وكالة أنباء أراكان ANA | الوفد
في وقت تعلو خلاله نغمة “الإسلاموفوبيا”، ويحبس الجميع أنفاسه تجاه عاصفة الاضطهاد التي ينتظرها مسلمو أوروبا، بعد التغييرات العديدة التي شهدتها القارة العجوز مؤخرًا، هناك فئة مسلمة أخرى كانت ولازالت تتعرض لأبشع الانتهاكات، لا ينظر لها العالم.
هم مسلمو ميانمار، ذات التعدد العرقي الكبير، التي تشهد حاليًا أقليتها المسلمة المعروفة باسم “الروهنغيا” انتهاكات عدة، وصفها البعض بعمليات التطهير العرقي، من قبل قوات الأمن الميانمارية، التي قامت بعمليات قتل وذبح واغتصاب خلال اليومين الماضيين، وفقًا لروايات الفارين من الجحيم هناك.
وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو صادم لجثة فتاة من أقلية “الروهنغيا” تمكن ذووها من دفنها بعد مرور أسبوعين على مقتلها على يد جيش “الميانماري”؛ لأن الجيش يستهدف كل من يقوم بدفن جثث المسلمين.
وإزاء ذلك، اتهمت ماليزيا الحكومة في ميانمار بشن حملة تطهير عرقي ضد تلك الأقلية في ولاية “أراكان”، مؤكدة أن مئات الآلاف من مسلميها فروا إلى الدول المجاورة، بمن فيهم 56 ألف شخصًا إلى ماليزيا وحدها.
وأضاف بيان الخارجية الماليزية أن ذلك يعني أن القضية لم تعد قضية محلية بل أصبحت قضية دولية، في إشارة إلى اعتبار السلطات في ميانمار لما يجري ضد “الروهنغيا” أمرًا محليًا.
ومن جانبها، أكدت منظمة التعاون الإسلامي، على لسان أمينها العام “يوسف العثيمين”، أنه لا بد لحكومة ميانمار أن تتخذ خطوات واضحة وحازمة لوقف العنف واستعادة الهدوء في الإقليم، وأن من واجب الدول الأعضاء، العمل على حماية حقوق الجماعات والمجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء وصون كرامتها وهويتها الدينية والثقافية.
ودعا الأمين العام الدول الأعضاء إلى إثارة محنة أبناء “الروهنغيا” مع حكومة “ميانمار” في كل فرصة والإبقاء على هذه المسألة قيد نظرها، مجددًا مناشدة منظمته بالسماح لوكالات المساعدة الإنسانية بالدخول إلى المناطق المتضررة لتقديم المساعدات الإغاثية للضحايا.
لـ”ميانمار” باع طويل في مذابح المسلمين، والانتهاكات التي تجرى يوميًا ضدها، إلا أن أول اضطهاد للمسلمين ظهر عام 1550- 1589، إبان عهد الملك “باينتوانج”، الذي حظر ممارسة الذبح الحلال للدجاج والمواشي بسبب التعصب الديني.
وأجبر بعض الرعايا للاستماع إلى الخطب والمواعظ البوذية مما يجبرهم لتغيير دينهم بالقوة، ومنع أيضًا عيد الأضحى الخاص بالمسلمين، ومنعهم من ذبح الأضاحي من الماشية والأغنام في الأعياد والأيام العادية.
وجاء من بعده الملك “ألاينجبايا”، من عام 1752 إلى عام 1760، فلم يختلف عنه كثيرًا إذ منع الذبح والأكل الحلال على المواشي، واضطهد المسلمين بشكل خاص ومنعهم من أداء شعائرهم الدينية والصلاة والصوم.
وفي عهد الملك “بوداوبايا” أعوام 1782 إلى 1819، قبض على أربعة أشهر أئمة مسلمين في ميانمار، وقتلهم في العاصمة “أفا” بعد رفضهم أكل لحم الخنزير، ومرت على البلاد سبعة أيام مظلمة بعد إعدام الأئمة؛ ما أجبر الملك على الاعتذار وإصدار مرسوم باعتبارهم أولياء صالحين.
