بقلم: غاري إدموندز*
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
دفعَت مأساة وأزمة لاجئي الروهنغيا، مقترنةً بفصل الرياح الموسميّة، الأمينَ العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى القول خلال الزيارة التي قام بها للمخيمات في شهر يوليو/تموز: «لا شيءَ كان بالإمكان أن يجعلني مستعدّاً لتصوّر حجم الأزمة ومدى المعاناة».
وقد دعت بعثة لتقصّي الحقائق، تابعة للأمم المتحدة، إلى إجراء تحقيق حول الإبادة الجماعيّة التي تعرّض لها مجتمع مسلمي الروهنغيا. وعلى الرغم من أنّه ادّعاء نادر للغاية، فإنّه يؤكّد ويوضّح خطورة انتهاكات حقوق الإنسان ضد هذه الأقلية. قبل عام مضى، فرّ 700 ألف من الروهنغيا في هجرة جماعية -معظمهم من الأطفال والنساء والمسنّين- من منازلهم في ميانمار، وليس معهم تقريباً أكثر من الملابس التي يحملونها على ظهورهم. وهم الآن يسكنون أكبر مخيّم للاجئين في العالم، وهو المكان الذي كان ملاذاً للأفيال في السابق على سفوح مدينة كوكس بازار في دولة بنغلادش المجاورة.
وحتّى في ضوء هذه الخلفية، قد يكون من الأسلم أن نقول إن قلة من الناس كانوا أكثر تضرّراً من النساء في هذه المخيمات. فقد نجَت هؤلاء النسوة والفتيات من الاغتصاب الجماعيّ، وعمليات القتل الجماعيّ الوحشية، وشهِدْن مقتلَ أفراد عائلاتِهن، وشهدن منازلَهُنّ وقراهنّ بأكملها وهي تدمَّر وتسوَّى بالأرض.
بيد أنه كثيراً ما تُهمَل سلامة النساء واحتياجاتهن في جميع أنحاء العالم، ولا تُعدّ مخيمات اللاجئين استثناءً من ذلك؛ إذ يجري الإبلاغ أسبوعياً عن المئات من حوادث العنف القائمة على النوع الاجتماعيّ (gender). ولا تشعر النساء بالأمان للقيام بالأعمال المنزلية الأساسية مثل جمع المياه، أو استخدام دورات المياه والحمّامات، التي يفتقر العديد منها إلى سقف وباب قابل للقَفل. ولتجنّب استخدام دورات المياه، تعاني النساء الروهنغيا آلاماً في المعدة، ويُصبْن بأمراض يُمكن أن تؤدي إلى الفشل الكلويّ؛ أو قد يلجأن إلى التغوّط بجانِب خيامِهن، ما يزيد من خطر تفشّي الأمراض على نطاق واسع، ولا سيما خلال موسم الأمطار الغزيرة.
ومن الأهمية بمكان أن نأخذ في الاعتبار الاحتياجات متعدّدة المستويات الخاصة باللاجئات من النساء الروهنغيا؛ وبشكلٍ أكثر تحديداً، الصدمات النفسية واحتياجات النساء الحوامل والمرضعات.
تعمل مؤسسة «الطعام من أجل الجوعى-Food for the Hungry»- مع لاجئي الروهنغيا في بنغلادش منذ البداية، ونقوم بتدريب الروهنغيا أنفسهم، كعاملين في مجال الصحة المجتمعيّة، على الخروج إلى المجتمع المحليّ لتحديد أماكن النساء الحوامل، وضمن ذلك اللاتي حملْن بشكل مأساويّ؛ بسبب تعرضهن للاغتصاب. وبدافع العار والخجل من أوضاعِهن، تتجنّب الكثيرات منهن تركَ الخيام للحصول على الرعاية الصحّيّة الضروريّة اللازمة قبل الولادة.
في المعسكرات الثلاثة التي تتولى مؤسسةُ «الطعام من أجل الجوعى» رعايتَها، حدَّدنا أكثرَ من 1600 امرأة حامل، وضمن ذلك ما يقرب من 600 امرأة حامل ومرضع في حاجة إلى المساعدات الصحّيّة والغذائيّة.
وقد تمكّنا من تقديم المشورة والرعاية الصحية اللازمة قبل الولادة لـ84% منهن، وضمن ذلك القيام بزيارة 93% منهن مرتين على الأقل قبل الولادة في منازلِهن المؤقّتة؛ كلّ ذلك في غضون 3 أشهر فقط بين شهري أبريل/نيسان ويونيو/حزيران.
ليست أهمية الرعاية السابقة للولادة بالأمر المبالَغ فيه؛ إذ تؤكّد منظّمة الصحّة العالميّة أنّ «جميعَ النساء بحاجة إلى الحصول على الرعاية السابقة للولادة في أثناء فترة الحمل، والرعاية المتخصّصة في أثناء الولادة، والرعاية والدعم بالأسابيع التالية للولادة». ونظراً إلى أنّ تلقّي الرعاية الصحّيّة قبل الولادة وبعد الولادة يمكن أن يمنع حدوث معظم المضاعفات التي تسبِّب 75% من جميع حالات الوفيات النفاسية للأمّهات.
وكما أشارت مؤسسات أخرى، لا توجد ميزانيّة مستقلّة لتلبية احتياجات النساء الخاصة في جهود الاستجابة لأزمة لاجئي الروهنغيا، ولكن هناك حاجة إلى ذلك.
لا يمكننا أبداً أن ننسى ما مرّت به هؤلاء النساء، وما يتحمّلنه حالياً، والمساعدات الإضافيّة التي هنّ في أمسِّ الحاجةِ إليها. وفي مواجهة مزاعم الإبادة الجماعيّة التي يتعرّض لها الروهنغيا، أناشد الكونغرس والإدارة الأميركية لا مواصلة تمويل جهود الإغاثة في بنغلادش فحسب؛ بل وأيضاً الحرص على رؤية المزيد من المشاركة من قِبل «الوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة» (USAID) ووزارة الخارجيّة في تلبية الاحتياجات الخاصّة للنساء اللاجئات؛ إذ إنهن، في خِضمِّ تلك المعاناة التي لا تُتصوَّر، مستمراتٌ في النهوض وتقديم الرعاية إلى الجيل القادم.
*الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة "الطعام من أجل الجوعى"