وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا للصحافية هنا بيتش، حول انتشار الكراهية بين البوذيين في ميانمار لأقلية الروهنغيا المسلمة.
وتبدأ الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى إيضاح تلقته من رئيس لمعبد بوذي، الذي قال لها إن الروهنغيا المسلمين ليسوا من ميانمار، ولم يكونوا أبدا منها، وخصوبتهم سمحت لهم بالتفوق عددا على البوذيين المحليين، لكن الآن، ولسبب ما، يبدو أن كثيرا منهم غادروا، وأضاف يو ثو من غالا، رئيس معبد داماراما في سيتوي، والبالغ من العمر 57 عاما: “نشكر الرب بوذا لذلك، لقد سرقوا أرضنا وأكلنا وماءنا، ولن نقبل عودتهم”.
ويشير التقرير، الذي ترجم للعربية ، إلى أنه تم نشر العديد من التقارير التي تفصل ما قام بها جيش ميانمار من حملات قتل واغتصاب وحرق في ولاية أراكان، ما تسبب بنزوح 600 ألف من الروهنغيا منذ نهايات شهر آب/ أغسطس، لافتا إلى أن تلك هي أسرع عملية اقتلاع للناس منذ مجازر الإبادة في رواندا، بحسب الأمم المتحدة.
وتستدرك الصحيفة بأنه في ميانمار وفي ولاية أراكان ذاتها، هناك إنكار لوقوع تطهير عرقي، مشيرة إلى أن اختلاف النظرة للروهنغيا بين ميانمار والعالم الخارجي ليس محدودا في قطاع واحد من المجتمع المحلي، بالإضافة إلى أنه لا يمكن اعتبار الكراهية للمسلمين الذين ليست لهم دولة توجها هامشيا.
وتبين بيتش أن المسؤولين الحكوميين والمعارضين السياسيين والقادة الدينيين، وحتى الناشطين الحقوقيين المحليين، يقفون خلف هذه الرواية: “الروهنغيا ليسوا مواطنين ذوي حق في ميانمار ذات الأكثرية البوذية، والآن من خلال الصحوة الإسلامية في العالم تحاول هذه الأقلية زورا اختطاف تعاطف العالم”.
ويلفت التقرير إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي ضخمت هذه الرسالة بالادعاء أن عمال الإغاثة الدوليين ينحازون بشكل مفتوح للروهنغيا، وبناء على ذلك منعت حكومة ميانمار منظمات الإغاثة من الوصول إلى الروهنغيا العالقين في ميانمار، فهناك 120 ألفا يعيشون في مخيمات في وسط ولاية أراكان، وعشرات الآلاف الآخرين في ظروف بائسة في شمال الولاية.
وتورد الصحيفة أن الجواب الرسمي للأمم المتحدة حول قصص حرق القرى، التي قام بها الجيش، واستهداف المدنيين، هو أن الروهنغيا فعلوا ذلك لأنفسهم، ويقول وزير الرعاية الاجتماعية والمتحدث عن الحزب الحاكم الدكتور وين ميات آيي، في هذا الشأن: “ليس صحيحا أن الجيش قتل المدنيين المسلمين.
المسلمون قتلوا أهلهم المسلمين”، لافتة إلى أنه عندما سئل عن الأدلة التي تشير إلى تورط الجيش، فإن الوزير قال إن “حكومته لم تبعث أحدا إلى بنغلادش للتأكد من صحة رواية الروهنغيا الفارين، لكنه قد يطرح الفكرة في اجتماعات الحكومة القادمة، وشكرنا على هذه الفكرة”.
وتفيد الكاتبة بأن الروهنغيا، الذين يتحدثون لهجة من اللغة البنغالية، وأشكالهم تختلف عن الإثنيات الأخرى في ميانمار، عاشوا لأجيال طويلة في ولاية أراكان، وقد وقعت توترات طائفية بين الروهنغيا والراخين البوذيين خلال الحرب العالمية الثانية، عندما تحالف البوذيون مع اليابان والروهنغيا مع البريطانيين.
