وكالة أنباء أراكان | الأخبار
نعرف قيمة الأوطان كلما نظرنا الي شعوب ضعيفة سلبها الاحتلال حقها في الوجود وجعلها بلا هوية، ثم أجهز علىها حرقا وقتلا كي يطردها من أرضها ولا تجد من يدافع عنها سوى قلة من الأصوات الحرة في العالم الذي تحكمه المصالح.
ونعرف معنى الضعف الإسلامي بعد أن كنا ممالك تحكم مشارق الأرض ومغاربها كلما نظرنا لهذه الأقلية المضطهدة التي تعذب وتغتصب لأنها مسلمة. أزمة الروهنغيا ليست أزمة حديثة بل هي قضية وطن محتل منذ 70 عاما. ولكن ما يعيشه الروهنغيا منذ 4 أشهر هو تصعيد خطير يحدثنا عنه صلاح عبد الشكور مدير المركز الاعلامي الروهنغي المنبر الإعلامي الوحيد الذي ينقل حقيقة ما يحدث من اضطهاد داخل ميانمار في حق مسلمي الروهنغيا في محاولة منه لإيصال صوت المستضعفين لكل وسائل الإعلام لإنقاذ من بقي منهم على قيد الحياة.
في البداية كي نفهم ما يحدث في ميانمار علىنا أن نعرف أولا ما أسباب اضطهاد مسلمي الروهنغيا رغم وجود أقليات أخري في البلاد؟
– أقلية الروهنغيا هي إثنية مستضعفة ومضطهدة من قبل دولة ميانمار التي كانت تسمي بورما سابقا منذ سبعة عقود وأكثر. هذه الأقلية ذاقت الويلات من قبل الحكومة والجيش. ويمكن تلخيص أسباب هذا الاضطهاد في ثلاثة أسباب السبب الأول: سبب ديني يعود إلى أن الروهنغيا أقلية مسلمة وتعتبر أكبر أقلية موجودة في البلاد. وهنا أصبح الخوف على الديانة البوذية واضحا في توجه الدولة والمظاهرات البوذية فهم لا يريدون أي وجود إسلامي في المنطقة.
والسبب الثاني: سبب عرقي فالأقلية الروهنغية عرقية كبيرة تتمركز في مكان يحتوي على ثروات طبيعية هائلة. وهو ما جعل الحكومة تريد أن تستأصل هذه العرقية من جذورها فهي تنفي نسبهم لوطنهم في ميانمار. بل وادعت انهم لاجئون من بنغلادش وليسوا مواطنين أصليين وهي كذبة كبيرة تناقض بها الحكومة نفسها.
والسبب الثالث للاضطهاد سبب سياسي فهم يخشون أن تقوى شوكة الروهنغيا فيصلون للحكم أو على أقل تقدير يطالبون بانفصال أراكان. كل هذه تخوفات جعلتهم ينتهجون سياسة وحشية ضد الروهنغيا الأقلية المسالمة التي تقتل وتعذب وتضطهد منذ 70 سنة.
مخيمات بنغلادش.
عدت مؤخرا من زيارة لمخيمات اللاجئين في بنغلادش.. ماذا شاهدت في المخيمات؟ وكيف يتعايش اللاجئون مع واقعهم الجديد؟
– أوضاع اللاجئين مؤسفة للغاية لأنهم هاربون من جحيم الاضطهاد ولم يكن فرارا من أجل لقمة العيش. كل من قابلتهم كان لديه مأساة حتى الأطفال الصغار. وأجريت مقابلات عديدة مع أطفال ونساء ورجال والذين تحدثوا بشكل مؤلم عما شاهدوه وعاشوه من جرائم على يد جيش ميانمار. وتلخصت في إحراق القري والمنازل ووجدت أشخاصا لا زالت آثار الحروق تغطي أجسادهم. أما إطلاق النار فكان يتم بشكل همجي وعشوائي بهدف الإبادة. كلهم قالوا بصوت واحد جيش ميانمار كانوا يريدون قتلنا وطردنا ونفينا من الوجود. وكانوا يستهدفون الرجال تحديدا حتى لا تبقى قوة لذا وجدت أن أكثر من 50% من اللاجئين من النساء والأطفال. فكنت أسال النساء أين زوجك؟ أين أخوك؟ فيجيبون كلهم قتلوا. ومن أبشع الجرائم التي وقعت خلال الأربعة شهور الماضية كان الاغتصاب الممنهج وقد أجريت مقابلات مع 15 سيدة مغتصبة من قبل الجيش. والحقيقة التي صدمتني أن الاغتصاب الوحشي تم بشكل جماعي ولم تكن حوادث فردية حتى أني وجدت فتيات مغتصبات في سن 13 عاما. وأستطيع القول إن جيش ميانمار اتخذ من سلاح الاغتصاب كعقاب للانتقام من الروهنغيا.
