وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
كانت في يوم تذكرها الصحف العالمية باعتبارها رمزا للسلام، مثل المهاتاما غاندي ونيسلون مانديلا، فهي الحائزة على جائزة نوبل للسلام، إلا أنه قد سقط القناع عنها حين أصبحت دافع عن جنرلات الجيش في بلادها ميانمار، الذين يرتكبون مذابح وجرائم إبادة جماعية بحق الأقلية العرقية الروهنغيا، إنها “أونغ سان سو تشي”.
فعلى مدى اليومين الماضيين كانت سوتشي حديث معظم وسائل الإعلام العربية والاجنبية، بعد ذهابها إلى محكمة العدل الدولية بنفسها، لتدفاع عما وصفته بـ”المصلحة الوطنية لميانمار”، ومواجهة اتهامات موجهة لبلادها بارتكابها أعمال إبادة جماعية ضد أقلية عرقية، قدمتها غامبيا.
دفاع أمام “العدل الدولية”
قادت “سو تشي” وفدا للدفاع عن جيش ميانمار في ارتكابه إبادة جماعية بحق الروهنغيا، أمام محكمة العدل الدولية في جلسات استمرت لمدة 3 أيام.
كان محققو الأمم المتحدة قد اتهموا جيش ميانمار بتنفيذ سلسلة من الأعمال العدائية ضد “الروهنغيا” الأقلية المسلمة، بقصد الإبادة، أجبرت خلال أكثر من 730 شخص على هجر بلادهم إلى بنغلادش خلال عام 2017، وفقا لصحيفة الشرق الأوسط.
وقبل أن تصل سو تشي إلى ” لاهي” حيث مقر محكمة العدل الدولية في هولندا، احتشد آلاف الأشخاص أمام العاصمة التجارية لميانمار حاملين صورا زعيمتهم، ورددوا هتافات “نقف مع الأم سو لحماية كرامة البلاد”.
وردا على دفاع سو تشي عن جرائم بلادها بحق الروهنغيا قال عبد الملك مجاهد، رئيس جمعية بورما تاسك فورس، المدافعة عن قضية الأقلية المسلمة بميانمار :”من الأفضل لسو ترميم صورتها في نظر العالم أن تعترف بخطأ بحق الروهنغيا، وإن لم تفعل ذلك فسيكون دفاعها مهزل”.
إبادة جماعية
وخلصت مهمة تقصي حقائق مستقلة، إلى أن جنود ميانمار اغتصبوا نساء وأطفال الروهنغيا، ودمروا القرى وأحرقوا المواطنين أحياء في منازلهم، إبان الهجوم على ولاية راخين.
وقد أدلين بعض لاجئات الروهنغيا بشهادتهن أمام محكمة العدل الدولية، إذ تقول نور كريمة إن الجنود قتلوا أشقاؤها وجميع أهلها خلال مجزرة في قرية تولا تولي في أغسطس 2017، مناشدة العالم أن ينصفهم.
وقالت سعيدة خانون، إحدى لاجئات الروهنغيا :”أريد أن أرى المتهمين يرسلون إلى حبل المشنقة. لقد قتلونا من دون شفقة”، بحسب ما نقتله وكالة الصحافة الفرنسية، غير أن ممثلوا ميانمار نقوا هذه الاتهامات.
وكانت غامبيا قد أقامت دعوى قضائية في نوفمبرالماضي، ضد ميانمار ذات الأغلبية البوذية، تتهمها بارتكاب إبادة جماعية بهدف القضاء على الروهنغيا بصفتها جماعة، عن طريق القتل الجماعي والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي، فضلا عن التدمير الممنهج بحرق القرى وأهلها داخل مساكنهم”.
كما اتهمت غامبيا ميانمار بمخالفة التزاماتها بموجب “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”لعام 1948، وفقا لصحفية “الشرق الأوسط”.
من هي سو تشي؟
بعد نحو ربع قرن من النضال وصلت أونغ سان سو تشي، زعيمة المعارضة، إلى سدة الحكم في “ميانمار” عام 2016، غير أنها اختارت أن تكون ناطقة باسم العسكريين، بعد أن كانت تحارب ضدهم في السابق، وذلك لما تعلق الأمر بمذابح الإبادة الجماعية بحق الأقلية المسلمة المخالفين لديانها.
