[caption id="" align="alignleft" width="300"] مسلمو بورما يستغيثون ولا مغيث[/caption]
يتعرض مسلمو بورما «ميانمار» المعروفون باسم «الروهينغيا» الى تطهير عرقي وحملة ابادة جماعية ينفذها البوذيون الذين يشكلون اغلبية السكان في بورما بمساعدة وتغطية وتشجيع من حكومة بورما، وفي ظل صمت اسلامي ودولي مريب، ويقوم البوذيون بحرق قرى اسلامية بأكملها وبقتل المسلمين نساء وشيوخا ورجالا واطفالا، ويجبرون الباقين من المواطنين المسلمين على مغادرة قراهم، بعد نهبها وحرقها.
وقد أدت حملة التطهير العرقي هذه على مسلمي «الروهينغيا» الى تشريد اكثر من مئتي الف مسلم، خرجوا هائمين على وجوههم لا يدرون اين يتجهون وبمن يستغيثون، وقد اكدت تقارير الامم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها، ومنظمات حقوق الانسان ان مسلمي بورما هم اكثر شعوب العالم اضطهادا ومأساة، اذ يتعرضون عدا القتل الى الاعتداءات الجسدية والاغتصاب والاعتقالات الجماعية التي تنفذها حكومة بورما «ميانمار» ضدهم، وفق سياسة منهجية وخطة ابادة جماعية.
ومأساة مسلمي «الروهينغيا» قديمة جديدة، فهم منذ ان استقلت بورما عن بريطانيا التي كانت تحتلها، يتعرضون الى القمع والاضطهاد والتنكيل. حيث قامت حكومة بورما بعد اعلان استقلالها في عام ١٩٣٧ بمصادرة اراضي هذه الاقلية، وحرمانهم من التعليم ومن ممارسة شعائرهم الدينية، ومن لبس الزي الاسلامي، ومنعت الرجال المسلمين من اطلاق لحاهم، هذا عدا عن تدميرها المساجد، ومنع رفع الاذان واقامة الصلوات.
ويقيم الآن عشرات الآلاف من مسلمي «الروهينغيا» في معسكرات على حدود دولة بنغلاديش المجاورة، حيث يقاسون اشد الظروف الحياتية، حيث هناك النقص في المياه النظيفة وفي المرافق الصحية وقلة الغذاء، ما ادى الى اصابة الاف الاطفال بسوء التغذية، والى انتشار الامراض الوبائية، خاصة مرض الكوليرا.
والذي زاد الطين بلة، وفاقم معاناة اولئك المسلمين المضطهدين، ان حكومة بنغلاديش الاسلامية تمنع دخولهم الى بلادها، وقد ذكرت منظمة «هيومان رايتس ووتش» ان الحكومة البنغالية تمنع المنظمات الانسانية من تقديم المساعدات لهؤلاء المسلمين، حيث يعاني اكثر من مئتي الف منهم من خطر الموت جوعا او مرضا.
كما ان هذه الحكومة - حكومة بنغلاديش «امرت ثلاث منظمات اغاثة دولية هي: اطباء بلا حدود، وحملة ضد الجوع، والمساعدة الاسلامية، بأن تكف عن تقديم المساعدات والاغاثة لهؤلاء المسلمين.
وقد اتهم «بيل فريليك» مدير برنامج اللاجئين في منظمة «هيومان رايتس ووتش» حكومة بنغلاديش بزيادة معاناة اولئك المسلمين ومضاعفة آلامهم، وزيادة محنتهم، من خلال ايقافها عمل المنظمات الدولية التي تقدم المساعدات لهم، وذلك بزعم انها لا يمكنها تحمل تكاليف استضافتهم.
وعذر الحكومة البنغالية هذا، بعدم قدرتها على تحمل تكلفة استضافتهم، اقبح من ذنب، واسوأ من ممارسات التطهير العرقي والابادة الجماعية التي تنفذها حكومة بورما والاغلبية البوذية في هذه الدولة الاسيوية، فهي تعمل علي زيادة معاناتهم، بدلا من ان تمد لهم يد المساعدة، وتمنحهم الرعاية، وعوضا عن ان تأويهم وتقاسمهم لقمة الخبز وشربة الماء، ولنا كمسلمين ان نتساءل اين الاخوة الاسلامية لدى حكومة بنغلادش الاسلامية هذه؟ الم تسمح هذه الحكومة الاسلامية عن المؤاخاة بين المهاجرين والانصار، ألم تعلم ان الانصار، اهل المدينة المنورة، استقبلوا اخوانهم الذين اخرجهم مشركو قريش من ديارهم بغير حق الا انهم قالوا: «ربنا الله» الم يقاسموهم بيوتهم وطعامهم وشرابهم ومزارعهم وتجاراتهم وأموالهم؟! بل ألم يتنازل الانصاري الذي كان عنده اكثر من زوجة لاخيه المهاجر عن احدى زوجاته، ويدعوه لاختيار اي زوجة؟!
اين الاخوة الاسلامية لدى حكومة بنغلادش؟ الم يقل الله سبحانه وتعالى: «انما المؤمنون اخوة» وألم يقل سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر». ألم يمدح الحق تقدست اسماؤه-في كتابه العزيز الانصار الذين آخوا اخوانهم المهاجرين، حيث قال سبحانه وتعالى: «والذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون». سورة الحشر آية «٩».
