[caption id="" align="alignleft" width="300"] مشكلات اضطهاد المسلمين في بورما[/caption]
تفجرت مأساة المسلمين في بورما عبر موجة اضطهاد جديدة تدمي قلوب المسلمين في كل مكان، لأن ما تسعى إليه الحكومة البوذية هو اقتلاع المسلمين من بورما حتى تصبح دولة بوذية خالصة تماماً، كما يريد اليمين المتطرف في أوروبا أن يتخلص من العرقيات والألوان والشرائع المختلفة، ووصل البؤس حد التطهير الديني والعرقي المباشر على يد الكهنة والحكومة العسكرية. وتواصل الحكومة الانقلابية العسكرية في بورما (ميانمار) سياسة اضطهاد الجالية الإسلامية فيها، والتي تسمى عرقياً «الروهينجيا»، بل تفاقم الموقف بعدد من التطورات، أخطرها أن القيادات البوذية التي تقوم عقيدتها على الرحمة بالإنسان أياً كانت عقيدته وجرمه، طالبت علناً وفي مظاهرات كثيفة بإبعاد هذا الجزء الإسلامي من المجتمع البورماني الذي عاش معهم لآلاف السنين، كذلك يشكو المطرودون وعددهم لا يقل عن ربع عدد المسلمين في بورما المقدر بحوالي مليون نسمة من المعاملة القاسية للدولة الوحيدة الإسلامية المجاورة وهي بنجلاديش، وهو أمر محزن لا علاقة له بفقر الموارد. أمام هذه الصور البشعة، أصدر المجلس الدولي لحقوق الإنسان تقريراً عن بعثة لتقصي الحقائق أدان فيه نظام بورما، كما أدانته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها (55) في دورتها 66 في 28/10/2011م، ولا يزال البند على جدول أعمالها في هذه الدورة، كما أثرنا الموضوع نفسه في ورشة عمل المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الرباط الأسبوع الماضي. وقد انشغلت بعض الدول الإسلامية بهذه القضية الخطيرة، وساهمت جمعياتها في أعمال الإغاثة أو الاطلاع على جوانب المأساة. أما المملكة العربية السعودية فقد انشغلت بهذه القضية الإسلامية في علاقاتها المتشعبة وفي إطار منظمة التعاون الإسلامي، وكان أحدثها اللقاء الذي عقد في إسطنبول في الأسبوع الأول من أكتوبر الجاري بترتيب من الهيئة الإسلامية العالمية للمحامين المنبثقة من رابطة العالم الإسلامي، والتي أتشرف بعضويتها، في هذا اللقاء الذي ضم ممثلي معظم المنظمات الإسلامية والدولية بما في ذلك هيئة علماء المسلمين، وممثلي الجالية الإسلامية في بورما، حيث اطلع الحاضرون على واقع المأساة من أفلام تسجيلية وشهادات حية لذوي القتلى والمعتقلين وغيرهم. قدمتُ في هذا اللقاء عدة أبحاث وأوراق حول مأساة المسلمين في بورما في نظر القانون الدولي، وما يجب عمله إزاء هذه المحنة. وكان واضحاً أن تجدد محنة المسلمين في بورما قد تزامنت مع تطورات تسيء إلى القرآن الكريم ورسول الأمة الأمين طوال هذا العقد، وأن ضعف شوكة المسلمين يؤدي إلى استضعافهم في الدول التي يمثلون فيها أقلية، فبعد محنة الحادي عشر من سبتمبر التي يجب التحقيق فيها على المستوى الدولي، عرف العالم الإسلامي محناً أخرى تابعة لها نالت من التاريخ والموارد والشعوب، وعمت فتن الإرهاب والعدوان والاحتلال، واختلت موازين القوى بين الدول الإسلامية ذاتها خاصة في منطقة الخليج، وانفتحت محرقة سورية التي تضر ضرراً بالغاً بالشعب والوطن السوري والعالمين العربي والإسلامي، وقد صار واضحاً أن ضعف وانشغال الدول الإسلامية يضعف مركزها الدولي، كما يغري بأقلياتها الإسلامية. انتهى اللقاء إلى عدد من التوصيات وتداول العديد من الأفكار والمقترحات التي تهدف جميعاً إلى إعادة اللحمة داخل المجتمع البورمي وتثبيت الجزء الإسلامي منه، لأن اشتراك القيادات الدينية البوذية في المطالبة باقتلاع المسلمين من بورما حتى تصبح بورما دولة بوذية مغلقة عليهم هو اتجاه خطير أدى إلى التطهير الديني والعرقي للمسلمين في بورما وقبلها في البوسنة والهرسك وكوسوفا. وقد تراوحت التوصيات بين مساندة اللاجئين المسلمين والتخفيف من معاناتهم والضغط على الحكومة من الدول المجاورة والدول الإسلامية، لأنها ترتكب جريمة الإبادة الجماعية للمسلمين، وهي حكومة عسكرية منبوذة أصلاً وتخضع لعقوبات المجتمع الدولي، ولكن الدول الإسلامية تستطيع أن تمارس ضغوطاً إضافية ضد بورما والقيادات العسكرية والدينية وعزلها ومنعهم من التنقل والسفر أو العمل في الدول الإسلامية، مطلوب من المجتمع الدولي أن يحمي قيم هذا المجتمع وأهمها حق الجميع في أن يعيش في وطنه في إطار الحماية القانونية الوطنية والدولية، وألا يتم استبعاد أحد عن دائرة الوطن مهما كانت الأحقاد الدينية أو الإنسانية، فالوطن للجميع.
المصدر/ المجتمع