قبل أن تصل سو تشي إلى هذه المكانة، ظلت رهن الإقامة الإجبارية طيلة 14 عاما، ذاقت خلالهم الحبس والاضطهاد، بقرار من السلطات العسكرية التي كانت تحكم البلاد، وفقا لموقع “الحرة”.
وسوتشي هي ابنة الجنرال أونغ سان الذي أسس الجيش الحديث لميانمار، والذي قد التفاوض لإنهاء الاحتلال البريطاني عام 1947، وأصبح أول رئيس وزراء، وقد قٌتل في عملية اغتيال في العام نفسه قبل الاستقلال الرسمي، على يد أحد منافسيه على الحكم، وكان سوتشي في الثانية من عمرها في هذا الوقت.
قضت سو تشي حياتها الأولى في الهند برفقة والدتها، ثم انتقلت للدراسة في جامعة أوكسفورد البريطانية، وتزوجت من أستاذ جامعي متخصص في شؤون أديان التبت، وأنجبت منه ولدين.
وعادت سوتشي إلى ميانمار في إبريل عام 1988، بينما كان خضم الانتفاضة على المجلس العسكري، ومن هنا كان طريقها إلى المعارضة، إذ أسست الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية وأصبحت أكبر أحزاب المعارضة للحكم العسكري، غير أنها وُضعت تحت الإقامة الجبرية.
نوبل للسلام
وبعد سنوات الإقامة الجبرية والمعارضة، حازت سو تشي في عام 1991،على جائزة نوبل للسلام، ولقبتها بعض وسائل الإعلام بـ”زعيمة السلام”.
وكذلك حصلت سوتشي على العديد من الجوائز من منظمات حقوقية عالمية، مثل العفو الدولية في عام 2009، نظرا لكونها ظلت تحت الإقامة الجبرية طيلة هذه السنوات التي قضتها في منزلها على مقربة من بحيرة وسط رانغون، وكان يسمح لعدد قليل من الأشخاص بزيارتها، وأحيانا ابنيها اللذين كان يعيشا في بريطانيا مع والدهما.
من السلام لـ “الإبادة”
وبعد نحو 15 عاما في الإقامة الجبرية نالت سوتشي حريتها في عام 2010، وبعد عام واحد أجرت الحكومة شبه المدنية التي قادت بورما بعد حل المجلس العسكري في 2011، بمجموعة من الإصلاحات التي سمحت بإجراء أول انتخابات مفتوحة في ميانمار بعد نصف قرن من الديكتاتورية.
وقررت سو تشي أن تخوض الانتخابات ونجحت في الوصول إلى السلطة وهي في السبعين من عمرها، في أبريل 2016، بعد 6 سنوات من رفع الإقامة الجبرية عنها.
في حملتها الانتخابية وعدت سو تشي بنشر السلام في البلاد، غير أن ما حدث كان على النقيض تماما، فبعد عام واحد من توليها الحكم، شن الجيش حملاته قمعية وإبادة جماعية ضد أقلية الروهنغيا المسلمة في 2017، بزعم أن مجموعة مسلحة متمردة من الروهنغيا هجمت على مراكز للشرطة وقتلت 12 شرطيا تقريبا.
وصل الأمر في بلاد زعيمة السلام إلى أنها تمنع الصحفيين من تغطية الإبادة التي يتعرض لها الروهنغيا، حتى أن محكمة في ميانمار قضت بالسجن 7 سنوات بحق صحفيين في سبتمبر 2018، يعملان في وكالة رويترز، بدعوى أنهم اخترقا قانون أسرار الدولة بسبب تغطيتهم المذابح في ميانمار، وتم الإفراج عنهم بعفو رئاسي في 7 مايو 2019.
وبعد تأييد سو تشي لمذابح ميانمار، أعلنت عدد من منظمات حقوق الإنسان تجريد زعيمة ميانمار من الجوائز التي منحتها إياها، مثل منظمة العفو الدولية، وسحبت باريس منها لقب مواطنة الشرف.
