وكالة أنباء أراكان ANA | قنا
تقبع أقلية “الروهنغيا” المسلمة في ميانمار في أتون أعمال عنف وانتهاكات واضطهاد عرقي وثقتها تقارير أممية، لكنها لم تجد تحركا جديا من جانب المجتمع الدولي الذي يكتفي ببث بيانات استنكار بشأن هذه المآسي هناك، وسط تساؤلات لا إجابة عليها حول حالة الصمت وعدم الاكتراث لفداحة هذه الأعمال.
إلا أن بارقة أمل لاحت في الأفق في سياق محاولات إنقاذ “الروهنغيا” عبر سفينة مساعدات ماليزية وصلت إلى بنغلاديش بعد أيام من الاحتجاج عليها في ميانمار، وكان عدد من كبار المسؤولين البنغال والماليزيين في استقبال السفينة “نوتيكال اليا” التي تحمل 1472 طنا من المساعدات العينية والطبية، في وقت دعا فيه عبدالعزيز محمد عبدالرحمن ممثل رئاسة الوزراء الماليزية وعضو البرلمان الذي رافق السفينة إلى “حل طويل الأمد” لأزمة “الروهنغيا” أثناء تسليمه الحمولة.
و”الروهنغيا” اسم قومية عرقية تنتمي إلى عائلة الشعوب الهندية، وتقطن في ولاية “أراكان” غربي ميانمار، وتعتبرهم الأمم المتحدة أكثر الأقليات اضطهادا في العالم.
وكان مسؤولون بارزون بالأمم المتحدة استنكروا حملة أمنية قمعية جديدة نفذها الجيش في ميانمار ضد “الروهنغيا” منتصف يناير الماضي.. قائلين إن أكثر من ألف مواطن منهم يخشى أن يكونوا قد قتلوا خلال تلك الحملة، وربما يكون عدد الضحايا أكثر من ذلك بكثير، فيما فر قرابة 70 ألفا من “الروهنغيا” بحثا عن ملاذات آمنة، كما نقل عن مسؤولين أمميين قولهم إن العالم الخارجي “لم يستوعب تماما حجم الأزمة الجارية هناك”.
وتواجه الحكومة في ميانمار في خضم هذه الأعمال ضد “الروهنغيا” انتقادات حادة بسبب فشلها في وضع نهاية لهذه الأزمة، وسط مطالب المجتمع الدولي بسرعة الحل.
ويشن الجيش في ميانمار عملية أمنية منذ أكتوبر الماضي في ولاية “أراكان”، الواقعة على الساحل الغربي للبلاد، بحثا عن أشخاص تتهمهم السلطات بـ”الوقوف وراء هجمات على مراكز حدودية للشرطة”، وهي العملية التي أودت بحياة مئات الأشخاص من “الروهنغيا” وفرار الآلاف منهم إلى بنغلاديش، فيما ترفع الأقلية المسلمة الصوت عاليا جراء التمييز الذي يمارس ضدهم في عدد من المجالات مثل العمل القسري والابتزاز وفرض قيود على حرية تحركهم وعدم تمكنهم من الحصول على الرعاية الصحية والتعليم وغيرها.
ورغم أن وسائل إعلام رسمية اعترفت بأن العشرات قتلوا وألقي القبض على المئات منهم ومن المؤيدين لهم، إلا أن الحكومة نفت ارتكاب القوات الأمنية لأي انتهاكات جسيمة بحق تلك الأقلية المحرومة من أبسط حقوق المواطنة، وذكرت لاحقا أنها ستحقق في تقارير تتحدث عن انتهاكات، وتصر على اتهام “الروهنغيا” بعدم الرغبة في “الاندماج سلميا في المجتمع والعيش في سلام”.
وفيما أدانت الجامعة العربية أعمال العنف الطائفي ضد الأقلية المسلمة في ميانمار، كانت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أصدرت مؤخرا تقريرا عن “عمليات مروعة وانتهاكات جسيمة وغير مسبوقة لحقوق الإنسان” ترتكب من قبل قوات الأمن في ميانمار ضد الأقلية المسلمة في ولاية “أراكان”، إذ شملت الانتهاكات حجما غير مسبوق من الاعتداءات الجسدية والقتل والاخفاء، وتدمير مصادر الغذاء والمحاصيل وحرق منازل وأسواق ومحال تجارية لـ”الروهنغيا” وتحديدا في منطقة شمال منغدو بالولاية ذاتها.
بدوره، استنكر المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة الأمير زيد بن رعد الحسين، هذه الانتهاكات المروعة، معتبرا أن التقرير يشير إلى أن مستوى العنف في الفترة الأخيرة بميانمار ضد “الروهنغيا” لم يسبق له مثيل .
فيما دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان السلطات في ميانمار إلى التحقيق في هذه الأعمال مع قادة الجيش والشرطة “إن كانوا قد سمحوا لجنودهم بالاعتداء” على مسلمي “الروهنغيا”.
ويعاني مسلمو “الروهنغيا” في بحثهم عن ملاذات أخرى من فظاعات التعذيب إلى احتمالية خطر الغرق, إذ دعت بنجلاديش المجتمع الدولي إلى دعم خطتها لإعادة توطين عشرات الآلاف من اللاجئين من ميانمار إلى جزيرة نائية رغم تحذيرات تفيد بأنها غير صالحة للسكن, وتواجه خطر الفيضانات.
وقد طالب وزير خارجية بنجلاديش محمود علي، ممثلي بعثات دبلوماسية ووكالات للأمم المتحدة باتخاذ “إجراءات مفيدة” لإعادة توطين اللاجئين.
وتقضي الخطة بإعادة توطين “الروهنغيا” على جزيرة “ثينغار تشا ” البنجالية، حيث قال الوزير إن اللاجئين “سيحصلون على المساعدات الإنسانية بشكل أفضل”.. علما بأن بنجلاديش قد اقترحت الخطة قبل عامين وأعادت احياءها مؤخرا لنقل آلاف “الروهنغيا” للجزيرة.
ويعيش في بنغلاديش نحو 232 ألفا من “الروهنغيا” من المسجلين وغير المسجلين، وتزداد وتيرة لجوئهم إليها فرارا من العنف في ولاية “أراكان”, حيث بات الكثير منهم يعرف بـ “لاجئي القوارب”.
تحركات جرت على صعيد منظمة التعاون الإسلامي التي عقد أمينها العام يوسف بن أحمد العثيمين سلسلة لقاءات على هامش إحدى الفعاليات السياسية لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء بشأن وضع “الروهنغيا” والخطوات الواجب اتخاذها من المنظمة والدول الأعضاء لرفع المعاناة والوقف الفوري لأعمال القتل والعنف في “أراكان”، إلى جانب بذل الجهود لحث سلطات ميانمار على السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، وتمكين أبناء “الروهنغيا” من استعادة حقوقهم, وإنشاء المركز العالمي للروهنغيا بهدف نشر الوعي إعلاميا بقضيتهم والمساهمة في تسييسها , فيما بقيت تلك التحركات حبرا على ورق وسط تصاعد أعمال العنف ضد الأقلية المسلمة.
كما دعا سيد حامد البار مبعوث منظمة التعاون الإسلامي إلى ميانمار، الأمم المتحدة للتدخل في ولاية “أراكان” لمنع مزيد من تصعيد العنف ضد “الروهنغيا” وتجنب خطورة وقوع إبادة جماعية، معتبرا أن الصراع هناك لم يعد قضية داخلية وإنما بات محل اهتمام دولي.