المخيمات هي قصة حزن وهناك حالة عوز ونقص في الخدمات الأساسية فدورات المياه على بعد نصف كيلو وتنتشر الأوبئة لأن الصرف الصحي مكشوف. أما الأكل والشرب فتوزعه المنظمات. وقد التقيت بامرأة أطفالها عرايا ويبكون. ولا يملكون ملابس وارتفعت أسعار السلع الغذائية في أسواق المخيمات.. وأغلب اللاجئين ينتظرون الوجبة التي توزعها منظمات الإغاثة المختلفة. ولاحظت أن أغلب العوائل لأيتام وأرامل والأطفال مشتتون بلا دراسة.
ما وضع الروهنغيا الذين مازالوا داخل ميانمار وهل هناك وسيلة للتواصل معهم؟
– وضعهم مقلق لأنهم خائفون من أية هجمات فهم يتلقون تهديدات من الجيش ومن الجماعات البوذية المتطرفة. وتحركاتهم أصبحت محدودة فلم يعد بإمكانهم الخروج للزراعة فهم يخافون وكثير منهم يفكرون بالهروب لأية جهة وأقرب دولة هي بنغلادش. هناك أيضا 150 ألف روهنغي وضعتهم الحكومة منذ عام 2012 في معسكرات نازحين داخل أراكان في منطقة أكياب داخل معسكر مغلق لا يخرجون للعمل أو شراء الغذاء أو أي شيء آخر. والحكومة تقول إنهم ليسوا مواطنين وفي انتظار التخلص منهم. والعدد زاد طبعا وحياتهم صعبة جداً ويعملون في الحرف اليدوية والصيد. ولا توجد داخل هذا المعسكر أبسط الخدمات وغير مسموح للصحافة بالوصول إليها. بعض القنوات دخلت ووصلتنا رسائل صوتية من داخل المخيم تحكي عن أوضاعهم الصعبة. وهناك أيضا الروهنغيا يعيشون داخل المجتمعات البوذية والجميع خائفون. أي أن أي مسلم روهنغي يخاف أن يلاحقه المجرمون في أي وقت ومكان.
ما تعليقك على مشروع قرار الأمم المتحدة من أجل الروهنغيا الذي رفضته كل من روسيا والصين وسوريا؟
– من المؤسف ما حدث فنحن الروهنغيا ننظر للدول العظمي أن لها ازدواجية في المعايير للنظر إلى الإنسان لكونه إنسانا والروهنغيا قضية عادلة، فالعالم بأجمعه اعترف أن هذه الأقلية مضطهدة والأمم المتحدة نفسها أعلنت أن الروهنغيا هم الشعب الأكثر اضطهادا في العالم. ومع ذلك نجد دولا كبرى تقف مع الظالم ضد المظلوم المغلوب على أمره.
كان ينبغي على الصين وروسيا وهي دول عظمى »ولحقت بهم سوريا للأسف الشديد»، كان يجب أن يقفوا موقفا عادلا. وسيسجل التاريخ ونحن شهود عليهم أننا ظلمنا من قبل هذه الدول ومن قبل المجتمع الدولي الذي لم يستطع مع كل هذه المظالم أن يعيد أياً من حقوق هذا الشعب.
