بقلم: سوزان هيوارد وماثيو والتون / ترجمة: إدريس محمود نجي
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
شهدت حكومة ميانمار الجديدة، التي يقودها حزب الحائز على جائزة نوبل أونغ سان سوتشي، قلقا وانزعاجا في الأشهر الأخيرة باحتجاجات وعنف على المواقع المقدسة والمواجهات بين مجلس الدولة الرهبانية ( الجهة الرسمية المنظمة للرهبان البوذيين ) والجماعات القومية البوذية.
العنف ضد المسلمين والتمييز – والصراع الديني بشكل أعم – لا يزال قائما في ميانمار، ما يجعلها في أعلى قائمة أولويات كثير من الدول الغربية والمنظمات الدولية. واستمرارية ضعف وهشاشة الدولة يجعل الأمر حتى أكثر أهمية ليقوم التدخل الدولي بمعايرته. فإذا استطاع اللاعبون الخارجيون الوصول الى تقييم واضح ودقيق للسياسات المحلية الميانمارية المعقدة، فمن الممكن أن تزدهر المجتمعات المتنوعة في البلاد، وامتحاء المحرك الرئيسي للصراع العنفي. الأهم من ذلك هو أنه سيكون النجاح أو الفشل مؤشرا على الآفاق الأوسع للتعددية الدينية في وقت يكون فيه التمييز الديني والصراع متزايدا.
مصطلحات شائكة
في أواخر أبريل، تظاهر حشود من المتظاهرين البوذيين البورميين خارج السفارة الأمريكية في يانغون. مُنَظمين من قبل الشبكة القومية الميانمارية (Myanmar Nationalist Network) بدعم ومشاركة من رهبان ماباثا Mabatha (مجموعة يقودها الرهبان والتي اسمها اختصار لمنظمة تعنى بحماية العرق والدين)، اعترض هؤلاء المتظاهرين على استخدام السفير الأمريكي سكوت مارسيل لمصطلح “روهنغيا” في إشارة منه الى الأقلية العرقية المسلمة في ولاية أراكان. وطالبو بطرد السفير الذي وصل حديثا، من البلاد. وقد قام السفير باستخدام المصطلح في مناقشته أمر الضحايا في حادث العَبارة قبالة سواحل ولاية أراكان، على الرغم من أنه لاحقا تبين أن معظم هؤلاء الذين ماتوا كانوا من أقلية كامان المسلمة لا من الروهنغيا.
كثير من الناس في ميانمار يرفضون مصطلح “الروهنغيا” لقلقهم بأنها تقدم مكانة سياسية لمجموعة ينظر اليها إلى حد كبير بأنها من الرعايا “البنغال” الأجانب، وبالتالي، ليست جزءا من المجتمع الوطني لميانمار. والناس خارج ميانمار عموما يدركون أن كثيرا من الروهنغيا عاشوا في البلاد لأجيال، وبأنهم بذلك يستحقون الحصول والاعتراف بحقوقهم الأساسية (بما فيها حق تحديد الهوية). مناشدات أونغ سان سو تشي الأخيرة للناس باستخدام مصطلحات هوية أقل “انفعالية” في النزاع، وإيجاد بدائل لكل من مصطلحي “الروهنغيا” و”البنغالي”، قد تم رفضه من قبل بعض المتظاهرين.
وفي أعمال عنف أكثر حداثة في أواخر شهر يونيو، دمر حشد من مائتي بوذي مسجدا في باغو في وسط ميانمار. وفي أسبوع لاحق، دمر حشْد مماثل قاعة صلاة للمسلمين في ولاية كاشين. فألقى كلا الحادثين الضوء على عنف يستهدف المجتمعات المسلمة التي ابتُليت بالانتقال من ميانمار منذ العام 2012، ويبدو بأنها أُثيرت بسبب الجدل حول تشييد المباني الاسلامية الجديدة. وقد أثار في الآونة الأخيرة رئيس وزراء يانغون، يو فيو مين ثين، رد فعل غاضب من الماباثا وأنصارها، عندما دعا بأن المنظمة لا لزوم لها، وأنها زائدة عن لجنة سانغا ماها ناياكا، الهيئة الرسمية لكبار الرهبان التي ترعاها الدولة. وبعد عدة أيام، تم تسريب بيان من سانغا ماها ناياكا على شبكة الانترنت يعرب عن أن ماباثا لم يتم تشكيلها وفقا للبروتوكولات الرسمية، وبالتالي فهي ليست منظمة بوذية معترف بها رسميا، وحيث أعربت في الوقت نفسه عدة مجموعات من المجتمع المدني على الانترنت دعمها ليو فيو مين ثين. ورفعت مجموعة خيرية دعوى تشهير ضد راهب بارز من ماباثا يدعى يو ويراثو. واستجابة لذلك، قامت ماباثا بإلغاء احتجاجات مناهضة للحكومة، ولكن دعى يو ويراثو أونغ سان سو كيي “بالدكتاتور”.
