بقلم: فدوى حلمي
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
كانت ميانمار قبلة التجار اليهود في أوائل القرن التاسع عشر، وتقول المصادر التاريخية إن الجالية اليهودية هناك نعمت بالازدهار في ظل الاستعمار البريطاني، وقد هاجر معظم اليهود من ميانمار عقب غزو القوات اليابانية.
حليف استراتيجي أم مستعمرة صهيونية؟!
أولت الدولة الصهيونية "إسرائيل" منذ احتلالها لفلسطين اهتمامًا خاصًا بدولة ميانمار التي بادلتها الاهتمام ذاته، ففي عام 1955 زار "يو نو" رئيس وزارء ميانمار "إسرائيل" لتكون أول زيارة في التاريخ لزعيم آسيوي وسط محاولات سياسية في آسيا لعزل "إسرائيل" عن المجتمع الدولي، كما أرسل "يو نو" آنذاك المئات من طلاب ميانمار وضباط الجيش الميانماري إلى "إسرائيل" للدراسة والتدريب، وعقد صفقة شراء طائرات حربية مستعملة ومدافع رشاشة وذخائر مع الجيش الصهيوني. وأرسلت "إسرائيل" فريقًا من الطيارين إلى العاصمة "رانغون" لتدريب القوات الجوية للجيش الميانماري هناك، وكان لـ"يو نو" جهوده المكثفة لمحاولة إشراك "إسرائيل" في مؤتمر "باندونغ" في إندونيسيا عام 1955 بحضور تسعة وعشرين دولة إفريقية وآسيوية واُعتبر النواة الأولى لبروز حركة عدم الانحياز، إلا أن جهود "يو نو" باءت بالفشل من مخاوف مقاطعة الدول العربية.
وفي عام 1958 زار شمعون بيرز وموشيه ديان، ميانمار للالتقاء بـ"ني وين" القائد العسكري ورئيس وزارء ميانمار المؤقت آنذاك، والذي أبلغهم بدعمه القوي لدولة "إسرائيل"، وأرسل 80 جنديًا لتعلم آليات تطوير الزراعة والغذاء في المستوطنات الصهيونية، وفي عام 1961 زار ديفيد بن غوريون ميانمار مرتديًا القبعات الميانمارية المحلية في صورة اُعتبرت تاريخية.
كما زار شمعون بيرز وموشيه ديان وإسحاق بن زافي وغولدا مائير، ميانمار، في الستينيات، أما في السبعينيات فقد تلقى ضباط الاستخبارات الميانمارية تدريبات من قبل الموساد، ووطدت "إسرائيل" علاقاتها بميانمار واستطاعت جعل ميانمار مقر إدارة سياستها الخارجية في آسيا، وفي الثمانينيات منحت الحكومة الميانمارية شركة الاتصالات الإسرائيلية "تيلراد" عقدًا بقيمة خمسة ملايين دولار لتثبيت الهواتف العمومية في البلاد.
توسعت نشاطات "ماشاف" في ميانمار وهي الوكالة الإسرائيلية للتعاون في التنمية الدولية لتشمل عقد دورات تدريبية مع وزارة الزراعة والري وتوسعت في تنمية التجارة والعلوم والتكنولوجيا والصحة والتعليم في رانغون، كما تم توقيع وثيقة تفاهم مع اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية والحكومة في ميانمار، بالإضافة إلى توقيع مشروع اتفاق في مجالي الثقافة والرياضة في وزارة الثقافة الميانمارية مع "إسرائيل"، كما تم اعتماد الإعفاء من التأشيرة لحاملي الجوازات الرسمية والدبلوماسية بين البلدين.
مَن يتحكم بالجيش في ميانمار؟
عقب الانقلاب العسكري الذي وقع عام 1988 في ميانمار، أفادت التقارير بأن مصنعي الأسلحة الإسرائيليين عقدوا صفقات بيع مدافع رشاشة ومدافع "هوتزر 150ملم" للنظام العسكري وأرسلوا شحنات سلاح عدة.
