسحقه الوكالات والشركات الدولية القوية. وَباءَ المحتجّون وغيرهم ممن اعتقدوا أن حكومة «الرابطة من أجل الديمقراطية» سوف تحمي حرية التجمع وتكوين الجمعيات، بإحباط شديد. وكان نصيبُ احتياجات السكان النازحين الهائلة في ميانمار- بما في ذلك اللاجئون في دول مجارة، ومئات الألوف من المشردين داخلياً، الإهمالَ التام.
منذ بداية الإصلاحات عام 20111، كان يجري تفسير الأمور المثيرة للريبة، لصالح الحكومة دائماً. وساد موقفٌ قوامه «ننتظر ونرى»: ننتظر إلى حين عقد الانتخابات، ننتظر إلى أن تتولى الحكومة الجديدة مهامّها، ننتظر إلى أن يصبح بوسعنا تحديد المدى الحقيقي للتغيير. حسناً، لقد انتظرنا، ونستطيع أن نرى بأعيننا أن الحكومة الجديدة لا تكاد تختلف عن القديمة. المقرَّبون العسكريون، وشركات التعدين والشركات الغنية، يحصدون الأرباح، أمّا أبناء القوميات العرقية، والأقليات الدينية واللاجئون، فهُم- كما كانوا من قبلُ- يعانون أسوأ الظروف.
* أستاذة مساعدة في كلية القانون بجامعة وارويك (بريطانيا).