“الحكم البريطاني”
وحين وقعت ميانمار تحت الانتداب البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية، لم يختلف الأمر كثيرًا، إذا كان في ميانمار نصف مليون مسلم، ونصف الهنود الموجودين فيها كانوا مسلمين، ووضعهم البوذيون في خانة واحدة.
وفي عام 1930، اندلعت مظاهر الاضطهاد ضد الهنود المسلمين، وبدأت أول مذبحة في ميناء “يانجو” حين وظفت شركة بريطانية للتحميل والتفريغ المئات منهم للعمل بنظام السخرة، وعندما أضرب هؤلاء العمال، ما كان من الشركة إلا أن وظفت عمالًا من البورميين.
لذا فقد استسلم الهنود وأنهوا إضرابهم، وفي اليوم التالي عندما جاء العمال البورميون ليعملوا رفضت الشركة البريطانية استخدامهم متعللة بأنها لم تعد بحاجة إلى خدماتهم، فتعارك بعضهم مع نظائرهم الهنود، ومات نحو 200 مسلم قذفوا في الأنهار.
وقيل إنها مؤامرة دبرت من بريطانيا لضرب المسلمين بالمسلمين، لاسيما أنها أمرت بعد ذلك بإطلاق النار على أي تجمع لأكثر من 5 أشخاص ممن يرفضون إلقاء السلاح، وكان يوم 26 مايو يومًا أسودًا، ففي غضون يومين امتدت أعمال الشغب ضد المسلمين بدعوى هذا الأمر.
“مذبحة 1938”
وفي عام 1938، اندلعت أعمال شغب معادية للمسلمين، بتخطيط من الإعلام البريطاني الذي قام بالتحريض ضدهم وإلهاب مشاعرهم، حتى خرجوا ينددوا بالحكم البريطاني، فأطلقت الحكومة البريطانية كامل آلتها العسكرية لمواجهة أعمال الشغب بالقوة وقتلت الكثير من المسلمين.
“حكم ني وين”
ازدادت أحوال المسلمين سوءًا مع وصول الجنرال “ني وين” إلى السلطة عام 1963، وسط موجة من النزعة القومية، فتعرضوا للتهميش والإقصاء وطردوا من الجيش، ووصف البوذيون وهم الأغلبية الدينية في ميانمار المسلمون بأنهم “قاتلو البقر” .
“البوذيون”
وقعت مجزرة أخرى عام 1997 ، على يد البوذيين الذي تجمعوا وهتفوا بشعارات مضادة للمسلمين، فاستهدفوا في هجومهم المساجد أولًا، ثم تلاها ممتلكات المسلمين من منازل ومتاجر وعربات نقل في الأماكن القريبة من المساجد.
“أحداث توانجو”
وتسبب رهبان بوذيون في مذبحة أخرى عام 2001، حين وزعوا في جميع الأنحاء كتيب يسمى: “الخوف من ضياع العرق” وغيرها من المنشورات المناهضة للإسلام، وطالبوا بتدمير مساجد المسلمين، واندلعت أعمال شغب بينهم في “توانجوا”.
كانت الحصيلة مقتل أكثر من 200 مسلم وتدمير 11 مسجدًا وإحراق أكثر من 400 منزل، وفي نفس اليوم تعرض 20 مسلمًا كانوا يصلون في مسجد “هان ثا” لإطلاق النار من القوات الموالية للمجلس العسكري فقتل بعضهم ومن نجا من ذلك فقد تعرض للضرب حتى الموت.
“مسلمو ميانمار يتآكلون”
المذابح القدمية والحالية، أعطت مؤشرات مخيفة حول تراجع أعداد المسلمين في ميانمار، إذ أصدرت الحكومة الميانمارية في العام الحالي، بيانات التعداد السكاني الخاصة بالدين والعرق لعام 2014، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ 33 عامًا.
وأظهرت تلك البيانات تراجعًا في نسبة مسلمي البلاد، من 3.9% من إجمالي تعداد السكان لعام 1983، إلى 2.3%، في حين لم يشمل التعداد حوالي 1.2 مليون نسمة من مسلمي “الروهنغيا”.
وأشارت نتائج التعداد إلى أن المسلمين المسجلين، يقدرون بمليون و147 ألف و495 نسمة، من تعداد سكان البلاد البالغ 51.5 مليون نسمة.