بقلم: د. محمد نعمان جلال
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
تحدثنا في المقال السابق عن أنه منذ عام 2015 طور الجيش الميانماري قمعه للروهنغيا من مجرد الاضطهاد والقمع إلى التطهير العرقي؛ بدعوى أنهم لا ينتمون إلى أهالي ميانمار، وذكرنا أربع نقاط لفهم تلك المشكلة التي يجب البحث عن جذورها.
أما النقطة الخامسة فهي: تعرض المسلمين الروهنغيا الذين حاولوا الهروب إلى بنغلاديش المجاورة لقمع من حرس الحدود في بنغلاديش، وللحصار على ضفة نهر "ناف" الفاصل بين ميانمار وبنغلاديش، ونجح ما بين 300 ألف إلى نصف مليون لاجئ لدخول بنغلاديش، وقد اقترحت بنغلاديش تشكيل قوات مشتركة مع ميانمار؛ للتعامل مع المشكلة، كما اقترحت تركيا تحمل تكاليف اللاجئين في بنغلاديش، ومن ناحية أخرى رفضت ماليزيا السماح بدخول الروهنغيا إلى أراضيها، مثلما رفضت بنغلاديش، إلا من تمكن من الفرار من قمع ميانمار إلى أراضي الدول المجاورة .
النقطة السادسة: تعد الصين أكثر الدول نفوذًا في ميانمار، وتتعاون الشركات الصينية في استخراج الغاز الموجود في إقليم راكان الذي تقطنه الأقلية المسلمة الروهنغية، وصراع الأقليات في تلك المنطقة يهدد مصالح الصين؛ ولهذا ترفض الأخيرة أي ضغوط ضد حكومة ميانمار، برغم رفض تلك الحكومة الاعتراف بأن الروهنغيا ينتمون إلى بورما القديمة، ومن ثم لا ينتمون لميانمار.
النقطة السابعة: أخيرًا في خلال أغسطس وسبتمبر 2017 تحركت الدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا للضغط على ميانمار، كما أصدرت منظمة التعاون الإسلامي والأزهر الشريف، وبعض الدول الإسلامية والعربية بيانات إدانة ضد قمع مسلمي الروهنغيا، ولكن كل ذلك لم يؤت ثماره لاستمرار موقف ميانمار الرافض الاعتراف بالروهنغيا أنهم من أصول ميانمارية، ويلاحظ أن المنظمات الحقوقية الدولية غير فعالة في الدفاع عن حقوق الروهنغيا، ونشاط منظمات الإغاثة محدود، وكذلك دور الأمم المتحدة، أما دور الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، فلا يتعدى سوى بعض بيانات إدانة باهتة لا تأثير فاعل لها .
ومن هنا نخلص إلى أن مأساة المسلمين الروهنغيا وقعت بين فكي الرحى، قمع وإبادة النظام، وتجاهل المجتمع الدولي؛ بما في ذلك الدول العربية والإسلامية الكبرى، ومنظمة التعاون الإسلامي، بل وأيضا الفهم الخاطئ للإسلام؛ انطلاقًا من تأثير الحركات في باكستان وأفغانستان والحركات المتوحشة التي تدعي الانتماء للإسلام؛ مثل "داعش" التي تطلق على نفسها اسم الدولة الإسلامية وقادتها هم خلفاؤها.
السؤال الذي نطرحه في نهاية هذا الاستعراض هو: لماذا يتم اضطهاد المسلمين في كل منطقة في العالم؟
وفي محاولة للاجتهاد ومراجعة سلوكيات المسلمين أو معظمهم يمكننا أن نشير إلي النقاط التالية :
الأولى: أخفق علماء المسلمين في فهم التعايش بين العرقيات والأديان؛ سواء ما يوصف بالأديان السماوية أو غيرها، وظل كثير ممن يدعون العلم يعيشون في فكر قديم منغلق يعيش في جاهلية ما قبل الإسلام وبداية نشأة الإسلام، ونسوا أن الله أمرهم بالدعوة لله بقوله: "ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، وقوله تعالي: "لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم"، بينما هؤلاء الجهلة من المسلمين وعلمائهم الذين يدعون العلم الديني هم أكثر جهلًا من كفار قريش في الزمن القديم.
فالقرآن الكريم قال: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، وهكذا يمكننا القول بأن العالم بأسره انفض من حول المسلمين وحاربهم بدلا من أن يدافع عنهم، وهذا هو الفارق والهوة العميقة بين مبادئ الإسلام، وبين سلوك معظم المسلمين من العامة، ومن العلماء وأصحاب الفتاوى.
الثانية: إن علماء الإسلام من دول عربية وإسلامية يعانون من بروز الاتجاهات المتطرفة التي ترفض التعايش مع الآخر وتدعو لما تسميه الجهاد ضد الكفار، وهذا فكر عفى عليه الزمن، وخروج البعض بمعنى الجهاد عن حقيقته؛ فالجهاد في الإسلام يكون في حالتين أولاهما حالة الدفاع عن النفس أو الوطن ضد عدو يهاجم بلاده، وثانيتهما حالة جهاد النفس، والذي أطلق عليه الرسول الكريم عندما عاد من إحدى الغزوات أنه عاد من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
بينما علماء المسلمين المتطرفين نسوا المفاهيم الإسلامية الصحيحة وترتب على ذلك وقوع المسلمين في ورطة عالمية كبرى ضد قوى طاغية من الدول غير الإسلامية .وتجاهل بعض المسلمين وبعض علمائهم مبادئ الإسلام وقيمه في العدل تجاه الآخر، والتسامح والتآخي والحرية؛ فشربوا العلقم من نفس الكأس التي استخدموها ضد الآخرين وهذا حال مسلمي الروهنغيا، ومسلمي "داعش" وأمثالهم من الجماعات الجهادية التي تأبى الاعتراف بسلطة الدولة الوطنية، وتناصب قوات الأمن والدفاع العداء، وتدعي أن الله خولها القيام بما تقوم به من فساد؛ حتى أنها ترى في مذهبها الحق الكامل وترفض الاعتراف بالمذاهب والطوائف الأخرى ويفسر بعض أتباعها جماعتهم أو مذهبهم هو الإسلام الذي أنزله الله، ويكفر من لا يساير عقيدتهم أو مذهبهم، والله تعالي رحيم بعباده، ولم يقل رحيم بالمسلمين أو بأصحاب مذهب ما، وفي سورة الكافرون خير دليل على رفض الطعن في عقائد الآخرين، والاعتراف بوجود عقائدهم وأديانهم دون الإيمان بها.