بقلم : عمار بدر الأركاني
وكالة أنباء أراكان ANA | خاص
آلافٌ من الكلماتِ كُتِبتْ، وعشراتٌ منها شُطِّبتْ؛ لأكتبَ فضاءً أدبيًا يَليقُ بهذا المعنى، وصْفًا دقيقًا، وإيْجَازاً بليغاً.
بعنوانٍ غريبْ وربما غير مأْلوف تنازلتُ فيه عَنْ البُروتوكول الكتابي، طَمَعاً في التجسيد الدقيقْ والعميقْ.
فوضى في الحَواسْ، تُرْجِمتْ بكلمات وصفٍ لا اسْتعطاف، ربما قد تغضب البعض وتعجب الآخر، لكنها لاتهم في نهاية المطاف.
فهي فيْضٌ من مشاعرَ سالتْ مع قلمٍ لا يرجو سوى تخليد ذكرى سيئة، وتوثيق حالة إنسانية يمر بها فئةٌ استُضعفت في أرضٍ واسعةْ، ولم تنصفهم الحياةُ في عصر المستحيلات.
ما معنى أن تكون أركانياً؟ :
إنسانٌ في عصر اللاإنسانية، هو جزءٌ مؤثرٌ في المعادلة الوجودية الإنسانية الكونية، لكنه خارج الحسابات والقوانين الفوقية، يشمّر أكمَامَه كل صباح، سَعيا في التعففْ، كائنٌ بسيط أحق ما يقال عنه أنه: أسطورةٌ في الكفاحِ، وذو همة ونفَس، وعميق العزيمة.
ألَـمُه ينمو كل صباح، يَكْسِره الهم كل مساء، حُطِّمت آماله بمطرقة الاحتقارْ، هُمّش من القائمة بمعيار الدونية، لم تتَسِعْ له أرض، ولم يحضُنْه فضاء، ولم يبتسم له إنسان، كائنٌ يعيش فقط ويحلمُ بالحياة!
حياتُه باختصار عامٌ يذهبْ، وآخرُ يأتي، وكل شيء في داخلِه يزْدادُ سوءاً، يكاد أن ينهارَ في وجهِ الحياة!
يقف ُصامدًا وتائها بين كبرياءٍ تصونه واستحياءٍ تعز كرامته.
بؤسٌ شديد تُقرَأ في ملامِحِه، ووجهُه فقاعة ألم تكاد أن تنفجر، هامدٌ يحتضر تحت وطأَة الأسَى، تعِست في وجهِه الحياة، وأغلقَت عنه أبواب البسمة.
يغزُو الشيْب في رأسهِ وهو شاب، كائنٌ نحيلٌ يترصَّد الأمَل الهزِيل كل فجر، ويخفي الألمَ والأنين كل ليل، لا أرضًا تحتَويه كي يموتَ فيها، ولا سماءً تضَمُّه كي يحْيَا عليها.
سَرَقُوا منه كل شيء، أرضَه ومناصبه ومساكِنه وحلُمَه وأمَلُه، وطَمَسُوا َتارِيخَه، ومزَّقوا حضَارته.
إنسانٌ يعيشُ في وطنْ، وأوراقه ترميه في أرضٍ بعيدة، وانتماؤُه مزوّرٌ في المنْفى، يَمْضِي في الحياةِ متسولاً، يطرق الأبواب بائعًا ابتسامةَ الشفقة، يرددُ على استحياءٍ فوق قاربٍ متهالِك: إنَّا مِنْكم ونحنُ معَكم، ولا غِنَى لنا عنكم.
حلمُه عيشٌ ميسَّر يرَى به جمالَ ما تبقى من فصولِ الحياة، يخْشى أن ينجبَ طفلاً ثم يتوهُ في المعاملات، ينْظرُ إلى الطائرِة كل صباحْ ويلوِّحُ للعابِرِين ولا يَرْتادها.
يقرَأ عن نَهضِة الإنسانية ويبارِك للنُّجَبَاء، ويَخْفي في نفسهِ قصة َطموحٍ أُبِيدتْ ولَمْ تَجِد مَيْدانًا خَصْبًا.
له حبيبٌ في الغربةِ مهاجرًا، وله في أرضٍ بعيدةٍ أسير. لا يُبادلهُم نظرةً ولا وسلاماً، ولا يُعبِّر لهم شُعُوراً ولا امتِنانا.
قَيَّدَهُ دفترٌ أخضرٌ حقيرٌ لِعين، حرَمه لذَّة الحَياة، وعَيَّره بالطُّفولي، ورمَاه خارِج أسْوارِ الإنسانية، واتَّهمه باللص المتسلل، لأنه سرق أملاً خبَّأه لأبنائه وهو يردد:
– لعلها تُجدِي نَفْعًا بعد سنينٍ عجاف.
قل لي برَبِّك:كيف يبتسمُ الإنسانُ بلا وَطنٍ، وكيفَ يَحْيا!؟
لا أرى وجَعًا يَبْكي مثل يُتْمِ الأوْطان مهما منَحتْنا الحياةُ من هباتٍ.
رباهُ عِوَضاً جميلاً، بعد صبرٍ دام طويلاً.
أيها القارئ:
إن لم تكن أركانيا فأعتذر إليك من كلمات غامضة قد تثير في نفسك عدة تساؤلات، وأنصحكَ بإضافة أركاني في قائمة أصدقائك، فهؤلاء يبيعون الأمل على أرصفِة الحياة بالمجان، ويُبْهِرونك بقصصٍ هولِيوُدية في الكفاح، وطقوس النجاح، إنهم يولِّدون الإلهامَ من رحم المعاناة.
وإن كنت أركانيا فأرجوك يا عزيزي لا تبك على وطنٍ وأنت خارج أسواره، فالنهوض متاح للجميع، وساعة الصفر هيَ نقطة الانطلاق في كل محاوِر الحياة.
التعليقات 2
ابراهيم مولوي نور عالم عبد الخالق
03/09/2016 في 9:33 م[3] رابط التعليق
كلماتك رهيبة ،ووصفك ما بداخلك ادق من الشعر ،كم انت بارع في بوحك أيها الاركاني !!!
هنيئا لهذا القوم بشاب مثلك .
محبك من ارض لطمت بدماء الظلم والعدوان
ابراهيم مولوي نور عالم الأركاني
نورمحمد افلاطون عضو الجالية الميانمارية
04/09/2016 في 3:29 م[3] رابط التعليق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماشاءالله تبارك الله يا استاذ عمار بدر الأركاني الله يحفظك فعلا كلماتك رهيبة ،ووصفك ما بداخلك ادق من الشعر ،كم انت بارع في بوحك أيها الاركاني !!!
هنيئا لهذا القوم بشاب مثلك .
يا ليت لو نظمت الكلمة( الروهنجي ) في هذه المقالة اللؤلؤة المنظومة كانت اروع وادق لان الكلمة الأركاني عام والروهنجي خاص ،
وشكر ؛
محبك من ارض لطمت بدماء الظلم والعدوان
نورمحمد افلاطون
عضو الجالية الميانمارية في المملكة