بقلم: د. عماد إسماعيل
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
من إقليم أراكان في ميانمار إلى مختلف الأقاليم في سوريا وقبلهما في أقاليم يوغوسلافيا السابقة ورواندا، وما فات الذاكرة تتناسل المجازر بمختلف هويات الضحايا ومختلف دياناتهم ومذاهبهم وانتماءاتهم العرقية، لكن هوية المجرم تبقى هي ذاتها، وجه كالح لا يملك لإثبات وجوده وشرعيته سوى سلاح القتل وتعذيب ضحاياه أو معارضيه، أو من يحملون هوية غير هويته.
وأمام هول المجازر يفيق ضمير العالم متأخرا أو لا يتحرك أبدا، فهل هناك من يتوقع أن يحال أي مسؤول عن تلك المجازر، إلى أي نوع من المحاكمة، سواء في سوريا وما وقع فيها من مذابح واستخدام أسلحة كيماوية، وكذلك ما تعرض له أبناء ميانمار من الروهنغيا من مجازر ذهب ضحيتها عشرات الآلاف، وفر بسببها ما يقارب من مليون شخص إلى بنغلادش المجاورة فلم يدفع هذا أحدا في العالم للتحرك لوقف تلك الجرائم، صحيح أنه ارتفعت أصوات من هنا وهناك تندد بالانتهاكات الفظيعة بحق هؤلاء المساكين، ولكن معظم الأصوات كانت رد فعل على مشاهد المأساة المتكررة كل ليلة على الشاشات.
وما أن ينتهي المشهد حتى تخفت الأصوات وينتقل الاهتمام إلى مشهد آخر، وجريمة أخرى ربما تكون أقل أو أكثر مأساوية. وعندما يخجل العالم من نفسه ويقرر التحرك يكون قد فات ما فات، واكتملت عناصر الجريمة لكن المجرمين أو أكثرهم يكونون قد أفلتوا من العقاب فحتى المسؤولين، عن جائزة نوبل التي كانت تعتبر مرجعا للقائمين بالأعمال الإنسانية والإبداعات في مختلف المجالات لم يجدوا ما يبرر سحب الجائزة من رئيسة ميانمار أونغ سان سوتشي التي كانت تعتبر ذات يوم رمزا للنضال برغم أن التقرير الأخير عن مأساة الروهنغيا اتهمها بعدم استخدام سلطاتها المعنوية لمنع تلك الانتهاكات وأنها نشرت روايات كاذبة عن أسباب المجازر ومنعت إجراء تحقيق مستقل لتحديد المسؤوليات.
ومن المهم الإشارة إلى أن التحقيق المتأخر في أي جريمة لا يفيد الضحايا، وأقرب مثال الأحكام التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة التي اختتمت أعمالها في نهاية العام الماضي بالحكم على راتكو ميلاديتش المعروف بـ «جزار البلقان» بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بقتل سبعة آلاف من مسلمي البوسنة في مجزرة سربيرينتشا سنة 1995 والمسؤولية عن حصار مدينة سراييفو الذي أدى إلى مقتل أكثر من عشرة آلاف شخص، وقبل ميلاديتش أصدرت المحكمة حكما آخر بسجن رادوفان كاراديتش رئيس ما كان يعرف بجمهورية «صرب البوسنة» بالسجن أربعين عاما، فماذا كانت نتيجة هذه الأحكام؟ هل أعادت الحياة للضحايا؟! وهل منعت ارتكاب جرائم أخرى مثل التي نتحدث عنها ومازالت ترتكب أمامنا؟.
إن هذا السلوك يأتي من قبيل رفع العتب أو إراحة الضمير بل إن قيام المحاكم يبقى خاضعا أيضا لموافقة الدول أو النظام المعنى، كما يبقى محكوما بقرار من مجلس الأمن الدولي، وهو ما يصعب حصوله ضد حكومة ميانمار بسبب وقوف الصين إلى جانبها، ففي حالة صربيا كانت ضغوط الاتحاد الأوروبي عاملا مساعدا لتسليم المطلوبين إلى العدالة، أما في حالة ميانمار فقد رفضت الحكومة الاتهامات مما يعني أنه لن يكون هناك سبيل للوصول إلى المتهمين، وهكذا يصبح تحقيق العدالة محكوما باعتبارات السياسة والمصالح، ويذهب المجرمون أيضا دون أي حساب من المجتمع الدولي.