بقلم: دانييل بير*
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
السفير الأميركي السابق لدى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا
في أواخر 2016، طفت على السطح تقارير تفيد بارتكاب أعمال عنف على نطاق واسع في ولاية أراكان الواقعة غرب ميانمار، على الضفة الأخرى لشريط بحري ضيق يفصل ميانمار عن بنغلادش.
والواقع أنه سبق أن كانت ثمة اشتباكات بين البوذيين في أراكان والروهنغيا المسلمين من قبل، لكن هذه المرة كانت ثمة ادعاءات حول محاولة تطهير عرقي من قبل جيش ميانمار سيء الصيت. وفي رد فعلها على تلك الادعاءات، وصفت الحكومة، بمن في ذلك زعيمة ميانمار المنتخبة «أونغ سان سو تشي»، الوضعَ بأنه مسألة داخلية، رافضةً بعضا من أكثر التقارير إثارة للإزعاج. غير أنه خلال العامين الماضيين، واصلت منظمات حقوق الإنسان والصحافيون تسجيل الفظاعات، وواصلت الحكومة الميانمارية إنكارها.
إننا نعيش حالياً في زمن يقوم فيه الرئيس الأميركي بنفي الحقائق لأهداف سياسية، لكن وعلى غرار الأزمنة السابقة، فإن التحقق من صحة الوقائع بشأن معاناة الأشخاص الأكثر ضعفاً وهشاشة في العالم يُعتبر الفرصةَ الوحيدة لحصولهم على حبل نجاة، وقدر من العدالة. ورغم الضرر الذي لحق بدورنا كمدافعين عن القيم الكونية، فإنه ما زال لدى الوزارات والوكالات المختلفة التابعة للحكومة الأميركية تأثير عالمي لا مثيل له. وهو ما يمنحنا القوة للقيام بأشياء مهمة، كما يمنحنا معرفة أكبر. ولهذا، فالولايات المتحدة قادرة على جمع المعلومات التي توفّر الوضوح في المواقف التي تكون فيها حقيقة ما يحدث محل خلاف. فنحن الآن أكثر قدرة على معرفة ما يحدث في العالم من أي وقت، وعلى تأكيد تقارير الصحافيين والمنظمات الدولية وحكومات أخرى ومواطنين عاديين.. أكثر من أي بلد آخر على وجه الأرض.
وقد سبق أن استثمرنا تلك المعلومات من أجل تحفيز تحركات والقيام بأشياء، ومما لا شك فيه أننا نستطيع فعل ذلك حالياً في حالة ميانمار. فلماذا لا نفعله؟
في الشهر الماضي، أفرجت الأمم المتحدة عن تقرير صنّف أعمال التطهير العرقي المستمرة للروهنغيا في أراكان باعتبارها إبادة جماعية، ودعت إلى محاكمة الزعماء العسكريين المتورطين في تلك الأعمال. ومنذ ذلك الحين، حُكم على صحافيين بورميين من وكالة أنباء «رويترز»، هما «وا لون» و«كياو سو أو»، بعقوبات سجنية طويلة بسبب تقاريرهما الصحافية حول أراكان، وهو ما يمثل انتهاكاً آخر لقانون حقوق الإنسان الدولي في ذلك البلد. وفي خطوة أخرى جديدة ضمن سلسة الخطوات المخيبة للآمال التي قامت بها مؤخراً، دافعت الرئيسة «سو تشي»، التي كانت محبوبةَ المجتمع الدولي ذات يوم وبطلةً بالنسبة للكثيرين، عن هذا الحكم.
لكن مرة أخرى، لدى الولايات المتحدة معلومات مستقاة من المصدر مباشرة. فعلى غرار ما فعلنا قبل سبع سنوات، أنجزت وزارة الخارجية الأميركية «واجبها المنزلي»، حيث سافر مسؤولان منها إلى مخيمات اللاجئين في بنغلادش في أبريل الماضي، لتسجيل روايات وشهادات الروهنغيا حول الحملة الرسمية لقتلهم وطردهم من ميانمار. واستعان المسؤولان بفريق من الخبراء القانونيين من 11 بلداً عملوا كمحققين. وباعتماد منهجية صارمة في أخذ عينات عشوائية، أجرى الفريق أكثر من ألف مقابلة، وأنتج 15 ألف صفحة من البيانات التي تم تشفيرها وتحليلها بعناية. وفي النهاية، أعدّ مسؤولا وزارة الخارجية تقريراً تقشعر له الأبدان، يؤكد الكثير من النتائج التي خلصت إليها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان والصحافيون. التقرير كان جاهزا للنشر بحلول منتصف أغسطس الماضي، لكن شائعات حوله وحول دلالات خلاصاته بدأت تنتشر. ونتيجة لذلك، قرر وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي أغضبته تلك التسريبات، إرجاء الإفراج عن التقرير. لكن يوم الاثنين الماضي، وأمام تزايد الضغوط من الكونجرس للإفراج عن التقرير –الذي كان وجوده معروفاً على نطاق واسع– رضخ بومبيو لتلك الضغوط في الأخير، وأمر بالإفراج عنه بسرعة على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الأميركية.
والحق أن بومبيو قام بعمل جيد بخصوص تركيز الاهتمام على الحملة العنيفة ضد الروهنغيا، وهو يستحق الإشادة عن ذلك. ومن الجيد أن التقرير قد نُشر بالفعل. غير أن المرء يتساءل ما إن كان انزعاجه من شائعات الشهر الماضي قد سيطر عليه ومنعه من الاستفادة من تقرير بهذه الجودة وهذا النطاق بشكل كامل؟ فالتقرير، الذي نُشر في مكان من الموقع الإلكتروني التابع للوزارة يصعب الوصول إليه، لم يكن مرفقاً ببيان سياسي. فلا مطالبة بالإفراج عن صحافيي «رويترز»، ولا دعوة لإخضاع الجيش في ميانمار لسلطة مدنية، ولا قرار قانونياً بمواكبة تقييم الأمم المتحدة للإبادة الجماعية، ولا مخطط للعمل مع الشركاء من أجل محاسبة المسؤولين عن الفظاعات، ولا بيان حول كيف سيؤثر هذا على تعامل الولايات المتحدة مع ميانمار مستقبلا، ولا تغريدة على تويتر!
والحال أن نشر معلومات أميركية هو نشر للقوة الأميركية، ونشرها من دون هدف واضح واستراتيجية واضحة هو إضعاف لأوراق قوية.
وخلاصة القول هي أنه على الوزير بومبيو اغتنام الفرصة التي يتيحها هذا التقرير لدعم السياسة الخارجية الأميركية. لقد سبق أن تقاسمنا مع العالم ما تعرفه الولايات المتحدة. واليوم، حان الوقت لنعلن ما سنقوم به حيال الأشياء التي نعرفها.
*السفير الأميركي السابق لدى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا