بقلم: عبدالله الأيوبي
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
صفعة تلي الأخرى تضرب سمعة زعيمة المعارضة الميانمارية السابقة أونغ سان سو تشي نتيجة مواقفها السلبية من جريمة التطهير العرقي التي تتعرض لها الأقلية المسلمة (الروهنغيا) في بلادها على أيدي قوات الجيش والشرطة الميانمارية التي تتغاضى عن أعمال المتطرفين البوذيين الموجهة ضد هذه الأقلية، فقد سبق لجامعة أكسفورد البريطانية أن قررت إزالة لوحة تمثل الزعيمة الميانمارية، الطالبة سابقا في الجامعة، تلا ذلك قرار اتخذه المجلس البلدي لأكسفورد وبإجماع أعضائه بسحب أعلى وسام تمنحه المدينة البريطانية من زعيمة ميانمار بسبب ما وصفه المجلس «بسلبيتها وعدم تحركها أمام اضطهاد أقلية الروهنغيا»، ثم جاءت الصفعة الثالثة هذه الأيام من قبل متحف الهولوكوست التذكاري في واشنطن الذي أعلن سحب أرفع جوائزه لحقوق الإنسان التي منحها للزعيمة الميانمارية لعدم إدانتها «الحملة الوحشية» من جانب جيش بلادها ضد مسلمي الروهنغيا.
ما اقترفه الجيش الميانماري والمليشيات المتطرفة من جرائم بحق الأقلية المسلمة في هذا البلد، لا تخرج عن كونها شكلا من أشكال الإبادة الجماعية استدعت استنكارا واسعا من مختلف دول العالم والهيئات الإنسانية والحقوقية، وإزاء كل هذه الفظائع لزمت الزعيمة الميانمارية ما يشبه الصمت المطبق ولم تنطق أو تعلق على هذه الجرائم إلا بعبارات وكلمات يلفها الاستحياء والتمنع عن الإدانة الصريحة، في تناقض صارخ مع ما كانت تتحدث عنه من مبادئ إنسانية حين كانت حبيسة منزلها تحت سطوة الجيش الميانماري.
الزعيمة الميانمارية وخلال العملية الدموية والتطهير العرقي التي نفذها جيش بلادها ضد أقلية الروهنغيا، لزمت صمتا استثنائيا ولم تعر أي اعتبار لقيمة الجوائز والأوسمة التي قلدتها بها مختلف المؤسسات الدولية على مواقفها المناهضة للتسلط والبطش العسكري في بلادها، فالبطش السياسي والأمني الذي مارسه الجيش الميانماري بحق المعارضين الميانماريين، ومنهم زعيمة المعارضة ذاتها، كرره بحق الروهنغيا ولكن بدرجة أكثر دموية، حيث تسببت تلك الأعمال في تشريد مئات آلاف الأبرياء العزل من ديارهم، ورغم مطالبة العديد من الجهات الدولية لزعيمة المعارضة بالتدخل وتحديد موقفها من هذه الجرائم فإنها ضربت بكل هذه المطالبات عرض الحائط متحججة بحق بلادها في «الدفاع» عن نفسها في وجه المتطرفين الإسلاميين.
حقوق الإنسان هي مجموعة مبادئ وقيم لا يمكن تجزئتها أو توزيعها وفق الرغبات والمواقف السياسية، فهذه حقوق أممية لا يجوز تحت أي حجة من الحجج وفي أي شكل من الأشكال تلبيسها لفئة من البشر وخلعها عن فئة أخرى، وإلا وقع من يمارس مثل هذه المواقف في تناقض صارخ وإثارة للشكوك حول مدى مصداقية مواقفه من المبادئ الإنسانية بشكل عام، أضف إلى ذلك أن هذه المواقف لا يمكن تسويقها نظريا فقط، وإنما يجب تطبيقها عمليا على أرض الواقع، وهذا بالضبط ما فشلت في ترجمته زعيمة المعارضة الميانمارية حين واجهت الأعمال الإجرامية التي تعرضت لها أقلية عرقية ودينية في بلادها.
