ما الذي يدفع بفتيات الروهنغيا للهرب إلى ماليزيا؟

شارك

وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات

لاجئة روهنغية تصف مخيمات اللجوء في بنغلادش بـ”بيوت الدعارة”

– صحف بنغلادشية: نساء الروهنغيا يتعرضن للاستغلال الجنسي مقابل المساعدات الإغاثية

– لاجئة روهنغية: نذهب إلى ماليزيا على أمل الزواج من شباب هناك

في 11 فبراير الجاري، غرق 15 شخصاً من مسلمي الروهنغيا إثر انقلاب قاربهم بخليج البنغال، وقد ارتفع عدد الضحايا الأحد الماضي إلى 17 شخصاً من خلال العثور على جثة امرأتين من ضحايا القارب الذي كان يحمل اللاجئين إلى ماليزيا، وقد جري إنقاذ نحو 70 شخصاً، ولم ترد بعد تفاصيل عن عدد من كانوا على متن القارب عند انقلابه.

ولكن السؤال هنا: لماذا تفر الفتيات الروهنغيا إلى ماليزيا؟ ألسن بخير في مخيمات بنغلادش؟ ما الحاجة التي تدفعهن إلى أن يخاطرن بحياتهن بالهرب من خلال متن القوارب التي عادة تتعرض للغرق؟

تقول فتاة نجت من الغرق لأحد الصحفيين: إننا بعد فرارنا من ميانمار (بورما)، حيث تعرضنا لأشدّ أنواع العنف وتعرّضت كثيرات منا لاعتداءات اغتصاب جماعي، كنا نعتقد بأن الوصول إلى حضن بنغلادش “الإسلامي” سيكون نهايةً لمآسينا.

وتضيف: ولكن الواقع بعيد جداً عن التمنيات، إننا نواجه هنا كثيراً من الأزمات، وأكبر أزمة أننا لا نجد فتياناً نتزوج منهم، ولا نستطيع أن نبقى في المخيمات بدون الزواج بسبب الاستغلال الجنسي، كأننا وقعنا من أنياب “العدو” إلى مخالب “الإخوة”.

لم تكن هذه القصة الوحيدة، بل خرجت مثلها مئات القصص منذ 25 أغسطس 2017، عندما شنّ جيش ميانمار ومجموعات بوذية حملة على أبناء ولاية أراكان من المسلمين الروهنغيا، وصفتها الأمم المتحدة بأنها “مثال نموذجي للتطهير العرقي” .

حوالي 700 ألف من أفراد هذه الأقلية المسلمة اضطروا إلى الهرب واللجوء إلى بنغلادش المجاورة، وجُمعوا في مخيمات في منطقة كوكس بازار، جنوب شرق بنغلادش، في مخيمات بنغلادش، يُمنع الروهنغيا من الذهاب إلى المدرسة والعمل، مئات آلاف الأطفال لم يذهبوا إلى المدرسة منذ أن عبروا الحدود، مشكلين “جيلاً ضائعاً”، بحسب وصف صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، الوضع باختصار هو “كارثة إنسانية وكابوس في مجال حقوق الإنسان”، بحسب تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش.

والسبب الثاني لهرب الفتيات الروهنغيا إلى ماليزيا، هو أن نساء الروهنغيا يعانين من مشكلة العيش في المخيم بدون أي عمل، معتمدات بالكامل على المساعدات الإنسانية، هذا الوضع جعلهنّ محبطات وغاضبات جداً، وهو أحد أسباب فرارهنّ من المخيمات.

في البداية، كن يجدن ما يكفيهن لعيشهن من مساعدات إنسانية من مختلف المنظمات الإنسانية؛ ولكن الآن تقول كثيرات من الروهنغيا: إنهن لا يجدن الآن ما يكفيهن لعيشهن، بالإضافة إلى أن المخيمات، وإن كانت آمنة وسالمة بالنسبة لهن، ولكنها غير آمنة ولا سالمة بالنسبة إلى الفتيات غير المتزوجات، ولذلك قررت العائلات إرسال فتياتهن إلى ماليزيا للزواج من فتيان الروهنغيا المقيمين هناك، “ويعتقدن أن هذا هو الحل الآن”.

