تقرير عن الروهنغيا: حياتهم بين سجنَين ولا فرار من ميانمار

شارك

وكالة أنباء أراكان ANA | ترجمة الوكالة

أصدرت “شبكة حقوق الإنسان في بورما” تقريرا يحمل عنوان “لا مجال للفرار.. الروهنغيا بين سجنين”، عن القيود المفروضة على الروهنغيين خلال العقود الماضية، راصدا حالات 1675 شخصا من أقلية الروهنغيا المسلمة في ولاية أراكان ممن قبضت عليهم السلطات الميانمارية في مناطق مختلفة بعد أن خرجوا من أراكان محاولين البحث عن سبل للعيش في ولايات ومقاطعات أخرى في ميانمار، وبعض من العائدين من ماليزيا ويقصدون الوصول إلى قراهم في أراكان.

وتقول الشبكة في تقريرها إنه “لا مجال للفرار بالنسبة للروهنغيين في بورما”، فبينما هرب كثير منهم إلى بنغلادش، ومنها إلى دول أخرى حول العالم، قرر البعض البقاء في أراكان رغم الظروف المعيشية والأمنية والصحية القاسية، في حين يسعى البعض لتغيير حياته بالخروج من أراكان إلى ولايات أخرى في ميانمار.

الفرار برا.. مشهد يتكرر
دونت الشبكة الحالات بتواريخها وأعداد الروهنغيين المحتجزين والمناطق التي ألقي القبض عليهم فيها في الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2016 وفبراير/شباط 2020، متتبعة أنباءهم بعيدا عن الاهتمام العالمي، حيث إن تفاصيل هذه الاعتقالات تجري داخل ميانمار، وتنشر في إعلامها المحلي وعلى ألسنة مسؤوليها، بيد أن باحثي الشبكة الحقوقية يرون أن هناك حالات أخرى كثيرة لاعتقال وملاحقة الروهنغيين لا ترد في الإعلام ولا يعلن عنها رسميا.

وتقول الشبكة إن “بورما (ميانمار) تستخدم نظامها القانوني سلاحا ضد مجموعة إثنية دينية ولدت وعاشت في هذا البلد لأجيال عديدة، كجزء من وسائل التمييز العنصري الممنهج المتبع لملاحقة الروهنغيا، وما دامت هذه الوسائل والأدوات قائمة فإن الروهنغيا سيظلون يحاولون الهرب إلى بنغلادش، ليعيشوا هناك ولأمد غير معلوم في مخيمات اللاجئين، وهم ينتظرون لحظة أن يتحمل العالم مسؤوليته”.

الهروب بحرا
ورصد التقرير إلقاء القبض على 2200 روهينغي في المياه الميانمارية منذ عام 2015، ولا يتم التعامل معهم على أنهم ضحايا شبكات التهريب والاتجار بالبشر، وبعضهم أطلق سراحه من خلال معسكرات أعدت للروهنغيا في شمال ولاية أراكان، بعد أن أجبروا على القبول ببطاقة التحقيق الوطنية -كأجانب- بينما ما زال آخرون رهن الاحتجاز.

وبعض هؤلاء كانوا في مخيمات اللاجئين في بنغلادش، وعند إبحارهم مرورا بالمياه الميانمارية ألقت السلطات الميانمارية القبض عليهم واحتجزتهم، وبعضهم أُرجع إلى أراكان، واللافت أنه في بعض الحالات تتم محاكمة المهربين وضحاياهم من الروهنغيين ممن يستقلون سفنهم بمقتضى المادة والعقوبة نفسيهما، دون أن يعترض على ذلك أحد من البرلمانيين أو منظمات حقوق الإنسان المحلية، كما يقول التقرير.

إعادة 870 روهنغيا إلى أراكان
وحصلت شبكة حقوق الإنسان في بورما على وثيقتين وقعتا في أبريل/نيسان من العام الجاري وصدرتا عن مكتب وزير العمل والهجرة والإسكان والوكيلين العامين لوزارة الهجرة والسجل المدني الوطني، وتشير الوثيقتان إلى إسقاط أحكام السجن بحق مجموعة من “البنغاليين” وعددهم 870 روهنغيا.

ولكن الشبكة تقول بأن هذا القرار الذي جاء ضمن عفو رئاسي في أبريل/نيسان الماضي، كان مشروطا بإعادتهم إلى ولاية أراكان وتوقيعهم على تعهد بعدم محاولة الخروج من قراهم أو المخيمات في أراكان مرة أخرى، لكن اللافت أن القرارين الصادرين لم ينشرا في الإعلام لأن ذلك سيظهر اختلافا في الرواية الحكومية التي تريد إظهار مخالفة الروهنغيين للقوانين.

الاستماع والنطق بالحكم في يوم واحد
وحسب تقرير شبكة حقوق الإنسان، فمن يقبض عليه من الروهنغيين خارج ولاية أراكان فإنهم يحاكمون بواحد من قانونيْن، أولهما: قانون الهجرة لعام 1947 الذي عدل في عام 1990 إذ يعتبرون أجانب دخلوا البلاد بصورة غير قانونية وقد يسجنون لمدة تبلغ 5 سنوات، وثانيهما: قانون تسجيل المقيمين في ميانمار لعام 1949 الذي يعتبرون بمقتضاه أجانب مقيمين بلا وثائق ثبوتية أو إقامة سارية وقد يسجنون لفترة تصل لسنتين.

