بقلم: شريف صالح
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
بسبب ما يعيشه المسلمون عامة من أوضاع يرثى لها.. لا نكاد أن نعي ما يدور حولنا.. ولكثرة ما تمت برمجة الإعلام العالمي على وصم المسلمين بالإرهاب.. لا أحد يتحدث عما يجري ضدهم من مذابح وإرهاب لا مثيل له .
ما يحدث في ميانمار أو ميانمار يندى له جبين الإنسانية خجلا.. وبلغ من فظاعته أن البابا فرانسيس بابا الفاتيكان خصها بزيارة تاريخية وهاجم السلطات هناك بسبب معاملتها لمسلمي الروهنغيا، قائلا إنهم يعذبون ويقتلون لا لشيء سوى لدينهم وثقافتهم. وكشف البابا أيضا أنه بكى عندما اجتمع مع مجموعة من لاجئي الروهنغيا في بنغلادش واستمع الى مأساتهم.
وربما يتصور البعض أن تلك المأساة وليدة اليوم، لكنها مأساة متجددة تعود إلى عقود خلت، ومن أكثر الإعلاميين الذين اشتغلوا مبكرا على ملف الأقلية المسلمة في ميانمار، ودعا لإنقاذها مما تتعرض له الإعلامي الكويتي يوسف عبد الرحمن، الذي سبق له زيارتها، وقرر أخيرا توثيق المأساة في كتابه المهم مسلمو ميانمار: الروهنغيا مذبحة العصر مؤكدا أن ريع الكتاب مخصص لتلك الأقلية المستضعفة في الأرض.
الكتاب في قرابة ثلاثمائة صفحة من الحجم الكبير، ويتميز بقوة الصورة التي تغني عن ألف كلمة، ويعطي للمهتمين إجابات شافية جدا عن كل التساؤلات: ما هي ميانمار، وما هو إقليم أراكان، وتاريخ المسلمين فيه، وتاريخ المذابح بحقهم، وما هي الجهود الإسلامية والدولية؟
فكل الكلمات المفتاحية المتعلقة بتلك المأساة أعاد عبد الرحمن الإضاءة عليها وترتيبها في أربعة عشر فصلا.
ومن خلال جريدة الأنباء الكويتية كان أول من لفت الأنظار إلى إبادة مسلمي ميانمار حيث نشر في 16مارس 1992 تحقيقا عن اضطهاد وتشريد الأقلية المسلمة في ميانمار.
إذن نحن أمام كارثة تعود إلى ربع قرن، بل أبعد من ذلك، خصوصا أنها أقلية فقيرة ولا تملك ترسانة الأسلحة التي يملكها الجيش الميانماري.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن ولاية أراكان تمتعت بحكم ذاتي على يد ملوك مسلمين لعدة قرون حتى العام 1084، ثم استعاد المسلمون الحكم في القرنين الخامس والسادس عشر. وكانت الأوضاع بين الأديان والطوائف هادئة إلى أن احتلتها بريطانيا 1824وامتصت خيراتها، وبدأت التجاوزات بحق الأقلية المسلمة. وتصاعدت عمليات التعذيب والتجويع والترويع والتنكيل والإبادة وحرق المصاحف، ودفعهم إلى الهجرة، فعلى سبيل المثال أبعدت حكومة ميانمار حوالي 28 ألفا إلى بنغلادش عام 1967، وفي العام 1974 أبعدت 200 أسرة إلى جزر نائية، وماتوا جميعا من الجوع وتفشي الأمراض بينهم.
وجزء من الإشكالية أن الأكثرية البوذية الحاكمة لا تعترف بالمسلمين مجموعة عرقية لها هوية خاصة وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين من بنغلادش.