من هم الروهنغيا؟
تمثل جماعة الروهنغيا الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم، حتى وُصفوا بأنهم “أتعس أهل الأرض”، فكم يتعرضون لمذابح وتهجير وعنف وعمليات إبادة، فقط لأنهم يعتنقون الديانة الإسلامية، فيدفعون الثمن قتيلا وتشريدا.
يعيش جماعة الروهنغيا المسلمة، التي يبلغ عدد أفرادها 1.1 مليون نسمة، في جمهورية ميانمار (بورما)، يواجهون يوميا حملات إبادة وتطهير عرقي ممنهجة على يد الأغلبية البوذية التي تسكن البلاد.
ويوصف الشعب الروهنغي بأنه أكثر الشعوب نبذا، فهم أكثر الأقليات اضطهادا في العالم، وقد جردوا من مواطنتهم منذ قانون الجنسية لسنة 1982، فلا يسمح لهم بالسفر دون إذن رسمي، ومُنعوا من امتلاك الأراضي، وطلب منهم التوقيع بالالتزام بأن لا يكون لهم أكثر من طفلين.
وحسب تقارير منظمة العفو الدولية فإن مسلمي الروهنغيا لا يزالون يعانون من انتهاكات لحقوق الإنسان في ظل المجلس العسكري الميانماري منذ سنة 1978، وقد فر العديد منهم إلى بنغلادش المجاورة.
بداية الأزمة
بحسب تقرير منشور في “الإيكونوميست” في أغسطس2015، تعود جذور الاضطرابات الحالية في بورما، إلى الماضي الاستعماري للبلاد، ففي 1826، ضمت بريطانيا الجزء الشمالي الغربي الحالي من البلاد، إضافة إلى الإقليم الذي يسكنه حاليًا من تبقى من مسلمي الروهنغيا في ميانمار.
وبسبب قوانين الهجرة المتساهلة التي وضعتها الحكومة الاستعمارية البريطانية آنذاك؛ تدّفق المسلمون البنغال إلى الإقليم، كذلك عيّنت بريطانيا الأثرياء من جنوب الهند ممن عُرفوا بـchettyars (كان معظمهم من الدائنين ومقرضي الأموال) كمدراء ومشرفين على الإقليم الاستعماري الجديد، ليحلوا بذلك محل الفلاحين البوذيين ذوي الأصل الميانماري.
تركت تلك السياسات البريطانية الاستعمارية آثارها على البلاد، حتى تركت الصراع بينهم إرثا توارثته الأجيال ودفعت ثمنه جماعة “الروهنغيا”، بحسب الإيكونوميست”.
وكانت هناك انتفاضة للروهنغيا بين عامي 1948 و1961 للمطالبة بالانفصال، غير أنها باءت بالفشل.
الأصل؟
يرفض غالبية أعداء الروهنغيا بأنهم ينتمون إلى ميانمار، ويدّعون أن الروهنغيا ينحدرون من أصل بنغالي ووجودهم داخل ميانمار ما هو إلا نتاج لحركة الهجرة غير الشرعية.
أما الروهنغيا أنفسهم فيؤكدون أنهم من سكان ما قبل الاستعمار في ولاية راخين (آراكان) بميانمار، وحسبما ذكر معهد الشرق الأوسط، فإن أول ظهور لمصطلح الروهنغيا كان في عام 1799.
مذابح واضطهاد
يتعرض الروهنغيين إلى العديد من أشكال التعذيب والابتزاز حتى أنه تم فرض قيود شديدة على حركة تنقلاتهم، وحُرمت الغالبية العظمى منهم من الجنسية الميانمارية.، ويتعرضون أيضا لعدة أنواع من الابتزاز والضرائب التعسفية ومصادرة الأراضي والإخلاء القسري وتدمير منازلهم وفرض قيود مالية على الزواج.
ويُستخدم الروهنغيين في أعمال السخرة في الطرقات ومعسكرات الجيش، وإن كان معدل أعمال السخرة قد انخفض في ولاية أراكان خلال العقد الماضي.
وقد بدأ القمع والاضطهاد لهذه الأقلية المسلمة منذ القرن السابع عشر الميلاد، من قِبل حكام ميانمار، حتى وقعت مذبحة كبرى لمسلمى الروهنغيا سميت بالمذبحة الكبرى وترتب عليها تدمير مئات القرى للمسلمين وقتل سكانها الذين قيل إنهم بلغوا 100 ألف مسلم.