ويقول التقرير إنه خلافا للقضايا الأخرى التي تستغرق شهورا في المحاكم، فإن القضايا المتعلقة بالروهنغيين الذين يتم القبض عليهم تكون سريعة، فالمحاكمة تجري في يوم واحد ليصدر الحكم في اليوم نفسه أحيانا، وأغلبيتهم لا يستطيعون أو لا يتمكنون من البحث عن محام لسرعة الإجراءات بين القبض عليهم ومحاكمتهم وسجنهم، أو لانقطاع التواصل بينهم وبين أقربائهم وأصحابهم. وفي كثير من الأحيان تتم معاقبة الروهنغيا بأقسى العقوبات المنصوص عليها في القوانين الثلاثة المذكورة آنفا والقليل من يعاقبون بالسجن لمدة قصيرة.

انتزاع الجنسية تدريجيا
وتقول شبكة حقوق الإنسان في بورما إن الحكومة الميانمارية بدأت فرض قيود على حركة الروهنغيين منذ عام 1992، سواء كانت لديهم وثائق صادرة سابقا أم لا، واعتمدت الحكومة سياسة انتزاع الجنسية من الروهنغيا تدريجيا.

وفي السنوات الأخيرة وبناء على قرار من وزارة الهجرة والسكان عام 2015، بدأت السلطات منح بطاقة أخرى هي “بطاقة التحقق الوطنية”، التي لا يثبت فيها اسم الروهنغيا بإثنيتهم الأًصلية، بل يوصفون بأنهم “بنغاليون”، ومقتضى هذه البطاقة أن حاملها يستخدمها مؤقتا ريثما يتم التعامل مع طلبه للحصول على الجنسية مجددا، وليس لها معنى من حيث حقوق المواطنة، كما يقول تشو وين مدير شبكة حقوق الإنسان في بورما.

ولهذا رفضت أغلبية الروهنغيين القبول بهذه البطاقة، وقلة قبلت ذلك على مضض لأسباب تتعلق بظروف المعيشية أو الظروف الأمنية، لأنها تنفي حقيقة تاريخية هي وجودهم هناك منذ أجيال، إضافة إلى إزالة اسم قوميتهم الأصلية واستخدام مصطلح “بنغالي” للتأكيد على أنهم مهاجرون أو أجانب، لكن فعليا لا تمثل البطاقة أي ضمان لسير معاملة رسمية لحاملها للحصول على الجنسية خلال سنوات معينة بشكل واضح قانونيا، وفي نظر تشو وين فهي “آخر مسعى لانتزاع الجنسية من الروهنغيين نهائيا”.

600 ألف روهنغي في أراكان
بسبب حملات عسكرية وأمنية متتالية على مدى عقود، هاجر أو هجر معظم الروهنغيا خلال العقود الماضية، وحسب تقديرات شبكة حقوق الإنسان في بورما فقد بقي في أراكان اليوم نحو 600 ألف روهينغي فقط، وهؤلاء مقسمون بين المخيمات التي دفعوا إليها وأجبروا على العيش فيها بعد أحداث عنف عام 2012، وبين القرى المنتشرة بين سيتيوي أو أكياب عاصمة الولاية، وباتجاه الشمال نحو الحدود مع بنغلادش.

فمن يعيش في المخيمات لا يسمح له بالخروج إلا بإذن وفي حالات استثنائية جدا، فالمخيمات محاطة بأسلاك شائكة وحراسة أمنية مشددة، ومن يعيش في القرى يواجه سجنا من نوع آخر، فهو يتحرك في مساحة جغرافية معينة ولا يخرج منها لعدم امتلاكه أي وثيقة وطنية تثبت أنه مواطن ميانماري، وحتى من لديه وثيقة معينة فإنه لا يسافر خارج منطقته لمجرد كونه روهينغي أو مسلم.

والقيود على الحركة تعني صعوبة الحصول على عمل، وحرمان الطلبة من الدراسة في الجامعات والمعاهد، وصعوبة وصول المرضى إلى المستشفيات، وصعوبة حركة المواد الغذائية والأدوية والسلع، والفرق الطبية والإغاثية، لا سيما في ظل الحرب السائدة بين جيش أراكان -الذي يمثل أقلية الريكاين البوذية- والجيش الميانماري، فقد وجد الروهينغيون أنفسهم بين نارين في أراضيهم.

وللهروب من الحياة في هذا “السجن الكبير” في ولاية أراكان ولأن الحصول على الموافقات الأمنية للذهاب إلى مناطق أخرى في ميانمار شبه مستحيل، فإنهم يجدون أمامهم مهربين ووسطاء لإيصالهم إلى ماليزيا أو إندونيسيا أو إلى ولايات أخرى في ميانمار، وقد يصل أولئك إلى ماليزيا أو لا يصلون بعد أن يقعوا بيد عصابات التهريب والاتجار بالبشر.

أما من يتحرك برا باتجاه الشرق حيث ولايات ومقاطعات أخرى طلبا للرزق أو التعليم، فإنه يمر عبر سلسلة جبال مينبو أو غوا، وهناك عدة نقاط تفتيش للشرطة ودائرة الهجرة، مما يجعل الروهنغيين يستقلون شاحنات في محاولتهم للهرب، وتشير شهادات أدلى بها بعضهم لشبكة حقوق الإنسان إلى أن كلفة الخروج من أراكان إلى يانغون أو غيرها من مدن ميانمار قد ارتفعت من 714 دولارا إلى 1785 دولارا للشخص.

شارك