أما الشق الآخر فيتعلق بموقع إقليم أراكان وثرواته الطبيعية حيث يشكل عصب الاقتصاد الميانماري ما شكل مطمعا لاغتصابه وتطهيره من الأقلية المسلمة، فميانمار يبلغ تعداد سكانها حوالي 54 مليون نسمة يعمل معظمهم في الزراعة ويعيشون في الريف، حيث يعتبر الأرز من أهم المحاصيل، إلى جانب تجارة الأخشاب، وتربية الماشية. وتقدر المساحة الصالحة للزراعة فيها بنحو 12.9% بينما البقية غابات وأحراش ومناطق جبلية.
دخول الإسلام
السؤال الذي يفرض نفسه كيف وصل الإسلام إلى إقليم أراكان في منطقة الأغلبية فيها لديانات أخرى خصوصا البوذية؟
يجيب المؤلف بأن ذلك حدث عن طريق التجار العرب الذين كانوا يتنقلون من شبه الجزيرة العربية الى الهند ودول جنوب شرق آسيا، ورأى الناس فيهم نموذجا للصدق والأمانة فأعجبوا بقيم الاسلام.
العامل الثاني عن طريق الفتح الإسلامي لبلاد فارس والمرور بهضبة الأفغان وحوض السند وبلاد التركستان حتى حدود الصين والقارة الهندية.
أما العامل الثالث فجاء عن طريق غزو التتار لميانمار عام 686 هـ حيث استقر الأمير المسلم سوجا مع أتباعه في أراكان المنطقة الساحلية والزراعية الخلابة. وتشير بعض التقارير إلى أن أول مرة تعرف فيها السكان على الإسلام كان عام 788م، وبعضهم تعود أصولهم إلى الجزيرة العربية من أبناء التجار المسلمين الذين استقروا بها.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الروهنغيين استقروا في أراكان قبل البوذيين بسنوات طويلة، وتمتعوا بحكم ذاتي، حيث تفصلهم سلسلة جبال عن بقية ميانمار.
وعقب الاستقلال عن بريطانيا عام 1948 تفاءل المسلمون خيرا لكن الجنرال ني وين أعلن دولته اشتراكية وشن حملة دعائية معادية للإسلام وأمم أملاك المسلمين، بما فيها المساجد والأوقاف الإسلامية، وحل التنظيمات الخاصة بهم، وإبعاد عشرات الآلاف عن مناصبهم في الدولة.
مذابح وهجرات
وتشير بعض الإحصاءات إلى أن المسلمين تعرضوا لمذابح أدوت بحياة مائة ألف منهم وتهجير مليون ونصف المليون ما بين عامي 1962 و1994، ومنعوا من أداء فريضة الحج، وصودرت وأتلفت عشرات الآلاف من الكتب الإسلامية، ولم يعطوا الفرص في التعليم، بل وقيدت حركتهم، وتم استغلالهم في الأعمال الشاقة، وسحبت جنسياتهم، وصدر قانون عام 1982 يعتبرهم أجانب مع شن حملات عسكرية منظمة ضدهم دفعت مئات الآلاف للفرار إلى الدول المجاورة.
المواجهة
ثمة جهود دبلوماسية بذلت عربيا ودوليا، إلى جانب الجهود الخيرية من منظمات حكومية وأهلية، حيث يوثق المؤلف لموقف ودور الكويت الرسمي والشعبي، وكذلك السعودية وباكستان وبنغلادش، والأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي.. في مقابل جهود الجمعيات الروهنغية في الداخل. لكن حجم المأساة، وما يتردد عن تهجير نحو نصف مليون في الأشهر الأخيرة، وما نشرته وسائل الإعلام العالمية عن مآسي هؤلاء، يجعل كل هذه الجهود دون حجم الكارثة الإنسانية.
ليختم يوسف عبد الرحيم كتابه قائلا: ويبقى هذا الكتاب يمثل تاريخا وتوثيقا من جانب صحافي كويتي عاش عن قرب مأساة الروهنغيا بكل أبعادها الإنسانية والدينية والضميرية، والتي سيدينها التاريخ... وتحولت مناشداته وكتاباته لتصبح مرجعا يعتمد عليه لإدانة العدوان الميانماري بالتقارير والصور والتحليل والرصد المستمر لمذبحة العصر.