[caption align="alignleft" width="300"]خطوط التماس الديني في العالم...مراد بطل الشيشاني [/caption]
أذكر أني مرة دخلت نقاشاً على تويتر مع أحد المغردين الغربيين حول موضوع الإسلام والإسلاميين في الغرب، وكان يحاجج لماذا لا نرى عنفا من قبل البوذيين على سبيل المثال؟ ولم تكن حينها الهجمات ضد مسلمي الروهينجا في ميانمار/ بورما قد اندلعت بعد، أو بالأحرى لم تكن قد وصلت الإعلام.
الآن تيار شوفيني في تلك البلاد يشن حملات منظمة ضد مسلمي البلاد الذين تقدر نسبتهم بـ%5 من عدد السكان الذي يقدر بستين مليوناً. وينطلق هذا التيار الديني- القومي من فكرة عنصرية بحتة بأن نسبة التوالد لدى المسلمين عالية، وبالتالي وبحكم تزايد أعدادهم فإنهم يشكلون تهديداً للأغلبية. الفكرة ذاتها تتسبب بحملة شبيهة في سيرلانكا، التي يقدر نسبة المسلمين فيها بـ%10، وبدرجة أقل في جنوب تايلاند.
وبالمقابل من هذا العنف ضد المسلمين، فإن المسلمين يبدون تعاطفاً مع إخوتهم في دول الجوار، فهناك دعوات في إندونيسيا (أكبر دولة مسلمة من حيث عدد السكان)، وبين مسلمي الهند –غالبية مسلمي الروهينجا من أصول هندية- ودول أخرى، وأيضاً هناك دعوات لـ «الجهاد» نصرة لمسلمي ميانمار/ بورما.
آثرت إبراز حالة الاستقطاب الديني هذه من منطقة بعيدة نسبياً عن العالم العربي الذي يعيش أيضاً حالة من الانقسام الطائفي الشديد، ويتخذ أبعاداً عنيفة في غير مكان فيه، ولعل سوريا المثال الأبرز. وهناك أمثلة عدة على إعادة تشكل «خطوط تماس ديني أو حضاري» في العالم ككل على حد تعبير عالم السياسة الأميركي صمويل هنتجتون، الذي مات منذ سنوات، ولكن رغم وجود الكثير من النظريات السياسية له فإن نظريته منتصف التسعينيات «صدام الحضارات» التي ظهرت في كتاب بالعنوان ذاته، كانت الأكثر شهرةً والأكثر إثارة للجدل.
وقد خصص هنتغتون في كتابه المذكور فصلاً عما وصفه بـ «خطوط التماس الحضاري»، حين رأى أن أسس الصراع الدولي ستقوم على أسس دينية/ حضارية بدلاً من الانقسام الأيديولوجي، كما كان الحال خلال الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي.
ولكن لا يقتصر واقع الاستقطاب اليوم على الصراع الدولي، بل يمتد داخل الدولة الواحدة، وعلاقة المسلمين في الغرب –بدرجة أقل- يعبر مثلاً بعض الأحيان عن مثل هذا التصادم صعوداً وهبوطاً، وهناك أيضاً صراعات تاريخية تعاود الظهور من فترة لأخرى كالصراع الأيرلندي الشمالي، أو الصراع الهندي- الباكستاني، وإن كان لا يزال يحتفظ بطابعه السياسي إلى الآن.
الرفض الشديد لنظرية هنتغتون كان لأسباب عدة أهمها الأسباب السياسية، وتفسيرها بمفهوم عنصري، ولكن للأسف الشديد، فإن الكثير من الوقائع تفسرها. الإشكالية في تصديق الواقع لنظرية هنتغتون أنها تفتح مجالا كبيراً للخطابات المتشددة دينياً، فخلق خطوط التماس على أسس دينية طالما نظرت له المجموعات المتطرفة دينياً، التي ترى العالم «مقسوما بين فسطاطين» أو «إما معنا أو ضدنا».
إفراغ الصراعات من طابعها السياسي، واتخاذها طابعاً دينياً لا يؤثر في حدة الصراع ودينامياته فحسب، بل له تأثير اجتماعي يرتبط بالحياة اليومية للناس العاديين، الذين يتم إقحامهم في الصراع بحكم أخويتهم الدينية فحسب، وهو ما يشكل صبغة جديدة للصراعات السياسية، تتغذى منها، وكما أشرنا المجموعات المتطرفة من كل الأطراف، ويكون خطابهم الأكثر قبولاً، مقارنة بكل الخطابات الأخرى.