واذا كان موقف حكومة بنغلادش مستنكراً ومستغرباً، فموقف بقية الحكومات الاسلامية والمنظمات الاسلامية اسوأ من موقف بنغلادش، ذلك ان تلك الحكومات والمنظمات تلتزم بصمت القبور، ولا تنبس ببنت شفة، ازاء هذه المأساة الانسانية لهذه الاقلية الاسلامية البورمية، التي تتعرض لحملة ابادة وتطهير عرقي، ولا تفعل شيئاً لمساعدة اولئك الاخوة من نساء وشيوخ واطفال ورجال، الذين يقتلون ويذبحون لا لسبب الا لانهم يقولون «ربنا الله».
ان دولاً اسلامية تقدم مليارات الدولارات لتسليح الجماعات المعارضة للحكومة السورية، وتعلن بلاد الشام «ارض جهاد» وترسل من تسميهم بالجهاديين لنشر الموت والقتل والتدمير والخراب في الدولة السورية، وتكرس كل برامج قنواتها الفضائية للحديث عما تسميه «جرائم النظام السوري» وتحرض دول العالم كله على الحكومة السورية، وتدعو مجلس الامن لوضع سوريا تحت البند السابع، اي ارسال قوات لمقاتلة الجيش السوري وفرض مناطق حظر جوي، ونزع الشرعية عن تلك الحكومة، بينما لا تفعل شيئاً، ولا تقدم احتجاجاً ولا ترفع صوتاً، ولا تقدم دولاراً واحداً ولم ترسل بعثة انمائية ولا قافلة طبية لاغاثة المنكوبين المهجرين ولعلاجهم، ولا لاقامة مستشفيات ميدانية، ولا تثير هذه القضية في المنظمات الدولية كمجلس الامن الدولي وهيئة الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان ومحكمة العدل الدولية، ولا تقوم برفع قضايا ابادة جماعية وتطهير عرقي ضد حكومة بورما، بينما تدعو المنظمات الدولية الى محاكمة المسؤولين السوريين بادعاء وزعم انهم ارتكبوا جرائم حرب.
وموقف منظمة التعاون الاسلامي ليس احسن حالاً ولا اقل سوءاً من موقف الدول الاسلامية من معاناة مسلمي «الروهينغيا» فهذه المنظمة التي دعت الى اجتماع عاجل في مكة المكرمة لطرد سوريا من عضويتها بادعاء انها تشن حرباً على مواطنيها، لم تصدر عنها صرخة استنكار، ولا صيحة احتجاج، ناهيك عن دعوتها لاجتماع عاجل طارىء لبحث سبل مساعدة اولئك الاخوة المسلمين.
اما هيئة علماء المسلمين التي سارعت قبل اعوام خلت في وفد من رئيسها وكبار اعضائها، الى افغانستان لاقناع حكومة طالبان آنذاك بعدم هدم تماثيل لبوذا، فإنها هي الاخرى لاذت بصمت القبور ازاء محنة مسلمي الروهينغيا الذين يعانون من تطهير عرقي وابادة جماعية، بينما هذه الهيئة تصدر البيان تلو البيان لادانة النظام السوري وتفتي بالجهاد ضده لاسقاطه!!
اما الذين يدعون انهم سلفيون جهاديون، ويعلنون سوريا ارض جهاد، ويحاربون الجيش السوري بادعاء وزعم انه كافر، ويفجرون السيارات في سورية والعراق، وينفذون العمليات الانتحارية ضد المدنيين الابرياء في سورية والعراق وافغانستان وباكستان والصومال، فلا تسمع لهؤلاء صوتا ولا صرخة ولا احتجاجا. ولا دعوة لاغاثة اخوانهم المسلمين في بورما.
ان مسلمي بورما «الروهينغيا» لا يعانون من تخلي اخوانهم المسلمين عنهم فقط ، بل ان العالم كان يغض الطرف عن محنتهم، ويصم اذنيه عن نداءات استغاثاتهم، ولا يسعى لوقف معاناتهم، بل يعقد الجلسة تلو الاخرى في مجلس الامن والامم المتحدة ويعقد المؤتمر تلو المؤتمر باسم «اصدقاء سوريا» لدعم «الثوار السوريين» واسقاط النظام السوري. بينما هذا العالم لا يتحرك ولو قليلا للضغط على حكومة بورما لوقف مذابح مسلمي «الروهينيغيا».
هذا العالم الغربي الذي حاصر نظام بورما العسكري القمعي لانه اعتقل زعيمة المعارضة البورمية «ابونغ سان سوتشي» وفرض عليه العقوبات، لا يفعل شيئا الان للضغط على هذا النظام لوقف التطهير العرقي ضد الاقلية المسلمة في بورما. وهذا هو العالم نفسه الذي منح زعيمة المعارضة البورمية جائزة نوبل للسلام لوقوفها ضد الطغمة العسكرية الحاكمة في بلدها، التي هي الاخرى لم نسمع لها صوتا ضد ممارسات حكوماتها واعتداءات الاغلبية البوذية على مسلمي وطنها. اليست هذه هي المعايير المزدوجة، واليس هذا هو النفاق السياسي بعينه. ولكن لم نلوم الغرب ودول العالم الاخرى اذا كانت الدول الاسلامية نفسها تمارس ازدواجية المعايير، اذ انها تدعو للجهاد لاسقاط النظام السوري وترسل «المجاهدين» وتمولهم وتسلحهم لاسقاط الدولة السورية، وتلوذ بصمت مريب ازاء محنة الاشقاء مسلمي بورما!!.
اما انتم يا مسلمي بورما فلكم الله بعد ان تنكر لكم اخوتكم في الدين والعقيدة، وبعد ان اوصدوا عيونهم واوقروا اسماعهم عن الاستماع الى استغاثاتكم.
وبعد ان اشاح عنكم العالم كله بوجهه، وترككم تواجهون مصيركم المحتوم، فصبر جميل، وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
المصدر : نورت