رحبت الأمم المتحدة وغيرها من الجهات بمحادثات السلام الأخيرة الرامية إلى التوصل لقرار بوقف إطلاق النار في المناطق المتأثرة بالنزاع في ولاية كاشين بميانمار، ولكن بناء الثقة من يستغرق وقتاً طويلاً، كما يقول الخبراء.
ففي يوم 31 مايو، وافقت الحكومة البورمية ومنظمة استقلال كاشين، التي كانت تقاتل على مدى عقود من أجل الحصول على مزيد من الاستقلالية، على إقامة مزيد من الحوار والمحادثات حول إعادة توطين عشرات الآلاف من النازحين داخلياً.
ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، يوجد أكثر من 85,000 نازح داخلياً في ولايتي كاشين وشان (كلاهما في الشمال)، بما في ذلك أكثر من 50,000 نازح (58.5 بالمائة) في المناطق التي يسيطر عليها جيش استقلال كاشين، الجناح العسكري لمنظمة استقلال كاشين،في حين يقيم الكثيرون غيرهم مع عائلات مضيفة.
(إيرين)
وعلى مدى العامين الماضيين، قُتل المئات في الصراع الدائر في البلاد كما طالت سبل العيش والبنية التحتية أضرار واسعة النطاق.
وطبقاً لخطة استجابة كاشين المشتركة بين الوكالات الصادرة مؤخراً، أثار تصاعد القتال وتزايد حدته في أواخر عام 2012 إلى تشريد عدة آلاف من الأشخاص.
ومنذ استئناف محادثات السلام في شهر فبراير، انخفض عدد الأشخاص الذين اضطروا للنزوح، ولكن لم يعد حتى الآن عدد كبير من النازحين داخلياً إلى ديارهم بسبب التوترات القائمة، وانعدام فرص كسب العيش، والألغام الأرضية المضادة للأفراد.
ويأمل فيجاي نامبيار، المستشار الخاص للأمم المتحدة، الذي كان مراقباً للمحادثات التي جرت، أن يسمح الاتفاق للطرفين بمعالجة المخاوف وتلبية الاحتياجات لنحو 1.4 مليون شخص بولاية كاشين.
ولكن على الرغم من الاتفاق المبرم، يرى المحللون أنه لاتزال هناك حالة من عدم الثقة الشديدة بين الجانبين.
وقال بيرتل لينتنر، محلل الشؤون البورمية، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "كاشين شهدت وقفاً لإطلاق النار لمدة 17 عاماً وانتظرت حواراً مناسباً ومجدياً حول مستقبل بورما، سواء كدولة فيدرالية أو دولة موحدة خاضعة للسلطة المركزية". وأضاف قائلاً: "لم يحدث شيء – لم يسمح حتى لأحزابهم المشاركة في انتخابات نوفمبر 2010، وبعد ذلك، شن الجيش البورمي هجوماً ضدهم في يونيو 2011".
ومنذ عام 2011، عُقدت 14 جلسة من محادثات السلام بين الحكومة والمتمردين، من بينها خمسة في الصين. وتتمثل العقبة الرئيسية في المضي قدما في دفع الحكومة إلى وقف إطلاق النار والتنمية قبل مناقشة الأوضاع السياسية، وفقاً لما يقوله الخبراء.
وفي غضون ذلك، تستمر حالياً انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الجانبين.
من جهته، قال ماتيسون من منظمة هيومان رايتس ووتش أن "المنظمة والعديد من المجموعات الأخرى قد وثقت انتهاكات شديدة الخطورة لحقوق الإنسان من قبل الجيش البورمي وجيش استقلال كاشين، حيث يرقى بعض هذه الانتهاكات إلى جرائم الحرب، وأن الشيء الأكثر أهمية هو وقف هذه الانتهاكات بشكل فوري."
ماذا يدعم الصراع؟
وتُعد ميانمار (يبلغ عدد سكانها 57 مليون نسمة وتضم 135 جماعة عرقية) بلداً غنياً بالموارد، حيث تتمتع ولاية كاشين بتوافر اليشب وخشب البناء.
"والأمر الذي لا شك فيه هو أن الوصول إلى الموارد والسيطرة عليها، سواء كانت تلك الموارد معدنية أو طاقة كهرومائية أو موارد زراعية، كان الدافع الرئيسي وراء توجه حكومة ميانمار والجيش إلى مواقع مشروعات أو مقرات أو مناطق محددة وتأمينها،" وفقاً لبول دونويتز، مدير حملة منظمة حقوق الأرض الدولية.
والآن، وفي ظل رفع العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي وبلدان الغرب الرئيسية، يسعى القادة في المناطق العرقية، ممن عانوا من تجاهل طويل المدى من قبل الحكومة، إلى الحصول على قدر أكبر من السيطرة على مواردهم الخاصة.
وأشار دونويتز إلى أن "الوصول إلى الموارد أو الحصول على عائداتها هو عامل رئيسي في مقاومتهم لمحاولة الحكومة البورمية السيطرة على الأرض".
لماذا يصعب الوصول؟
وبينما كانت المساعدات الإنسانية تقدم بانتظام في المناطق الحكومية، كان يندُر منح تصريح السفر للعاملين الدوليين في مجال المساعدات من أجل الدخول إلى المناطق التي يسيطر عليها جيش استقلال كاشين، باستثناء عدد قليل من البعثات المتخصصة العابرة لحدود مناطق النزاعات، وفقاً لما أدلى به عمال الإغاثة.