ويجد التقرير أنه مع أن الكثير من الروهنغيا كانوا يعدون مواطنين عندما استقلت ميانمار، التي تعرف أيضا بميانمار، عام 1948، إلا أن الطغمة العسكرية، التي استولت على الحكم عام 1962، بدأت تنزع منهم حقوقهم، مشيرا إلى أنه بعد صدور قانون مواطنة متشدد في 1982، فإن معظم الروهنغيا أصبحوا عديمي الجنسية، حتى أن اسم الروهنغيا، الذي ارتبطت به هذه المجموعة الإثنية بشكل أوضح في السنوات الأخيرة حرموا منه، وعادة ما تشير حكومة ميانمار إليهم على أنهم بنغاليون، أي أنهم من بنغلادش، أما العامة فيطلقون عليهم شتيمة يستخدمونها للمسلمين في ميانمار كلهم، وهي: “كالار”.
وتعلق الصحيفة قائلة إن الأسماء هنا تحمل أهمية كبيرة، لدرجة أن أونغ سان سو تشي أشارت إلى الروهنغيا في خطاب لها هذا الشهر فقط بـ”الذين ذهبوا إلى بنغلادش”، ويصف بعض سياسيي ولاية أراكان فرار الروهنغيا بأنه شيء جيد، حيث قالت عضوة برلمان أراكان دو خين ساو وي: “كل ما يتعلمه البنغاليون في مدارسهم الدينية هو كيف يقتلون ويهاجمون بوحشية.. مستحيل أن نستطيع العيش معهم في المستقبل”.
وتذكر بيتش أن الرهبان البوذيين كانوا في مقدمة حملة نزع الإنسانية عن الروهنغيا، حيث يشيرون إليهم في الفيديوهات بـ”الأفاعي” و”أسوأ من الكلاب”.
وينوه التقرير إلى أنه خارج معبد ثو مين غالا في سيتوي، كانت هناك لافتتان، عكستا حسا بديلا للواقع، كتب على إحداهما أن المعبد، الذي يؤوي أشخاصا من أراكان فروا من منطقة الصراع، لا يقبل مساعدات من المنظمات الدولية، والأخرى حذرت بأن المنظمات متعددة الأديان غير مرحب بها.
وتورد الصحيفة أن رئيس المعبد ثو مين غالا ادعى أن السلطات في أراكان أوقفت سيارة للصليب الأحمر، ووجدت أن السيارة مليئة بالأسلحة التي كانت في طريقها للمتطرفين الروهنغيا، الذين هاجموا الشرطة في آب/ أغسطس، وادعى غالا أن أصابع الديناميت كانت ملفوفة بأوراق تحمل شعار الصليب الأحمر، مشيرة إلى أن الصليب الأحمر كذّب هذه الاتهامات، وقال رئيس المعبد: “لا نثق بالجمعية الدولية.. فهي تقف بجانب الإرهابيين”.
وتقول الكاتبة: “في معبد آخر في سيتوي أوقفني رئيس المعبد المسن يو بادانتا ثاو ما عن إكمال الحديث مع راهب شاب، بضرب الهواء بيده أمام وجهي، وصرخ بي قائلا: (اذهبي، اذهبي، اذهبي) باللغة الإنجليزية قبل أن يتحول إلى لغة الراخين المحلية، والقول: (اذهبي أيتها الأجنبية.. اذهبي يا محبة الكالار)”.
وتعلق بيتش فائلة إن “الشعور العام ضد المسلمين، الذين يشكلون حوالي 4% من سكان ميانمار، الذين يتألفون من عدة مجموعات إثنية، بمن فيها الروهنغيا، انتشر إلى خارج ولاية أراكان، ولم يرشح أي من الأحزاب الرئيسية في انتخابات البرلمان عام 2015 مرشحا مسلما، واليوم لا يوجد عضو برلمان مسلم لأول مرة منذ استقلال البلد”.
وتضيف الكاتبة أنه على بعد ساعتين من يانغون، عاصمة ميانمار، يقول المسؤول الإداري عن قرية سين ما كاو، يو آيي سوي، إنه فخور بأن يكون مسؤولا عن إحدى قرى ميانمار “الخالية من المسلمين”، التي تمنع بقاء المسلمين فيها ليلا، بالإضافة إلى قيود أخرى، وأضاف: “الـ(كالار) غير مرحب بهم هنا؛ لأنهم عنيفون، ولأنهم يتكاثرون بجنون، ولديهم زوجات وأطفال كثيرون”، ويعترف آيي سوي بأنه لم يقابل مسلما قط، وقال: “علي أن أشكر (فيسبوك)؛ لأنه يمنحني المعلومات الصحيحة عما يحصل في ميانمار”.
