وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
يقول ماونغ زارني، وهو باحث بوذي شارك بتأسيس “تحالف الروهنغيا الحر” (منظمة أهلية)، إن قضية أقلية الروهنغيا المسلمة في ميانمار ليست صراعا بين “المسلمين مقابل البوذيين”، وإن “جرائم الإبادة الجماعية ضد الروهنغيا ترجع إلى ترويج حملة كراهية مؤسسية قائمة على الجهل”.
ويضيف زارني (56 عاما)، في مقابلة مع الأناضول، أنه “تم تأسيس حملة من الجهل في البلاد (ميانمار)، من خلال المدارس ووسائل الإعلام والمنظمات البوذية ضد مسلمي الروهنغيا، لتبلغ ذروتها في الإبادة الجماعية”.
ويتابع زارني، وهو ناشط من عائلة ميانمارية بوذية وداعم لحقوق الروهنغيا: “جعلوا شعب ميانمار جاهلا بالحقائق عن الإسلام والمسلمين”.
ويردف: “لا يوجد سبب لاستهداف حكومة ميانمار للروهنغيا، فهم لا يطالبون بالانفصال أو الاستقلال أو حتى الحكم الذاتي الإقليمي، بل يريدون العيش بسلام في ميانمار، مثل أي شخص آخر”.
ويوضح أن “البوذيين في إقليم أراكان غربي البلاد، هم من يقاتلون الحكومة المركزية من العرق البورمي، لاستعادة سيادتهم التي فقدوها منذ 200 عام، ليصبح الروهنغيا محاصرين بين الحزبين البوذيين المتحاربين”.
ويشدد على أن “هذا هو الصراع الوحيد هناك”، والعالم لا يعرف هذه الحقائق، ويميل إلى التركيز على “نموذج المسلمين مقابل البوذيين”، لاستغلال أسطورة “الصراع الديني أو صراع الحضارات” لصالح “الإسلاموفوبيا”.
ويزيد بأن جيش ميانمار يستغل أيضا التنافس الاستراتيجي بين الصين والهند، فهو “يلاعب الهند والصين ضد بعضهما البعض، للحفاظ على منافع تحالفه مع كليهما”.
وحول الاحتجاجات العالمية ضد العنصرية، يعتبر زارني أنها “أكثر من مجرد انتفاضة؛ لأنها أثارت وعيًا عالميًا جديدًا بين غير السود، بأن هناك خطئًا جوهريا يجب إصلاحه”.
ويرى أن “الخوف والكراهية، المؤديان إلى العنصرية، متجذران في الجهل، الذي يتم تلقينه في المدارس، ويروج له السياسيون الديماغوجيون والقادة الدينيون، وتضخمه وسائل الإعلام”.
ونتيجة لحملات الجهل و”الإسلاموفوبيا”، أصبح شعب ميانمار يؤيد اضطهاد والتخلص من مسلمي الروهنغيا، وهو ما يصب لصالح السلطات التي “تستولي على الأراضي المهجورة والمستودعات وغيرها، التابعة لهم (المسلمين)”، بحسب زارني.
ويتابع: “رغم سيطرة منظمات إثنية مسلحة، أغلبها بوذية، على قرابة ربع البلاد، فإن الحكومة تنتهج التمييز ضد الروهنغيا؛ خشية أن يكونوا وكلاء لبنغلادش المجاورة، أحد أكبر الدول المسلمة في العالم، بهدف السيطرة على أراكان”.
ويشير إلى أن “العسكريين السابقين في ميانمار كانوا يرون مسلمي الروهنغيا جزءًا من الشعب، إلا أنه منتصف الستينيات (من القرن الماضي) قرر الجنرال ني وين التخلص منهم، لكيلا يصبحوا وكلاء لبنغلادش، المعروفة آنذاك باسم “باكستان الشرقية، لتكون تلك بداية سياسة الإبادة العرقية”.
ويوضح زارني أنه “يوجد حوالي 16 نوعًا مختلفًا من مجتمعات المسلمين (في ميانمار)، إلا أن الروهنغيا هم الذين يخضعون فقط للإبادة الجماعية، كونهم يمتلكون جيبًا جغرافيًا استراتيجيًا يسمونه أرض أجدادهم، يقع بين ميانمار وبنغلادش”.
ويستنكر الرجل مماسارت جيش ميانمار بحق الروهنغيا، والتي أسفرت عن طرد مليون لاجئ في السنوات العشر الماضية.
وينتقد بعض المواقف الدولية من مأساة الروهنغيا بقوله: “يجب علينا الحديث هنا عن التنافس الرأسمالي، فأنا لا أرى الفضيلة في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي عندما تعرب عن قلقها إزاء سلامة شعب الروهنغيا أو الأزمة الإنسانية للاجئين”.