الأزهر مع الروهنغيا.
تبنى الأزهر قضية مسلمي الروهنغيا وأقام مؤتمرات من أجلهم وأرسل مؤخرا قوافل إغاثية لمخيمات الروهنغيا في بنغلادش ويعد لقافلة جديدة ..كيف ترى دور الأزهر في هذه الأزمة؟
– الأزهر منارة إسلامية رائدة وموقف مشيخة الأزهر له صدى دولي في العالم. وقد سعدنا كثيرا وأنا هنا أتحدث باسم الروهنغيا. وموقف الأزهر مشرف سواء بيانات الإدانة وتصنيفه لما حدث على أنه تطهير عرقي ومناشدته للعالم بالوقوف مع الروهنغيا. وأيضا الجهود الخاصة بذهاب وفد من مشيخة الأزهر من طلبة العلم والدكتور عباس شومان وكيل شيخ الأزهر الذي كفكف دموع وآلام المضطهدين. وأنا شاهدت الروهنغيين وهم يبكون تأثرا بهذه الزيارة فهي لمسة أبوية حانية من إمام الأزهر وفقه الله وهي خطوة رائدة لذا نشكر الأزهر ونشكر حكومة مصر وشعب مصر على وقوفهم معنا على مدى كل الحقب الماضية ونتمنى أن يستمر هذا التواصل الإنساني الأخوي الإسلامي بما يحقق إعادة الحقوق لهذا الشعب المضطهد.
ضعف آسيان
الجميع تابع مأساة قوارب الموت المتهالكة التي هرب فيها الروهنغيا.. لماذا لم ترسل دول الجوار قوارب لإنقاذهم قبل غرق الآلاف منهم في البحر؟
– إندونيسيا وماليزيا لم توقعا على اتفاقية قبول اللاجئين دوليا وبالتالي غير ملزمة استقبال اللاجئين وإذا استقبلتهم تضعهم في أماكن احتجاز لاجئين حتى تأتي مفوضية اللاجئين وتنقلهم لبعض الدول كندا وأمريكا وهذا حدث من قبل مع مجموعات من اللاجئين في ماليزيا نقلوا إلى كندا وأمريكا.
هل توجد أية كيانات سياسية أو حقوقية للمطالبة بحقوق الروهنغيا سواء في داخل ميانمار أو خارجها؟
– في داخل ميانمار لا يستطيع 3 أشخاص من الروهنغيا الاجتماع مع بعضهم البعض وهذا قرار من الحكومة. لا يستطيعون النطق أصلا بكلمة الروهنغيا ، فوزير الإعلام الميانماري منع كل وسائل الإعلام من استخدام الكلمة. ويسمونهم بنغالة أو كالا وتعني »إنسان حقير» أو »وافد» أو »دخيل» الرئيس الميانماري السابق »ثين سين» وصف الروهنغيا بأنهم حشرات في تصريح علني. وهذا دليل على عنصريتهم البغيضة تجاه الروهنغيا. إذن فكل أشكال التجمعات غير مسموح بها وممنوعة داخل ميانمار. وكانت المدارس والكتاتيب والمساجد مراقبة حتى أغلقت بشكل نهائي. أما في الخارج فهناك منظمات كثيرة تتبنى القضية ولكنها غير رسمية لأن الروهنغيا مثل الطفل اليتيم الذي فقد أباه ، فلا دولة تساند وحتى المجتمع الدولي يصنفهم أنهم عديمو الجنسية ليس لديهم مواطنة. ولكن منظمة التعاون الإسلامي أسست اتحاد سمي اتحاد روهنغيا أراكان وتأسست أمانة لهذا الاتحاد وهو المركز الروهنغي العالمي الذي نعمل فيه. والذي انطلقت منه كل الأنشطة الإعلامية والإنسانية والتعليمية.. ويمكن القول إن المنظمات تعمل وهي مشتتة وتعمل بمفردها وهو أمر لا يليق بأزمة 3 ملايين روهنغي مضطهدين. وهي منظمات ضعيفة لذا نطالب الدول خاصة الدول الإسلامية أن تتبني هذه المنظمات. فهي تحتاج لتمويل وبناء كوادر وبناء قيادات لتقود.. فعلى الدول التي تريد نصرة الروهنغيا أن تدعم هذه الاتحادات حتى تقوي نفسها.