وبحسب التقرير، فإن الإعلام الاجتماعي ساعد في نشر الغضب في ميانمار، خاصة مع انتشار الهواتف النقالة بنسبة 90%، حيث أصبح “فيسبوك” هو مصدر الأخبار الوحيد لأناس لا يملكون أدوات التمييز بين الأخبار الكاذبة والحقيقية، لافتا إلى أن إحدى الرسائل التي تتم مشاركتها على نطاق واسع على “فيسبوك”، هي من المتحدث باسم أونغ سان سو تشي، قالت إن بسكويتا من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة وجد في مخيمات التدريب للمتطرفين، وقالت الأمم المتحدة إن نشر مثل هذه الملصقات “البوستات” على “فيسبوك” عمل “غير مسؤول”.
وتنقل الصحيفة عن وزير الإعلام يو بي ميينت، قوله: “نفعل شيئا نسميه تعليم الشعب”، واعترف بأنه “يبدو مثل التلقين، كما هو في الدول الاستبدادية والشمولية”، مشيرة إلى أنه في يانغون، قام بي ميينت بجمع الصحافيين؛ لمناقشة ما أسماه “أخبارا مفبركة” يصنعها المراسلون الأجانب، و”حربا سياسية” تفضل فيها منظمات الإغاثة الدولية الروهنغيا.
وتكشف بيتش عن أن الغوغاء هاجمت عاملين مع الصليب الأحمر، كانوا يحملون البضائع على قارب في سيتوي؛ لاعتقاد السكان المحليين بأن تلك البضائع كانت ستصل للروهنغيا، مشيرة إلى أنه حتى المسؤولين، الذين كان من الممكن أن يؤيدوا حقوق الإنسان، يوجهون اللوم للناقدين الأجانب، ويدافعون عن أونع سان سو تشي، وعدم إيقافها لجرائم الجيش، بقولهم إن فعل ذلك كان سيشكل انتحارا سياسيا في بلد تنتشر فيها كراهية الروهنغيا، ويرون أن الضغوط الدولية في أفضل الأحوال جهلا بالتعقيدات المحليةـ وفي أسوأ الأحولل يريدون إعاقة التطور في ميانمار.
ويورد التقرير نقلا عن المتحدث باسم الحزب الحاكم يو نيان وين، قوله: “نطلب من المجتمع الدولي أن يقر أن هؤلاء المسلمين هم مهاجرون غير شرعيين من بنغلادش، وهذه الأزمة هي انتهاك لسيادتنا.. هذا هو أهم شيء بالنسبة لقضية أراكان”.
وتشير الصحيفة إلى أن الناشط الديمقراطي الذي سجن لمدة 17 عاما إبان حكم الجيش يو كو كو غيي، تحدث عن المصلحة الوطنية، فقال: “كنا مدافعين عن حقوق الإنسان لسنوات عديدة، وعانينا لزمن طويل، لكننا نقف سويا في هذه القضية؛ لأننا نحتاج دعم أمننا القومي”، وأضاف: “نحن بلد صغير، تقع بين الهند والصين، وما ورثناه عن أسلافنا هو أن نحاول النضال للبقاء.. فإن انتقدتمونا أنتم في الغرب كثيرا فإنكم ستدفعون بنا إلى أحضان الصين أو روسيا”، حيث قام البلدان الشهر الماضي بمنع صدور قرار عن مجلس الأمن، يشجب الجيش في ميانمار لحملته في أراكان.
وتقول الكاتبة إن الوضع الإنساني يزداد سوءا في أراكان في الوقت الذي يستمر فيه منع دخول المساعدات، حيث منعت ناشطات الشهر الماضي في بلدة مييبون في وسط ولاية أراكان منظمات إغاثة من إيصال مساعدات لمخيم لجوء يحاصر فيه الروهنغيا منذ أحداث العنف الطائفي في 2012، بحسب موظفين أجانب.
ويستدرك التقرير بأن يو تون تين، سائق ترايشو كان بحاجة للنقود، قام بإيصال الطعام للمخيم، وبعد ذلك بقليل جرت زوجته داو سو تشي إلى معبد بوذي، حيث تم الاعتداء عليها بالضرب، وتم قص شعرها، ثم تم استعراضها في شوارع مييبون وهي تلبس علامة كتب عليها “خائنة”.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى أنه بالرغم مما عانت منه زوجته، فإن تون تين قال إنه لم يندم على نقل الإمدادات للمخيم، حيث وجد أن المواد الغذائية عند الروهنغيا تنفد، وقال: “إنهم بشر.. إنهم يحتاجون أن يأكلوا مثلنا”.