تشير هذه التطورات الى رغبة من جانب الحكومة الجديدة (والمجتمع المدني) لمواجهة الجماعة، لا سيما أنه مرحب بها نظرا للبيئة المتساهلة التي خلقتها الحكومة السابقة للتحيز ضد المسلمين والعنف. ولكن لا يجب أن تفسر هذه الأحداث على أنها قضاء على المشاعر التي أدت الى صعود الجماعة- أي، وجهات النظر واسعة النطاق عن المسلمين داخل وخارج الدولة كتهديد للبوذية في ميانمار والحاجة للدفاع عن المكان البارز للبوذية في الدولة في خضم عملية اصلاح جذرية فيها. الجهود الأخرى التي بذلتها الدولة مؤخرا من أجل الحد من العنف الديني هي أيضا تطور مرحب به، على الرغم من أنها لا تزال في حاجة الى التشجيع (وربما الضغط) لتشمل مجموعات المجتمع المدني الشجاعة التي قامت وتقوم بالأحمال الثقيلة في منع الصراع الديني على مدى السنوات القليلة الماضية. وعلاوة على ذلك، لقد أثبت التاريخ أن حظر الجماعات الدينية أو القومية مثل هذه من شأنه فقط أن يرسخها ويشعلها، ولذلك فعلى كلا من الحكومة ولجنة سانغا ماها ناياكا أن تختار بعناية استجاباتها لاستهداف أعمال العنف والتمييز، أو إقصائيا في بياناتها وإجراءاتها، بدلا من جماعات معينة أو أفراد.
على الرغم من أن المشاعر المعادية للإسلام والمناهضة للروهنغيا قد حصلت على الاهتمام الأكثر من وسائل الاعلام في السنوات الأخيرة، فإن مجموعات أخرى عديدة في ميانمار شهدت التمييز الديني والاضطهاد ويبدو أنهم مستاؤون من إهمال قضاياهم الخاصة. وتواصل جماعات الحقوق توثيق الاعتقالات والاحتجاز والتعذيب وحرق الصليب ورفض التصريح للمسيحيين للتبشير او عقد خدمات كنسية. وشمل الجناة المزعومين المسؤولين المحليين وضباط الجيش.
تستمر هذه التقريرات عكس شعور الجيش الميانماري الإفلات من العقاب في المناطق الحدودية، والموقف الحرج للقادة العرقيين غير البوذيين. وهي أيضا تذكير للهوة الواسعة بين الحياة في المساحات الحضرية وتجارب الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية.
يجب على الولايات المتحدة الأمريكية والداعمين الدوليين الآخرين أن يفهموا التنوع الموجود داخل البوذية نفسها في ميانمار وداخل كل الطوائف الدينية في البلاد. فهم تعقيد البوذية في ميانمار، ولا سيما فيما يتعلق بالقضايا السياسية فيها، يتطلب عناية كبيرة في تصنيف نشطاء البوذية. كثير من التغطية الإعلامية الدولية للصراع الديني في ميانمار قام بشيطنة البوذيين بشكل جماعي بدلا من استهداف وتخطئة الخطاب والأفعال العنيفة والحاقدة. وقد حفز مثل هذا الخطاب الناس في هذا البلد إلى رص الصفوف في مواجهة الهجمات العالمية، كما ينظر إليها، على البوذية. في كثير من الحالات، تم التلاعب بالإدانة الدولية غالبا بأيد جماعات مثل الماباثا من خلال تعزيز حجتهم ذلك أن البوذية تتعرض للهجوم.
ضغط مثمر
عندما فاز حزب سو تشي -الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية- في انتخابات نوفمبر، ثم تولى الحكم رسميا، طلبت سو تشي من الولايات المتحدة الأمريكية والداعمين الأجانب الآخرين، مساحة تسمح لحكومتها للعمل على الصراع والتمييز الديني والعرقي المستمر دون تفاقم التوترات القائمة. ويبدو أنه من المعروف أن الحكومة تعمل على قائمة تبدو وكأنها لا نهاية لها من الأولويات، بما في ذلك على الأخص تَقدُم عملية الحوار السياسي مع الجماعات العرقية المسلحة للتفاوض على اتفاق سلام، وإصلاح دستوري، وعملية الإصلاح الديمقراطي المستمر. في نفس الوقت، الصبر لا يتطلب التراجع عن مبادئ أساسية مثل الالتزام العام بالحرية الدينية.
