مقال للناشط الميانماري مونغ زارني
منسق ميانماري لجماعة "تحالف الروهنغيا الحر" وزميل معهد توثيق الإبادة الجماعية في كمبوديا.
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
انطلقت تحركات تاريخية مؤخرا لتفعيل آليات العدالة العالمية لمحاسبة مسؤولي دولة ميانمار المتورطين في جرائم ضد أقلية الروهنغيا المسلمة بإقليم أراكان غربي البلاد.
في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تقدمت دولة غامبيا الواقعة غربي إفريقيا، بدعوى رسمية أمام محكمة العدل الدولية، ضد ميانمار اتهمتها فيها بانتهاك التزاماتها بمراعاة أحكام اتفاقية "منع جرائم الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها".
ولقيت غامبيا دعما كاملا، من 57 دولة في منظمة التعاون الإسلامي، غير أنه من المتوقع أن مثل هذا الدعم في الإجراءات القانونية لن يكون له أي أثر مادي لاحقا.
وقالت غامبيا في عريضة الدعوى إن ميانمار تنتهك بوضوح اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 بطرق متعددة.
ويشار إلى أن ميانمار وغامبيا من بين أكثر من 140 دولة عضو في الأمم المتحدة وقعت تلك المعاهدة، في عامي 1956 و1978، على التوالي.
وتلزم الاتفاقية الدول الموقعة عليها بمنع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها.
وباعتبارها دولة طرف في المعاهدة، تلتزم ميانمار بتطويع قوانينها الوطنية وفقًا لاتفاقية الإبادة الجماعية، وهو أمر فشلت فيه منذ توقيعها على المعاهدة في 14 مارس/ آذار 1956، في انتهاك مباشر لالتزاماتها.
وبشكل ملموس، تبرز الدعوى التي قدمتها غامبيا، نتائج خلصت إليها بعثات تقصي الحقائق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في ميانمار بشأن الإبادة الجماعية ضد الروهنغيا.
وبموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، تلتزم جميع الدول الأطراف في المعاهدة بالسعي لتصحيح أي انتهاكات للمعاهدة من قبل الدول الأعضاء.
وفي واقع الأمر، فإن غامبيا تتصرف وفقًا لهذا الالتزام المحدد في المعاهدة كدولة مسؤولة، رغم أن سياسات وممارسات الإبادة الجماعية في ميانمار ليس لها تأثير مباشر على غامبيا.
والأسبوع الماضي، قال فيليب ساندس، أحد أبرز خبراء الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية بالعالم، في حديث لصحيفة الغارديان إن "محكمة العدل الدولية الحارس النهائي لاتفاقية الإبادة الجماعية الي أُقرت قبل سبعة عقود، لمنع ومعاقبة الأهوال من النوع الذي حدث - وما زال يحدث - في ميانمار".
وتتمثل إحدى أهم المميزات التي تتمتع بها محكمة العدل الدولية، سلطتها في إصدار تدابير "فورية" لمواجهة انتهاكات ميانمار المستمرة بحق الروهنغيا.
وتسعى غامبيا إلى الحصول على تدخلات "فورية" من المحكمة لحماية ما تبقى من الروهنغيا - الذين تقدر الأمم المتحدة عددهم بنحو 600 ألف شخص - يتم احتجازهم داخل معسكرات النازحين داخليا وفي "سجون مفتوحة" شاسعة غربي ميانمار.
كما تطمح غامبيا إلى منع ميانمار من تدمير الأدلة المادية على جرائم الإبادة الجماعية، بما في ذلك المقابر الجماعية، والقرى المتفحمة، فضلا عن الرفات البشرية.
واستنادًا إلى صور الأقمار الصناعية، أثبتت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة أن ميانمار دمرت آلاف من المباني السكنية والدينية والتجارية في نحو 400 قرية، وفيما بعد، قامت ميانمار بتجريف عددا من القرى المحروقة ، وشيدت مبانٍ جديدة محلها، لطمس الأدلة.
ولاحقا دعت زعيمة ميانمار، أونغ سان سو تشي، المستثمرين الأجانب من جميع أنحاء العالم للمجيء والاستثمار في الأراضي التي تم انتزاعها من الروهنغيا، تحت شعار "تنمية أراكان".
وبينما قد تستغرق قضية غامبيا ضد ميانمار عقدًا من الزمان أو أكثر قبل أن تصل محكمة العدل الدولية إلى قرارها النهائي، فإنه من المتوقع أن تنظر المحكمة في طلب غامبيا فيما يتعلق باتخاذ "تدابير مؤقتة" بهدف حماية الـ600 ألف شخص من الروهنغيا المتبقين داخل ميانمار.
وعليه، ستقوم محكمة العدل الدولية "بمحاكمة" ميانمار كدولة طرف في الانتهاكات المزعومة لاتفاقية الإبادة الجماعية.
وعلى هذه النحو، بدأت عجلة العدالة العالمية في التحرك، فعليا، للاقتصاص للروهنغيا، ضحايا الإبادة الجماعية في ميانمار، أملا في أن يمثل الجناة أمام قاعات المحاكم لملاقاة جزاءهم.
ومنذ 25 أغسطس/ آب 2017، تشن القوات المسلحة في ميانمار ومليشيات بوذية، حملة عسكرية ومجازر وحشية ضد الروهنغيا في أراكان.
وأسفرت الجرائم المستمرة منذ ذلك الحين عن مقتل آلاف الروهنغيين، حسب مصادر محلية ودولية متطابقة، فضلا عن لجوء قرابة مليون إلى بنغلادش، وفق الأمم المتحدة.
وتعتبر حكومة ميانمار الروهنغيا "مهاجرين غير نظاميين" من بنغلادش، فيما تصنفهم الأمم المتحدة "الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم".