وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
تروي لنا موفدة فرانس24 إلى مخيمات اللجوء في بنغلاديش مايسة عواد تفاصيل رحلتها إلى آخر نقطة حدودية بين بنغلادش وميانمار، حيث لاحظت تراجع عدد اللاجئين كما الأيام السابقة.
هدفنا اليوم الوصول إلى آخر نقطة حدودية بين بنغلاديش وميانمار. البحر إلى يميننا والتلال الخضراء تشرف على الساحل من يسارنا. نصل إلى تكناف، بلدة بطريق معبدة ومحال منظمة في بدايتها، لكن مع التقدم نضطر إلى الترجل. لم يبق من الطريق الإسفلتية المواجهة لخليج البنغال سوى ممر ضيق غير منتظم بسبب مد وجزر المياه.
القطع الإسفلتية المشققة لا يتجاوز عرضها المتر الواحد، تحمَّلَت في الأيام الماضية إياب آلاف القادمين من ميانمار، وذهاب وإياب الآتين بالمساعدات، وحركة تجار الجزيرة إضافة إلى الحشريين ممن يريدون متابعة ما يجري. نركب قارباً نحو الجزيرة، المياه تغمر جزءا من أعمدة الكهرباء. “لم ننقل الكثير من الروهنغيا اليوم” يخبرنا سائق القارب. تكثر التخمينات عن سبب تراجع عدد الوافدين.
زحمة “تكناف”
نلتقي بسيدة كانت ضمن المجموعة الأخيرة التي خرجت في الليلة السابقة: “لا يزال كثيرون ينتظرون في الغابة، من ليس لديه المال لا يأتي” أسألها كم دفعت لتنتقل إلى الجانب البنغلاديشي تجيب: “لم يكن معي مال. صاحب المركب أخذ عقدي الذهبي، وأخذوا أقراط صديقتي”. آخرون يتحدثون عن دفع مئة ألف كيات ميانماري (ستون يورو) أو عشرة آلاف تاكا بنغلادشية، أي ما يعادل المئة وخمسة وعشرين دولارا، كلها مبالغ هائلة قياسا بحال الناس هنا.
نهر بلا لاجئين
نترجل في محطة أولى في جزيرة شافوري، يتأكد لي كلام صاحب المركب، فعلى عكس الأيام الماضية، لا نرى لاجئين كثراً. نتابع رحلتنا بتوك توك يقلنا إلى الجهة المقابلة لميانمار، ننزل في ساحة ترابية تعج بالتجار، هؤلاء ينقلون ماشيتهم من بقر وماعز ويشترون الحاجيات من المحال المجاورة.
جمال خليج البنغال آخذ. أنت على ضفاف نهر الناف. ترفع عينيك قليلاً فترى النهر وبعده تلال وغابات. “هذه ميانمار” يخبرني دليلنا. على مرمى حجر تدور قصص مروعة تسمعها من اللاجئين منذ أيام. ميانمار إذاً على مسافة قارب واحد، لكن النهر خال. لا قوارب ولا لاجئين. وحده مركب لخفر السواحل البنغلاديشي يجوب ذهابا وإيابا. أشيح له بيدي. يقترب، نسأل عما يجري فتأتي الإجابة التي تفسر المشهد. فاليوم صباحا، قطع الجيش الميانماري الطريق المؤدية إلى الناف من الجانب الميانماري: “قطعوا الطريق إلى النهر لذا بات عدد أقل من الناس يأتي إلى هنا”.
قارب لخفر السواحل البنغلاديشي أثناء دورية في نهر الناف. ويتابع شارحاً: “لا يأتون نهاراً، باتوا يأتون ليلاً كي لا يراهم أحد، لسنا قادرين على التحكم بحركتهم”. خفر السواحل البنغلاديشي يريد بدوره أن تبقى حركة القوارب محصورة بالنهار ويمنع القوارب من المغادرة ليلا.
دروس في المد والجزر!
رحلة عودتي من شافوري ستكون أعقد بكثير. مضت ساعات ونحن ننتظر وصول اللاجئين، لكن الطبيعة لا تنتظر أحداً. لقد وقع الجزر. فجأة باتت كل المسافة الفاصلة بين جزيرة شافوري واليابسة في تكناف عبارة عن مستنقع من الوحل الممزوج بالحجارة والأصداف، وإلى جانبها مجرى نهر صغير.
نقرر أنا وزميلي كونستنتان وزميلتي مانداكيني أن نختبر حظنا بمحاولة الركوب في قارب عبر المجرى الصغير. كثر هنا يتعاشون منذ سنوات من نقل البنغلاديشيين من وإلى الجزيرة. تصعد معنا مجموعة من الركاب. نتقدم قليلا، وفجأة يعلق قاربنا. مستوى الماء لا يسمح لسائق القارب بالتقدم. ينزل إلى الماء مع ابنه ويدفع.
جسر من القصب للعبور نحو اليابسة
لكن القارب الخشبي لا يتزحزح. يتبرع زميلي كونستانتان بخلع ملابسه والنزول إلى النهر. يحاول مع صاحب المركب وابنه مرة ثانية. لا شيء يجدي نفعا. لا مفر إذا”. نخلع أحذيتنا، نحمل الكاميرات عالياً كي لا تبتل بالماء، ونكتشف أن اجتياز المجرى المائي هو فعليا الجزء السهل من العبور. نعطى نصائح سريعة: “الأفضل أن تبقوا حفاة” نلحق بمجموعات تعرف “الطريق” أفضل، لأكثر من ساعة نتبع أثار الأقدام المطبوعة عميقا بالوحول الممزوجة بأصداف مسننة.
نهاية الوحل هي بداية أكوام حجارة دقيقة قبل الوصول إلى “جسر” ابتدعه بنغلاديشيون ولاجئون من قصب البامبو. ساعة مشي في الرطوبة الفائقة وتحت الشمس كانت كافية كي ننهك وتخرج أقدامنا بخدوش بسيطة.
أنظر أنا ومندكيني إلى بَعضنا، لا نقول شيئا لكنْ كل منا فهمت الأخرى: لا يحق لأحد الشكوى، هناك حولنا من مشى لأكثر من عشرة أيام، ولا يملك حظ ارتداء حذاء حتى بعد نهاية الوحل وبداية طريق الأسفلت.