فالأوسمة والجوائز التي قدمتها أكثر من جهة إلى زعيمة المعارضة الميانمارية هي بمثابة شهادات تقديرية لمواقفها الإنسانية الرافضة لسياسة القمع ومصادرة الحريات التي تعرض لها الشعب الميانماري على أيدي جيش بلادها، ولهذه الأوسمة والجوائز معان ذات أبعاد إنسانية وحقوقية وغير ذلك وبالتالي لا يمكن للجهات المانحة لهذه الجوائز والأوسمة أن تقبل بقاءها لدى شخص لا يحترم ولا يقدر القيمة المعنوية لها، وهذا الموقف عبر عنه خطاب متحف الهولوكوست المرسل إلى الزعيمة الميانمارية حيث قال بالحرف الواحد «كنا نأمل أن تقومي، بصفتك شخصًا نحتفل به نحن وكثيرون آخرون لالتزامكم بالكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان العالمية، بشيء لإدانة ووقف الحملة العسكرية الوحشية وللتعبير عن التضامن مع شعب الروهنغيا المستهدف».
المواقف العقابية التي اتخذتها هذه المؤسسات الأهلية تجاه زعيمة المعارضة الميانمارية تعني مدى حرص هذه المؤسسات على حماية القيم والمبادئ التي تعبر عنها الجوائز والأوسمة التي تمنحها للنشطاء والمناضلين في مختلف الحقول، فهذه المؤسسات ليس بيدها ولا بمقدورها وقف عملية الإبادة العرقية التي تعرضت لها أقلية الروهنغيا في ميانمار، لكن هذه المؤسسات بيدها أن تحمي مبادئ وقيم أوسمتها وجوائزها من التشويه، فحين رأت أن زعيمة المعارضة الميانمارية انحرفت بمواقفها الإنسانية عن أهداف هذه الجوائز والأوسمة سارعت إلى سحبها منها من منطلق أن هذه المبادئ والقيم لا يمكن المتاجرة بها وتسويقها لبناء السمعة الخاصة لأفراد لا يستحقونها.
فما أقدمت عليه هذه المؤسسات الأهلية من موقف بسحب الجوائز والأوسمة التي منحتها لزعيمة المعارضة الميانمارية، هو عين الصواب للدفاع عن المبادئ والقيم التي تمثلها هذه الجوائز التقديرية، وفي نفس الوقت تمثل رسائل لكل من يعتقد أن بإمكانه التلاعب بحقوق الإنسان والتستر بالجوائز والأوسمة التي يحملها من هذه المؤسسة أو تلك، فزعيمة المعارضة الميانمارية استحقت تلك النياشين عندما حملت لواء الدفاع عن حقوق الإنسان في بلادها ودفعت جزءا من حريتها الشخصية للتمسك بهذه المبادئ، لكنها لم تصمد على مواقفها الإنسانية عندما تعلق الأمر بالأقلية المسلمة في بلادها.
ليس مقبولا أخلاقيا وإنسانيا أيضا أن تبقى جوائز وأوسمة تتعلق بحقوق الإنسان في أيدي من لا يستحقها أو لا يقدر قيمتها المعنوية، فبقدر ما تحرص مختلف المؤسسات ذات العلاقة على توجيه جوائزها وأوسمتها للشخصيات التي تستحقها بعد التأكد من انطباق معايير الجائزة أو الوسام على مواقف وممارسات هذا الشخص أو ذاك، بهذا القدر يجب على هذه المؤسسات أن تبقي أعينها مفتوحة على ممارسات من يحملون جوائزها وأوسمتها للتأكد من مدى تمسكهم واحترامهم للمبادئ التي تمثلها هذه الجوائز كي تحافظ على قيمها الإنسانية.