وحول حكم محكمة العدل الدولية بضرورة اتخاذ ميانمار تدابير مؤقتة لحماية الروهنغيا من الإبادة الجماعية، يرى زارني أنه “يثبت أحقيتهم للحماية بموجب القانون الدولي، كما أنه يجبر ميانمار على المثول للقانون، ويمنع عمليات القتل الجماعي في المستقبل”.
ويتابع: “هذه التدابير المؤقتة تهدف للحفاظ على مسرح الجريمة والأدلة، وكذلك حماية مسلمي الروهنغيا الموجودين هناك، الذين يقدر عددهم بنحو نصف مليون”.
** تهديدات بالقتل
ويكشف زارني عن أنه “يوجد عدد متزايد من الشباب البوذيين، وحتى الرهبان، في ميانمار، الداعمين للروهنغيا، لكن بعضهم خائف من استهداف العنصريين العنيفين لهم، كما أن الدولة والجيش يعملان على تكميم أصوات هؤلاء الناشطين”.
ويستطرد الباحث البوذي، وهو مقيم حاليا في المملكة المتحدة، بالقول: “بدأت الكتابة عن قضية الروهنغيا، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، أي قبل حوالي ستة أشهر من أول موجة من العنف الجماعي المنظم ضد مسلمي الروهنغيا في أراكان”.
ويشرح قائلًا: “كنت أراقب تصاعد خطابات العنف لدى الميانماريين في غرف الدردشة ووسائل التواصل الاجتماعي”.
ويفيد بتلقيه ردود أفعال سلبية وتهديدات من المؤسسات الميانمارية، أدت إلى تقديمه استقالته من جامعة “بروني دار السلام”، في يناير/ كانون الثاني 2013، عندما طلبت منه إدارة الجامعة أن لا يتحدث إلى وسائل الإعلام في سنغافورة أو في أماكن أخرى.
ورغم انتقاله إلى ماليزيا، التي أشار إلى أنها بلد داعم، إلا أنه تعرض لتهديد بالقتل ممن وصفهم بـ”البلطجية” الميانماريين هناك، وبناء عليه انتقل مع عائلته إلى المملكة المتحدة، لكن سلسلة الحملات ضده لم تتوقف، واستمرت في وصفه بأنه “خائن للوطن وعدو للدولة”.
** حماية صينية- روسية
وبشأن النهج الصحيح الذي يمكن أن تضغط به الأمم المتحدة على حكومة ميانمار، يقول زارني إن الضغط الحقيقي، الذي سيشعر به جيش ميانمار، هو تفعيل الفصل السابع (من ميثاق المنظمة الدولية)- التهديد باستخدام التدخل السياسي والعسكري، في وضع يمكن اعتباره “عدم استقرار”.
ويضيف أن “مجلس الأمن وحده هو الذي يستطيع ممارسة ضغط حقيقي على جيش ميانمار الواثق بالضمانات التي تلقاها من الصين، وبدرجة أقل من روسيا”.
وقد استخدمت الصين حق النقض (الفيتو- لمنع أي إدانة لميانمار في مجلس الأمن)، لذا تتمتع ميانمار بحماية مزدوجة (صينية- روسية) في المؤسسة الدولية الوحيدة التي يمكنها إنهاء الإبادة الجماعية، بحسب زارني.
ويشير إلى أن موسكو تعتبر اضطهاد حكومة ميانمار لمسلمي الروهنغيا “عملية لمكافحة الإرهاب”، فيما تراه بكين “شأنا داخليا”.
** دعم تركي قوي للروهنغيا
من حيث حجم التمويل، فإن الولايات المتحدة وكندا هما المساهمان الأول والثاني لمعالجة الوضع الإنساني للروهنغيا، سواء داخل ميانمار أو في مخيمات اللاجئين الروهينغا بمنطقة “كوكس بازار” البنغالية. كما قدمت بريطانيا مساهمة مالية كبيرة.
ويقول زارني إن “تركيا داعم قوي لقضية مسلمي الروهنغيا، لكنها واجهت بعض التراجع”.
ويتابع: “على حسب فهمي، فقد أرادت تركيا بناء بنية تحتية مادية أفضل، من حيث أماكن إقامة اللاجئين في كوكس بازار، لكن الحكومة البنغالية لا تريد أن تصبح الظروف المعيشية مريحة جدا للروهنغيا، فهدفهم هو التأكد من عودة مليون لاجئ منهم إلى أراكان”.
واختتم حديثه بالقول: “نتطلع إلى مزيد من الدعم التركي لمسلمي الروهنغيا، من حيث التعليم وزيادة عدد الطلاب الذين تساعدهم داخل بنغلادش أو على الأراضي التركية”.
و”تحالف الروهنغيا الحر” هو شبكة دولية من اللاجئين الروهنغيا والأصدقاء الدوليين، يعملون معًا لإنهاء الإبادة الجماعية في ميانمار، وبناء مستقبل مستدام للناجين من الاضطهاد، وفق الموقع الإلكتروني للتحالف.