وتقول رينا التي نجت من الغرق أيضاً، وهي تبكي: لم يكن لديَّ أي خيار للحفاظ على نفسي سوى الهرب إلى ماليزيا، يعيش هناك كثيرون من أقربائي، إنهم يقومون بالحفاظ عليَّ ويزوجوني من فتى مناسب.

اغتصاب وابتزاز جنسي

لماذا كل هذا الخوف؟ لم يتوقّف العنف ولا العنف الجنسي بحق نساء الروهنغيا في بنغلادش، تتزايد حوادث عنف الشريك والتحرش الجنسي بهنّ، بحسب تقارير نشرتها الصحف البنغلادشية، كما يتعرّضن للاستغلال الجنسي على يد رجال من الروهنغيا ورجال محليين يعملون في مجال توزيع المساعدات الإغاثية، التي تتولاها جمعيات “خيرية” محلية ودولية.

وكشفت تقارير صدرت في أبرز الصحف البنغلادشية، وعلى رأسها جرائد “بروتوم آلو” و”نياديغانتو” و”كاليركانتو”، و”شموكال”، أن عملية استغلال نساء الروهنغيا عموماً والفتيات منهن على وجه الخصوص منتشرة في مختلف المخيمات حيث تجري مقايضة المساعدات الإنسانية بمزايا جنسية.

وكشفت دراسة نشرتها صحيفة “جوغنتر”، في 21 ديسمبر 2018، عن تزايد معدلات عنف الشريك الحميم، وعن مستويات مرتفعة من التحرش الجنسي بالنساء في المخيمات، وتحدثت عن أعداد كبيرة من البلاغات عن صفقات للاتجار بالجنس داخل وخارج المخيمات.

وجاء في تقرير نشرته جريدة “بروتوم آلو” البنغلادشية اليومية، في 12 فبراير 2019، أن نساء وفتيات اضطررن إلى الزواج من موزعي المساعدات الإنسانية لفترات قصيرة مقابل حصولهن على الطعام، وأن كثيرين من عمال الإغاثة يطلبون أرقام هواتف النساء والفتيات ويعرضون عليهن مساعدات مقابل قضاء ليلة معهم.

ونقل تقرير نشرته “بي بي سي بنغلا”، وهي خدمة “بي بي سي” باللغة البنغلادشية، في 12 فبراير 2019، عن آسية بيغوم، وهي لاجئة حاولت الفرار إلى ماليزيا وفشلت، قولها: إن بعض الرجال يدفعون الفتيات للذهاب إلى مراكز توزيع المواد الإغاثية لأخذ حصص، وعندما يذهبن تُعرَض عليهن ممارسة الجنس مقابل المساعدات، وإن الأمر تفاقم إلى درجة أن النساء يفضّلن العزوف عن أخذ المساعدات مخافة أن يلحق بهن العار.

الحلم بماليزيا

هذه الظروف الكارثية تدفع الفتيات إلى التفكير بحل الزواج من شباب روهنغيين يقيمون في ماليزيا، خاصةً في ظل واقع زيادة نسبة الفتيات مقارنة بالرجال في مخيمات بنغلادش، بعضهنّ خضن مغامرة الهرب بحراً نحو ماليزيا، وكثيرات فكّرن وخططن لذلك ولم ينجحن، وتدفع بعض أسر الفتيات بناتهنّ للذهاب إلى ماليزيا والزواج هناك فتكلفة الزواج في المخيم باهظة وعلى هذه الأسر دفع مبلغ كبير من المال، ومعظمها لا تملك القدرة على ذلك، بينما تشهد ماليزيا طلباً على الزواج بفتيات من الروهنغيا، لأن معظم أبناء أقلية الروهنغيا المقيمين هناك هم شباب.

