وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
بعد أيام من إعلان ميانمار عن نتائج تحقيقاتها بشأن المجازر التي ارتكبت بحق أقلية الروهنغيا المسلمة، ها هي تعود أزمة الروهنغيا حاملة معها معاناة وآلام أقلية اجتمع الجميع على إبادتها.
الأقلية المسلمة “الروهنغيا” والتي لاقت جرائم مروعة ارتكبت بحقها من قبل الجيش الميانماري، ضيعت اللجنة التي شكلتها رئيسة وزراء ميانمار “سوتشي” حق الاعتراف بالمجازر التي ارتكبت بحق الروهنغيا.
فقبل أيام، ظهرت السيدة سو تشي مبتسمة أمام الكاميرات، بينما يقدم لها نائب وزير خارجية الفلبين السابق، روزاريو مانالو، التقرير النهائي لـ”لجنة التحقيق المستقلة”، التي شكلتها ميانمار، والتي اعتبرت أنه “ليس هناك أدلة تدعم الاتهامات حول ارتكاب أو التخطيط لإبادة جماعية ضد الروهنغيا.”
وأصدر تحالف الروهنغيا الحر، وهو شبكة دولية من نشطاء لاجئي الروهنغيا وأنصارهم، بيانًا يدحض فيه نتائج اللجنة بأنه لا توجد أدلة كافية تدعم نية ارتكاب إبادة جماعية ضد الروهنغيا في ولاية “أراكان”، والترحيل الجماعي لحوالي 800 ألف من الروهنغيا إلى بنغلادش، خلال عامي 2016 و2017.
وقال ناي سان لوين، الشريك المؤسس والمنسق للتحالف، إن “هذه لجنة أخرى في ميانمار تم تشكيلها لرفض واستبعاد النتائج التي تثبت الإبادة الجماعية المستمرة منذ عقود لشعبنا الروهنغيا”.
وأضاف في تصريحات صحفية، أن اللجنة “قدمت فقط مجموعة من الأكاذيب التي تنكر الاتهامات ضد ميانمار، في مختلف المحافل الدولية”.
ورغم وصف سو تشي للجنة بأنها “مستقلة” عن التدخل السياسي، فإن تقريرها يكرر فحوى دفاع سو تشي، بصفتها زعيمة ميانمار، ومستشاريها القانونيين، في الدعوى التي تقدمت بها غامبيا ضد ميانمار، في محكمة العدل الدولية، يومي 11 و12 ديسمبر الماضي.
وادعت اللجنة والمستشارون القانونيون لسو تشي أن قوات الأمن في ميانمار ربما استخدمت قوة “غير متناسبة”، وارتكبت جرائم حرب وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان، “لكن الأمر لا يرقى لحد الإبادة الجماعية”.
ووفق تقارير حقوقية، فإن هذه النتائج لصالح الجناة، فهم يدركون أن مقاضاتهم على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لن تدخل في نطاق اختصاص محكمة العدل الدولية، فأعلى محكمة في الأمم المتحدة لا تتعامل إلا مع النزاعات القانونية بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولا تحاكم قادة ومسؤولي الدول الأفراد.
يذكر أنه في خضم الحديث المتزايد في جميع أنحاء العالم عن الإبادة الجماعية المستمرة في ميانمار ضد الروهنغيا، شكل رئيس ميانمار، وين مينت، لجنة تحقيق مستقلة، في 30 يوليو 2018، برئاسة نائب وزير خارجية الفلبين السابق، روزاريو مانالو.
كما تألفت اللجنة من المدير العام السابق للمحكمة العليا بميانمار، ميا ثين، والمدير العام السابق لوزارة الصحة والأعمال بميانمار، أونغ تون ثيت، والسفير الياباني السابق لدى الأمم المتحدة، نائب رئيس الوكالة اليابانية للتعاون الدولي السابق، كينزو أوشيما.
وصوتت اليابان والفلبين، خلال السنوات القليلة الماضية، ضد قرارات الأمم المتحدة السنوية بشأن ميانمار، التي تدينها بسبب جرائمها الخطيرة، وتدعو إلى مساءلتها دوليًا.
ويعد المفوض البورمي، أونج تون ثيت، رئيسًا مثيرًا للجدل للغاية لمؤسسة الاتحاد من أجل المساعدة الإنسانية وإعادة التوطين والتنمية في أراكان، وهو كيان حكومي في ميانمار أنشأته سو تشي، واتهمه محققو الأمم المتحدة بدعم “نتائج جرائم الحرب”.