لماذا لا تتوحد هذه الكيانات تحت مظلة كيان واحد لإثارة المشكلة عالميا وعربيا ؟
– هذا حدث بالفعل في اتحاد روهنغيا أراكان وهو الكيان الرسمي الآن في العالم ولكنه يحتاج إلى الدعم. والمنظمات الموجودة مهلهلة وعملها غير فعال. لذا هو يعتبر الممثل الشرعي للروهنغيا في العالم. وهو غير ممول ومقره في جدة ورئيسه هو الدكتور وقار الدين وهو أستاذ جامعي أمريكي روهنغي الأصل ويقوم بجهود في أمريكا من أجل الروهنغيا ونتمنى أن يقوى هذا الكيان من أجل دور أكثر تأثيرا في العالم.
ما الخطة الإعلامية التي وضعتموها في وكالة أراكان لمواجهة هذه الجرائم والهجمة الشرسة على مسلمي الروهنغيا؟
– الفترة القادمة سيكون التركيز على قضية اللاجئين في أراكان تقريبا أخليت بنسبة 70% ولم يبق من الروهنغيا داخل ميانمار سوي أعداد قليلة. ونحن مهتمون بوضع اللاجئين خاصة في بنغلادش إضافة إلى بناء الشركات مع وسائل الإعلام العربية والدولية لأنها أصبحت شريان القضية لأنه كلما وقع حدث يتحرك الجميع وهو الصوت الوحيد وإعلام المستضعفين الروهنغيا. ونحاول في الفترة القادمة عمل منظومة من الإعلام الدولي المهتم بالقضية. وأحب هنا أن أشكر صحيفة الأخبار على جهدها في مساندة قضية الروهنغيا وتستحقون كل أوسمة الشكر والتقدير.
هل هناك توجه لمخاطبة الرأي العام العالمي باللغات الأجنبية من أجل الحصول على المزيد من الدعم والتأييد لقضية الروهنغيا؟
موضوع اللغات الأجنبية مهم للغاية ولدينا عجز كبير. ففي الوكالة ننطق بأربعة لغات هي العربية والأنجليزية واللغة الروهنغية واللغة الأوردية. ونحتاج لتضافر جهود كل الدول ليكون هناك إعلام مستمر للروهنغيا متعدد اللغات وهو عبارة عن ترجمات بسيطة وهي ايضا تحتاج لإمكانيات مادية كي تستمر. وللأمانة أننا نلاحظ أن الشعوب كلها متعاطفة معنا ويساعدوننا من باب إيمانهم بالإنسانية. وهناك شرفاء في العالم العربي والإسلامي يدعموننا باستمرار.
تحدثت عن الوثائق التاريخية التي تثبت أحقية الروهنغيا في الوجود على أرض أراكان.. من يمتلك هذه الوثائق؟
– الوثائق التاريخية هي شواهد موجودة في أراكان حتى الآن وكثير منها أحرق. من بينها مساجد تاريخية. فكان هناك مساجد عمرها أكثر من900 سنة. وهناك العملات التي كانت مستخدمة وهي موجودة لدي الروهنغيين ومنها عملة مملكة أراكان مكتوب عليها لا إله الا الله وأسماء الخلفاء الراشدين ومعترف بها دوليا. وهناك الوثائق النادرة يملكها بعض الأشخاص. وهناك وثائق تم تصويرها وتوثيقها وهناك دلائل أن الروهنغيين كانوا في الجيش. هناك حفظ صوري أما الوثائق نفسها فهي غير موجودة.