تصف راضية خاتون، وهي إحدى فتيات الروهنغيا اللاجئات، مخيمات اللجوء في بنغلادش بـ”بيوت الدعارة”.. وفتيات كثيرات يعبّرن عن قلقهنّ من التعرّض للاغتصاب في المخيمات لأنهنّ غير متزوجات، بحال بقين هناك

ولذلك، فإن أغلب الذين يفرّون من مخيمات بنغلادش إلى ماليزيا هنّ فتيات، حسبما كشفت تقارير لصحف محلية، وأوقفت كثيرات في مخيمات أوخيا وتكناف وكوكس بازار أثناء استعدادهنّ للفرار نحو ماليزيا، تتواصل فتيات الروهنغيا مع شباب مقيمين في ماليزيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي من “فيسبوك” و”تويتر” و”إيمو”، وفي بعض الحالات، يوفّر الشباب لهن تكلفة الرحلة غير الشرعية.

وفي 16 فبراير 2019، جرى توقيف 92 من الروهنغيا كانوا يحاولون الهرب عبر المناطق الساحلية في أوخيا-تكناف، بينهنّ 46 امرأة و20 طفلاً، تتراوح أعمارهن بين 13 و22 سنة.

وقالت الفتيات: إنهن يرغبن في الزواج من شباب يقيمون في ماليزيا، بحسب ما روت جريدة “بروتوم آلو” نقلاً عن شهادات 25 امرأة أوقفتهنّ شرطة الحدود البنغلادشية.

واحدة من الفتيات اللواتي تم إنقاذهن هي تحمينة بيغوم (20 عاماً) وكانت تحاول الهرب من مخيّم كوتوبالونغ في منطقة أوخيا، تروي أن فتيات الروهنغيا يلتزمن الصمت فحسب عقب تعرضهن لهجوم عنيف أو لتحرش أو للإرغام على ممارسات جنسية.

وتقول: النساء والفتيات يعانين ويشتكين من نسبة عالية من التحرش الذي يأتي غالباً من رجال المخيم وأشخاص غير حضاريين وفي أماكن العمل وغيرها. نريد أن نلفت النظر إلى مشكلة الزواج. في المخيّمات لا نجد إلا قليلاً من الشباب، ما يدفعنا للذهاب إلى ماليزيا على أمل الزواج من شباب هناك.

أما راضية خاتون، وهي إحدى الفتيات اللواتي تم إنقاذهن أثناء هروبهن إلى ماليزيا، فوصفت المخيمات بـ”بيوت الدعارة”، وقالت: أفضل الزواج على العيش في بيت الدعارة. ولكن المشكلة أنني لا أجد هنا شاباً مناسباً أتزوج منه وأحلم به، أريد الزواج من ابن عمي الذي يعيش في ماليزيا.

وفي تقرير “بي بي سي بنغلا” المذكور، عبّرت فتيات كثيرات عن قلقهنّ من التعرّض للاغتصاب في المخيمات لأنهنّ غير متزوجات، بحال بقين هناك.

وتستمر أزمة الروهنغيا بعد نحو سنة ونصف السنة من بدئها، ولا يزال أبناء هذه الأقلية المسلمة مشرّدين بعيداً عن ديارهم. ورغم أن حكومة ميانمار اتفقت مع الأمم المتحدة في يونيو 2018 على إعادتهم إلى قراهم، إلا أنه لم يتم التوصل إلى ترتيبات عملية تضمن عودتهم الآمنة. وفي ظل الخوف من الإعادة، تحاول بعض الأسر الفرار من مخيمات بنغلادش قبل مجيء اللحظة الحاسمة، ولكنها تصطدم بالسلطات البنغلادشية الممتعضة من وجودهم والتي تفرض عليهم إجراءات أمنية صارمة تجبرهم على البقاء في المخيمات بانتظار مصيرهم.

شارك