وكما هو متوقع، توصل تقرير اللجنة، وفقًا لبيانها الصحفي الرسمي، إلى أنه لا يوجد “نمط سلوكي” يمكن للمرء أن يستنتج منه بشكل عقلاني أن هذه الأفعال قد ارتُكبت بـ”نية الإبادة الجماعية”.
وزعمت أنها تناولت “السياق والخلفية التاريخية لولاية أراكان”.
ومنذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1948، تكونت أكثر من 20 منظمة عرقية مسلحة بجميع مناطق الأقليات القومية، ولم تتعرض أية جماعات عرقية أخرى في ميانمار، بغض النظر عن مدى حدة النزاعات المسلحة، لنوع الاضطهاد والتدمير الذي مورس ضد الروهنغيا.
وفي 2019 فقط، خاض “جيش أراكان” البوذي 600 معركة ضد قوات الأمن في ميانمار، وادعى أنه قتل 3 آلاف من أفراد الجيش والشرطة، وهو أمر لم تنفه وزارة الدفاع.
ورغم ذلك لم تتعرض المجتمعات الموالية لجيش أراكان البوذي للتدمير الجماعي المنظم نفسه الذي يتعرض له الروهنغيا.
وأدى رد الفعل الفوري لميانمار إلى الإبادة الجماعية لثلاثة أرباع مليون من الروهنغيا، منهم 300 ألف في سن المدرسة والشباب، والتدمير التام لـ390 قرية و38 ألف منشأة بنية تحتية، واغتصاب آلاف النساء.
والروهنغيا هم أقلية عرقية مسلمة، في دولة ميانمار ذات الأغلبية البوذية، وهم أكثر الأقليات المضطهدة في العالم، ويمثل المسلمون فيها نحو 15 بالمئة على الأقل من تعداد ميانمار البالغ 60 مليون نسمة. بينما يعيش حوالي 1.1 مليون شخص من عرقية الروهنغيا في ولاية أراكان لكنهم محرومون من المواطنة ويواجهون قيودا حادة في السفر.
ويتحدث الشعب الروهنغي لغة خاصة به وهي اللغة الروهنغية وهي تعتبر لغة “هندو-أوروبية” مرتبطة بلغة “شيتاجونج” المستخدمة في دولة “بنغلادش” القريبة من ميانمار، حيث نجح علماء الروهنغيا في كتابة لغتهم بالنصوص المختلفة مثل العربية والحنفية والأردية والرومانية والبورمية، والمستمدة من اللغة العربية.
يذكر أن اضطهاد الروهنغيا يرجع بسبب رفض الغالبية البوذية الاعتراف بهم، أي بكونهم يشكلون أقلية عرقية مميزة داخل ميانمار، إذ يدّعون بدلًا من ذلك أن الروهنغيا ينحدرون من أصل بنغالي ووجودهم داخل ميانمار ما هو إلا نتاج لحركة الهجرة غير الشرعية.
أما الروهنغيا أنفسهم فيؤكدون أنهم من سكان ما قبل الاستعمار في ولاية أراكان (راخين) بميانمار.
ويواجه الروهنغيا عنفًا مستمرًا، كما يعانون من انعدام احتياجاتهم وحقوقهم الأساسية كالحصول على الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل، حيث يعيشون في مناخ من التمييز العنصري.
وللوقوف على آخر مستجدات أزمة الروهنغيا، فقد عقد مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، جلسة مشاورات مغلقة لمناقشة حكم محكمة العدل الدولية القاضي بضرورة اتخاذ ميانمار تدابير مؤقتة لحماية مسلمي الروهنغيا من جرائم الإبادة الجماعية.
وأعلنت البعثة البلجيكية لدى الأمم المتحدة التي تتولي رئاسة أعمال مجلس الأمن لشهر فبراير الجاري، أن “أعضاء المجلس سيستمعون خلال الجلسة لإفادة الأمين العام المساعد للشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ محمد خالد خياري”.
ورفعت غامبيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية في نوفمبر 2019، ذكرت فيها أن “الفظائع المرتكبة من قبل ميانمار بحق الروهنغيا في ولاية أراكان (أراكان)، تنتهك أحكام اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1984”.
وطلبت غامبيا في دعواها اتخاذ تدابير مؤقتة بغية الحفاظ على حقوق مسلمي الروهنغيا، وهو ما قضت به محكمة العدل الدولية في 23 يناير الماضي.