ستحتاج الحكومة الجديدة إلى ضغط منتظم لضمان أن تظل قضايا الحرية الدينية على جدول الأعمال، ولكن ستحتاج في بعض الأحيان، إلى الدعم والتمكين للضغط على الجيش (والوزارات التي تسيطر عليها) عند الضرورة لتعزيز حقوق الإنسان. لأن دستور ميانمار يعطي الجيش القوة والأفضلية فوق المؤسسات الرئيسية مثل الشرطة ووزارة الإدارة العامة (التي تسيطر على البيروقراطية على كل مستوى تقريبا)، فلا تملك الحكومة غالبا السلطة الكافية للتحرك في المناطق ذات الصلة بالتنفيذ الأمني والسياسي. وفي المناطق التي لا تسيطر عليها، ستحتاج الحكومة للدعم لتحقيق توازن حرية التعبير مع فرض قيود على خطاب الكراهية، بحيث تصبح ضرورة مكافحة التطرف لا تبرر إنشاء حملة على الحريات المدنية.
سيحتاج قادة ميانمار أيضا إلى أن يظهروا للعالم أنهم يسعون بإخلاص لقرار من أجل المعالجة وتحسين الوضع السياسي للروهنغيا، وبلا شك داخل سياق أوسع لمعالجة الأوضاع في ولاية أراكان، موطن عدد وافر من الجماعات العرقية والدينية الأخرى بالإضافة إلى الروهنغيا. وعلى الرغم من أن التدابير لاستعادة سبل العيش والخدمات الأساسية يجب أن تكون لها الأولوية، فيجب أن تتأخر مشاريع التنمية على نطاق واسع حتى يتم حل المسائل الهامة المتعلقة بلامركزية السلطة وتقاسم الموارد. فالأمور الاقتصادية التي أثيرت من المشاريع مثل الموانئ في أعماق البحار و المناطق الاقتصادية الخاصة من المرجح أن تزيد من تفاقم الصراع.
بناء الثقة وإعادة دمج المجتمعات سيكون بطيئا للغاية -ولكن قطعا ضروري- وهي فيما أنها جزء من القرار، فإنها تحتاج أن تحدث في المستويات الأكثر محلية.
دور آخر مهم، بالنظر إلى الدعم الغربي المالي القوي لعملية السلام، هو ضمان أن الحوار السياسي الجاري بين الحكومة والجماعات العرقية المسلحة يتناول قضايا التنوع الديني والحرية. كما أنه يجب على المشاركين في الحوار أن يكونوا على استعداد لمعالجة مسائل حساسة وشائكة متعلقة بمستقبل العلاقة بين الدين والدولة، بما في ذلك دور وزارة الثقافة والشؤون الدينية والوضع الرسمي للبوذية كما موصوفة في الدستور. هذه القضايا تنشأ حتما بتقدم الحوار السياسي، ولديها القدرة على إثارة المشاعر القومية. ويجب أن تحدث المصالحة الوطنية في ميانمار على جبهات متعددة في السنوات القادمة.
واحدة من أكثر الاستراتيجيات أساسية هي أن يُستمر التعامل مع الجماعات مثل الماباثا بطرق خلاقة وبناءة. فتحت ديريك ميتشيل، الذي خدم كسفير للولايات المتحدة الأمريكية في يانغون من 2012 الى 2016, جعل قيام موظفي سفارة الولايات المتحدة بذلك عنصرا رئيسيا في توعيتهم الجمهور، وهي سياسة استمرت تحت السفير الحالي. ولكن جهات معنية أخرى بالسلام وحقوق الإنسان داخل البلاد وخارجها تحاول أيضا تحسين فهمها عن مخاوف ودوافع مثل هذه المنظمات البوذية لمثل هذه التصرفات، مع إصرار هؤلاء المراقبين على احترام الأقليات.
وأخيرا، استراتيجية أخرى على نطاق صغير ولكن ذات فعالية لخلق فرص لشعب ميانمار لاكتساب خبرة دولية، عادة في البلدان ذات الأغلبية غير البوذية، كوسيلة لتحدي بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة حول السياقات الأجنبية وإظهار نماذج من المجتمعات السلمية والديمقراطية المتنوعة. أحد أهداف هذه المشاركة يجب أن يكون تعزيز وتشجيع الاطروحات البديلة التي لا تشوه صورة المسلمين أو غير البوذيين وتذكر الناس في ماينمار بأن التعايش السلمي بين الأديان هو القاعدة في بلادهم، وليس العكس. وسيكون الرهبان والشخصيات المحترمة الأخرى حلفاء مهمين في هذه العملية.
تقدم ميانمار نحو الديمقراطية والسلام منذ عام 2012 هو تقدم ملحوظ لا يمكن إنكاره، ولكن استمرار تقدمها سيتطلب التزاما وعناية فائقة بهذه القضايا المعقدة للهوية الدينية وممارسة الشعائر الدينية. وستحتاج الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات والمنظمات الأجنبية الأخرى إلى نقل أدوارها بعناية لمنع القيام بضرر يكون أكثر من النفع المرجو.