في عام 1995 افتتحت شركة "كور" للصناعات المحدودة فرعًا لها في ميانمار، تُعرف الشركة بصناعاتها العسكرية وخاصة تلك المتعلقة بتكنولوجيا التجسس، كما وسعت شركة تليراد عملياتها في عام 1996 لتشمل توفير أنظمة الاتصالات الرقمية على مستوى البلاد.
في شهر آب لعام 1997 كشفت وزارة الدفاع الصهيونية بأن شركة "إلبيت" الصهيونية حظيت بعقد تطوير الطائرات المقاتلة للجيش في ميانمار، وتطورت العلاقات العسكرية والاستخباراتية بين ميانمار و"إسرائيل" بحيث أصبحت الأخيرة الشريك الوحيد والاستراتيجي لتقوية وتطوير البنية العسكرية في ميانمار برًا وجوًا وحتى بحريًا، في حالة يمكن بها وصف ميانمار بإحدى القواعد العسكرية لـ"إسرائيل" في العالم.
وفي عام 2000 وفي خضم انتفاضة الأقصى سارعت حكومة ميانمار لإتمام صفقات سلاح عدة مع الجيش الإسرائيلي فاشترت طائرات "الدرونز" بالإضافة إلى ترسانة صواريخ "بايثون-4"، وفي عام 2015 زار رئيس أركان الجيش في ميانمار الجنرال "مين أونغ هلينغ" الدولة الصهيونية في أول زيارة رسمية من هذا المستوى منذ 55 عامًا لمناقشة تطوير التعاون الأمني بين البلدين عسكريًا واستخباراتيًا. أجرى الجنرال جولة في القاعدة البحرية لميناء أشدود وفي القاعدة الجوية لبالمشيم، والتقى بشركات تصنيع السلاح الصهيونية لإتمام صفقات شراء زوارق حربية ومدافع رشاشات وسيارات مدرعة.
مؤخرًا عملت شركة TAR الصهيونية المختصة في التدريب الأمني والعسكري على تدريب القوات الخاصة الميانمارية في ولاية "أراكان" التي شهدت أعنف سلسلة مجازر بحق المسلمين هناك، وفي شهر كانون الأول لعام 2016 توجه محامي إسرائيلي وناشط حقوقي إسرائيلي برفع خطاب إلى وزارة الدفاع الصهيونية لحثها على وقف إرسال شحنات السلاح إلى الجيش الميانماري لأنها تُستخدم في إبادة المسلمين هناك، وجاء في خطابهما: "من المثير للدهشة أنه وبينما تكافح دولة "إسرائيل" لاستمرار فرض العقوبات ضد إيران إلا أنها ليس لديها أي مخاوف بشأن تجاهل العقوبات الأمريكية وتلك الصادرة عن الاتحاد الأوروبي ضد الحكومة في ميانمار بسبب أشد الجرائم التي تُرتكب هناك".
رفضت الحكومة الصهيونية وقف إرسال الدعم العسكري بشتى أنواعه للمجرمين في الجيش الميانماري، وأوضحت وزارة الدفاع الصهيونية بأن السلطة القضائية لا اختصاص لها في هذه القضية تحديدًا، ومبيعات الأسلحة إلى ميانمار كانت ضمن إطار العلاقات الدبلوماسية. هذا الموقف من دولة الاحتلال الصهيونية لم يكن مفاجئًا بحسب "بيني جرين" مدير المبادرة الدولية لمكافحة الجريمة في كلية الملكة "ماري" في جامعة لندن، وسوغ عدم تفاجئه بالموقف الصهيوني بقوله: "سجل العنف والإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة دليل واضح على أن الحكومة الإسرائيلية لا تكترث بالمخاوف الأخلاقية وحقوق الإنسان".