وقال ديفيد ماتيسون، أحد كبار الباحثين المتخصصين في ميانمار لدى هيومان رايتس ووتش أن "على السلطات البورمية أن تظهر جدية في مسألة السماح للمساعدات الإنسانية في الوصول إلى المجتمعات الهشة والأكثر تأثراً، إذ أنهم يعترضون قوافل المساعدات مراراً وتكراراً".
ووفقاً لتقرير 29 مايو الذي أعدته المنظمة الدولية للاجئين، تواصل الحكومة البورمية منع الأمم المتحدة والجهات المانحة الدولية من الوصول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة منظمة استقلال كاشين. وعليه، يعتمد معظم النازحين داخلياً في ولاية كاشين، إلى حد كبير، على المنظمات المجتمعية والجمعيات الخيرية الدينية للحصول على احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك المأوى والغذاء والرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي، والأدوية، والتعليم، والحماية.
وحتى بالنسبة للهيئات المجهزة على أفضل وجه، يمكن أن يكون الوصول إلى مخيمات النازحين داخلياً في المناطق التي تسيطر عليها منظمة استقلال كاشين صعباً. فالعديد من المخيمات تقع في مناطق نائية وعلى ارتفاعات عالية، وخلال موسم الأمطار (مايو إلى أكتوبر) يصعب عبور الطرق تقريباً. ويشير التقرير إلى أنه في كثير من الأحيان، هناك حاجة لنقل الإمدادات على البغال، مما يبطئ العملية ويعقدها، ويعوق من قدرة المنظمات المجتمعية على القيام بالأعمال المنقذة للأرواح المنوطة بها.
من ناحية أخرى، يذكر العديد من المراقبين رفض الحكومة السماح بتوصيل المساعدات الدولية إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون باعتباره عائقاً رئيسياً أمام السلام.
وقالت ماري تووم، رئيس منظمة نور للشعوب (Wun Pawng Ninghtoi )، وهي مجموعة تضم ثماني منظمات إنسانية تعمل مع النازحين داخلياً في كاشين أن "الكثير من المحادثات تمت بين الجانبين، إلا أنه خلال المفاوضات كان مسؤولو حكومة ميانمار والقادة العسكريون هم المشاركون فقط. ومن دون وجود وسطاء، من الذي يمكنه أن يقرر إذا كانوا يفعلون شيئاً خاطئاً أم لا".
هل دُفعت كاشين إلى التطرف؟
ويتفق الخبراء على أن بناء الثقة يعد أمراً ضرورياً للوصول إلى السلام – وهو الأمر الذي تلقى ضربة قاصمة في ديسمبر عندما بدأت القوات البورمية هجوماً كبيراً على التلال التي تسيطر عليها منظمة استقلال كاشين خارج مدينة لايزا، وهي العاصمة بحكم الواقع.
ويصر الجنرال غن غوان ماو، نائب قائد قوات جيش استقلال كاشين، على أن العسكريين والمدنيين بكاشين، على حد سواء، عازمون على الدفاع عن أراضيهم.
وقد صرح الجنرال مؤخراً لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) من العاصمة لايزا أن "السكان بشكل عام، وليس جنود جيش استقلال كاشين فقط، يعتقدون أن القصف كان محاولة للقضاء على شعب كاشين، وبالتالي فإن الروح المعنوية لدى الجنود والمدنيين تحثهم على عدم التخلي عن هذه المهمة بغض النظر عن الصعوبات التي سيواجهونها".
"ولا شك أن التطرف قد أصاب سكان كاشين جراء ما حدث منذ عام 2010"، كما قال لينتنر، في إشارة إلى الوقت الذي تم فيه استبعاد السياسيين الموالين لمنظمة استقلال كاشين من الاقتراع الذي سبق انتخابات نوفمبر 2010 عقب رفض جيش استقلال كاشين الاندماج في قوة حراسة الحدود الخاضعة لسيطرة الحكومة. وأضاف أن "منظمة استقلال كاشين، التي كانت ينظر إليها على أنها فاسدة قبل وقف إطلاق النار، مع تضاؤل الدعم الشعبي، تبدو الآن أنها تحظى بدعم سكان كاشين جميعهم المساندين لسياساتها".
هل سيستمر الحوار؟
وقد اشتملت محادثات السلام الأخيرة على خطط لإنشاء لجنة مراقبة مشتركة، بمشاركة ممثلين من الأمم المتحدة و 11 من الجماعات العرقية الرائدة في ميانمار، بما في ذلك كاشين.
وقال نيو أو منت، عضو في فريق السلام التابع للحكومة: "إنهم، [منظمة استقلال كاشين] على استعداد لحضور الحوار السياسي والتوصل إلى حل سلمي لكنهم يريدون التأكد من أن الاتفاق الجديد ملموس مقارنة بالاتفاق الذي تم مع الحكومة البورمية قبل 19 عاماً."
وقد شهد اتفاق الأسبوع الماضي أول اجتماع بين الحكومة ومنظمة استقلال كاشين داخل البلاد منذ اندلاع الصراع في يونيو 2011 . وفي يناير، أعلنت الحكومة البورمية وقف إطلاق النار من جانب واحد. وبعد شهر، عقدت الأطراف محادثات في الصين حيث تم الاتفاق على العمل على إطار شامل للحد من تصعيد الصراع.