عملية “الملك التنين”
في أعقاب “عملية الملك التنين” المسماة ناجامين للجيش الميانماري في سنة 1978 فر أكثر من 200،000 من الروهنغيا إلى بنغلادش، وتهدف تلك الحملة رسميا “بالتدقيق على كل فرد يعيش في الدولة، وتصنيف المواطنين والأجانب حسب القانون، واتخاذ الإجراءات ضد الأجانب الذين دخلوا البلاد بطريقة غير مشروعة.”
تلك الحملة استهدفت المدنيين مباشرة، مما أسفر عنه انتشار القتل على نطاق واسع والاغتصاب وتدمير المساجد بالإضافة إلى الاضطهاد الديني.
وما بين 1991-1992 جرت موجة جديدة من الهروب، إذ فر أكثر من ربع مليون روهنغي إلى بنغلادش، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي قام بها الجيش الميانماري من مصادرة الأراضي والسُخرة والاغتصاب والتعذيب, انتهاءً بالإعدامات دون محاكمة, كما أوردت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في تقريرها عام 2013.
وقد أجبر الجيش الميانماري الروهنغيا على العمل دون أجر في مشاريع البنية التحتية والاقتصادية وفي ظروف قاسية، وقد حدثت العديد من انتهاكات لحقوق الإنسان من الأمن خلال عمل السخرة للرهنغيا المدنيين.
ثم بدأت المفوضية العليا للاجئين (المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) في تقديم المساعدات لإعادة توطين الروهنغيا في بنغلادش من عام 2005، ولكن ظهور مزاعم لانتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين هددت تلك الجهود.
إعادة الروهنغيا
وفي عام 2005 بدأت الخطوات في إعادة الروهنغيا، إذ أعلنت بنغلادش في 2009 أنها وبعد اجتماعها مع دبلوماسيون بورميون سوف تعيد حوالي 9,000 روهنغيا يعيشون في المخيمات إلى ميانمار.
ووافقت الحكومة الميانمارية الجديدة، في 16 أكتوبر 2011، على استعادة لاجئين مسجلين من الروهنغيا، ولكن استمرت عمليات الذبح والاضطهاد.
وفي عام 2014 قالت منظمة “ريفيوجيز إنترناشيونال” إن أكثر من 140 ألف روهنغي يعيشون في مخيمات للمشردين داخل ميانمار، حول عاصمة ولاية أراكان في جنوب غربي البلاد، ويعتمدون بشكل كامل على المساعدات الدولية.
هروب الآلاف
وفى عام 2012، اندلعت توترات تمرد وشغب، وأدت إلى هرب عشرات الآلاف، من جماعة الروهنغيا من ديارهم ولجوئهم إلى مخيمات للنازحين يتفشى فيها البؤس، ولا يستطيع من يعيشون في المخيمات مغادرتها، كما إنهم معزولون عن التجمعات السكانية الأخرى، وظلت أوضاعهم فى هذا السوء حتى تجددت أعمال العنف قبل عامين.
وفى عام 2017 أعلنت الأمم المتحدة أن 124 ألف مواطن من مسلمي الروهنغيا فروا من ميانمار إلى بنغلادش، وذلك بسبب أعمال العنف الكبيرة التي يتعرضون لها وسط إدانة طويلة للمذابح التي تمارسها السلطات ضد هذه الأقلية، وهو ما أثار سخط المجتمعين الدولي والإسلامي.
ومنذ عام 2012 فر نحو 140,000 من الروهنغيا تقريبا من شمال غرب ميانمار، وسط اشتباكات دامية مع الأغلبية البوذية.
عقوبات
وفي 16 يوليو 2019، أعلنت واشنطن فرض عقوبات ضد قائد جيش ميانمار وثلاثة قادة كبار آخرين لدورهم في التطهير العرقي بحق الروهنغيا.
وقالت الأمم المتحدة ، في 16 سبتمبر، إن نحو 600 ألف من الروهنغيا المتبقيين في ميانمار يواجهون “مخاطر جادة للإبادة الجماعية.
ورفعت بعض المنظمات الحقوقية 3 دعاوى قضائية ضد ميانمار، لاتهامهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الروهنغيا.