بقلم: عطية عيسوى
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
بعد أكثر من عام على فرار نحو 700 ألف مسلم من عرقية الروهنغيا نجاةً بحياتهم من حملة جيش ميانمار الذي قتل الآلاف منهم وأحرق المئات من مساكنهم تحركت المحكمة الجنائية الدولية لتفتح تحقيقا أوليًا في الجرائم التي ارتُكبت ضدهم يمكن أن يقود إلى تحقيق شامل لمعاقبة المتهمين كما قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تشكيل فريق عمل لجمع الأدلة على انتهاك حقوق الإنسان في تلك الدولة الآسيوية وإعداد ملفات لاستخدامها في أي محاكمة مستقبلا. لكن تقديم مرتكبي الجرائم للمحاكمة من عدمه سيتوقف على مدى جدية وضغوط الدول الكبرى ومنظمات حقوق الإنسان وتسليط وسائل الإعلام الضوء على معاناة الضحايا والإبقاء عليها في ذاكرة المجتمع الدولي.
فقد دعا تقرير للأمم المتحدة إلى التحقيق مع شخصيات عسكرية بمن فيهم قائد الجيش لتدبيرهم جرائم بشعة يعاقب عليها القانون بنية الإبادة الجماعية وقال مرزوقي داروسمان رئيس بعثة التحقيق الدولية أمام مجلس حقوق الإنسان، إن مستوى الوحشية لا يُصدَّق حيث تجاهل الجيش تماما حياة المدنيين.
كما قالت فاتو بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إن التحقيق الذى فتحته يمكن أن يؤدى إلى تحقيق رسمي من جانب المحكمة يركز على الأفعال القسرية التي ربما أدت إلى النزوح الإجباري للمسلمين الروهنغيا والتي قد يكون من بينها القتل والعنف الجنسي والاختفاء القسري والحرمان من الحقوق السياسية والتدمير والنهب. وقبل أسابيع وصف أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، وضع الروهنغيا بأنه كابوس إنساني وحقوقي وقال إنه سمع خلال زيارته لمخيماتهم في بنغلادش روايات عن أعمال وحشية من قتل واغتصاب لا يمكن تخيلها، مضيفاً أنهم من أكثر الأقليات معاناةً من التمييز والضعف على وجه الأرض ولا يريدون سوى العدالة والعودة إلى ديارهم.
وبالرغم من فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ميانمار وسحب البرلمان الكندي الجنسية الشرفية من زعيمتها سان سو سوتشي لموقفها المتخاذل مما يفعله الجيش رغم منحها جائزة نوبل للسلام وجردتها كثيرُ من المنظمات الدولية من صور التكريم إلاّ أن رد الفعل الدولي مازال أضعف مما يقتضيه الوضع، الأمر الذى لا يبشر بأن السلطات، خاصةً قائد الجيش الذي رفض الاتحاد الأوروبي معاقبته، سوف تغير موقفها وبالتالي ستطول معاناة الروهنغيا.
غير بعيد عن الروهنغيا يعيش أبناء أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينغيانغ الصيني أوضاعا مقلقة فبالرغم من أنهم لم يتم تهجيرهم قسراً ولا تقتيل بعضهم ولا تعرَّضت نساؤهم للاغتصاب ولا تم إحراق منازلهم مثلما حدث للروهنغيا فإن التضييق المتزايد على ممارستهم شعائر دينهم وتربية أبنائهم وفقا لما تتطلبه عقيدتهم قد أثار قلق منظمات حقوق الإنسان الدولية التي طالبت السلطات الصينية بإنهاء هذه القيود فورا. فقد أعلنت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أنها تلقت تقارير موثوقا بها عن احتجاز نحو مليون فرد من الاويغور فيما يشبه معسكر احتجاز سريا ضخما في الوقت الذي طالبت فيه اللجنة الدولية للقضاء على التمييز العنصري بالإفراج عنهم فورا منددةً بما وصفته برقابة جماعية تستهدف بشكل غير مناسب المنتمين لهذه العرقية بذريعة مكافحة الإرهاب.
أما جماعة (المدافعون الصينيون عن حقوق الإنسان) فأعلنت أن المعتقلين من شينغيانغ يشكلون 21% من المعتقلين بالصين كلها. السلطات الصينية تجاهلت الاتهامات لكنها عادت وبررت الثلاثاء الماضي برنامجها لاحتجازهم بأنها تريد التصدي للإرهاب عبر مراكز تدريب متخصصة تحسِّن مهارات ومستوى أفراد الأقليات العرقية بعد أن أعلنت سابقا أن شينغيانغ تواجه تهديدا خطيرا من المتشددين الإسلاميين والانفصاليين الذين يشنون حملة عنف تشمل عمليات تفجير وتخريب وعصيان مدنى لإقامة دولة مستقلة. أما الاويغور الذين يشكلون 45% من سكان شينغيانغ فيتهمون السلطات بممارسة التمييز ضدهم ومصادرة مزارعهم وبعدم السماح لهم بتربية أطفالهم وفقا لثقافتهم ودينهم ويتهمون السلطات بمحاولة علمنة الدين وقطع جذور الإسلام وإجبار الشباب على الإفطار في شهر رمضان وإقحام ضيف شيوعي على كل أسرة لإعطاء التوجيهات ويشكون من أن أبناء عرقية الهان (الأغلبية) يستولون على فرص العمل بالإقليم. وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن المسؤولين بدأوا منذ أوائل هذا العام تنفيذ برنامج استضافة منزلية يطلبون خلالها من الأسر المسلمة تزويدهم بمعلومات عن حياتهم وآرائهم السياسية ليتم لاحقًا إخضاعهم للتوجيه السياسي. ووصفت المنظمة البرنامج بأنه ينتهك حقوق الإنسان وخصوصيات الأسرة وحقوقها الثقافية وينمى الشعور بالاستياء بين أبناء الويغور.
كما ذكرت تقارير أن السلطات أمرت قبل نحو عام الويغور بتسليم جميع المصاحف وسجاجيد الصلاة والمتعلقات الدينية الأخرى وإلاَّ واجهوا عقوبات وحظرت إطلاق اللحية وارتداء النقاب في الأماكن العامة. ولم يقتصر الأمر على الويغور بل امتد إلى أبناء عرقية مسلمة أخرى هي الخوى رغم أنهم أكثر اندماجا منهم في المجتمع، حيث تصدوا لمحاولة السلطات هدم مسجد فويكو الكبير بإقليم نينجيشيا بعد أن اكتمل بناؤه بدعوى عدم حصوله على الموافقات الرسمية اللازمة لبنائه الذى استغرق سنتين وهو ما وصفته منظمة العفو الدولية بمؤشر لتوسيع الحكومة سيطرتها على الأقليات المسلمة. وذكرت رويترز أن أبناء الخوى يتعرضون لعملية طمس مكثفة لهويتهم العرقية والإسلامية بحجة مكافحة التطرف. وإذا صحت تلك الاتهامات فالنتيجة تصاعد التوتر والتطرف لأن الكبت يولِّد العنف.
(الأهرام)