[caption id="attachment_13629" align="aligncenter" width="300" class=" "] أوباما - «ثين سين»[/caption]
وكالة أنباء أراكان ANA: (واشنطن بوست)
اختار الرئيس أوباما مؤخراً ميانمار (بورما سابقاً) على وجه الخصوص كنموذج لانتصار السياسة الخارجية الأميركية، فتلك الدولة التي عرفت عقوداً من الحكم العسكري بدأت تسعى لإحداث تغيير في نظامها كما أخذت تتجه أيضاً للانفتاح على الغرب، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً للدبلوماسية الأميركية.
وذكر أوباما مؤخراً لطلاب الأكاديمية العسكرية الأميركية «ويست بوينت» أنه إذا ما نجحت ميانمار في التحول «فسنكون قد ربحنا شريكاً جديداً دون أن نطلق رصاصة واحدة». ولكن بعد مرور عامين على زيارة أوباما التاريخية إلى تلك الدولة الواقعة بجنوب شرق آسيا، فإن هذا الإنجاز ما زال حتى الآن يتعرض للخطر.
فقد قامت حكومة ميانمار بتضييق الخناق على وسائل الإعلام. كما ينظر البرلمان في قوانين من شأنها الحد من الحرية الدينية، بينما تظل زعيمة المعارضة «أونج سان سوكي»، التي استقبلت أوباما في منزلها عام 2012، ممنوعة دستورياً من الترشح لمنصب الرئاسة بينما تتأهب البلاد لإجراء انتخابات مصيرية العام المقبل.
ويزداد الوضع سوءاً في المناطق الغربية من ميانمار بشكل خاص، حيث يعيش أكثر من 100 ألف من مسلمي «الروهيجنا» كالسجناء في ظروف بالغة السوء، مع حصولهم على قدر ضئيل من الرعاية الصحية والغذاء. وقد دفعت الأوضاع التي تتدهور بوتيرة سريعة «توماس كوينتانا»، مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان سابقاً، إلى القول في شهر أبريل إن هناك «عنصراً من الإبادة الجماعية» في محنة «الروهيجنا».
وهذه الإخفاقات زادت من المخاطر بالنسبة لزيارة أوباما المقررة في شهر نوفمبر لحضور مؤتمر إقليمي في ميانمار، والتي كانت الإدارة الأميركية تأمل خلاله في عرض التقدم الذي أحرزته تلك الدولة في إطار «إعادة التوازن» الاستراتيجي والتوجه نحو آسيا. والآن، بدأ بعض حلفاء أوباما في الكونجرس «كابيتول هيل» يتساءلون عما إذا كانت الإدارة قد تحركت بسرعة أكثر من اللازم لاحتواء النظام في ميانمار.
وقال النائب الديمقراطي «جوزيف كراولي»، عن ولاية نيويورك، الذي قدم مشروع قانون لربط تقديم المزيد من المساعدات الأميركية بضرورة حدوث إصلاحات وتحسن في مجال حقوق الإنسان: «لدينا التزام أخلاقي على رغم الفوائد السياسية. إننا نرغب في أن نقيم علاقات مع ميانمار ولكن بشرط أن تحترم حقوق الإنسان ومبدأ سيادة القانون».
وربما لم تعد ميانمار تلك الديكتاتورية التي كانت عليها قبل خمس سنوات، حينما كانت لا تسمح بمعارضة علنية أو إجراء انتخابات حرة. وقد أفرجت الحكومة بشكل مشروط عن المئات من السجناء السياسيين، وألغت الرقابة وسمحت بتشكيل برلمان منتخب ديمقراطياً. وذكر متحدث رسمي هناك أن المنتقدين لا يعطون الحكومة أي شيء مقابل إنجازاتها.
ومن ناحية أخرى، قال مسؤولون أميركيون إن أوباما سيوضح للرئيس «ثين سين» أنه يتعين على حكومته معالجة قضايا حقوق الإنسان والسماح بإجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية في عام 2015 إذا ما كانت تريد الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، صرح «توم مالينوفسكي»، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل: «بعد ما وصلت إليه بورما في الثلاث سنوات الأخيرة، فهي الآن تمر بمرحلة صعبة. ولذلك فإن هناك بعض المشاكل الحادة والمخاوف المشروعة حول فرص تحقيق مزيد من المكاسب السياسية والنجاح».
جدير بالذكر أن ميانمار تقع في موقع استراتيجي بين الصين والهند. وبدءاً من عام 1962، ظلت تحكم من قبل أنظمة عسكرية شمولية ووحشية. وقد فرضت الولايات المتحدة عليها عقوبات اقتصادية شديدة بعد قيام الجيش هناك بقتل الآلاف خلال انتفاضة للطلاب في عام 1988.
ولكن بحلول عام 2010، بدأت إدارة أوباما في التقاط إشارات على أن جنرالات ميانمار باتوا يتطلعون إلى الانفتاح على العالم والابتعاد عن علاقاتهم الوثيقة مع الصين وكوريا الشمالية. وقد أفرج الجنرالات عن «سوكي» -التي حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 1991 نظير نضالها المؤيد للديمقراطية- وتخلصت بذلك من الإقامة الجبرية.
وفي عام 2011 «كانت احتمالات تحقيق تقدم أفضل مما كانت عليه في أي وقت سابق منذ عقود»، كما جاء في مذكرات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، التي وردت في كتابها «الخيارات الصعبة» حيث خصصت فيه فصلاً كاملاً للحديث عن ميانمار، وقالت إن «تلك الأيام الأولى من التقدم المتذبذب والأمل غير المؤكد تظل نقطة مهمة من عملي كوزيرة للخارجية».
وبدأت وزارة الخارجية الأميركية في سياسة مكافأة الإصلاحات التي تجريها الحكومة البورمية من خلال تخفيف تدريجي للعقوبات المفروضة عليها.
وعقب زيارة كلينتون إلى ميانمار في عام 2011، تم انتخاب «سوكي» كعضوة في البرلمان، وأصبح أوباما أيضاً هو أول رئيس أميركي يزور تلك الدولة.
ومنذ ذلك الحين، شهدت التحولات تغيراً سريعاً. ولكن تظل تلك الدولة التي يبلغ تعداد سكانها أكثر من 55 مليون نسمة، واحداً من أفقر البلدان في العالم. كما تتفوق هناك الاستثمارات الصينية بكثير عن مثيلتها الأميركية التي تبلغ قيمتها حوالي 14 مليون دولار مقابل 243 مليون دولار للاستثمارات الصينية. ولا تجد الشركات الغربية ما يشجعها على الاستثمار في ميانمار، نظراً لمشاكل البنية التحتية التي تعاني منها البلاد والافتقار إلى العمالة المؤهلة.
ولكن على رغم الانفتاح السياسي، ما زال الجيش البورمي يحتفظ بسلطة غير عادية في ظل دستور يضمن للقوات المسلحة ربع مقاعد البرلمان ويحتفظ بالوزارات السيادية للضباط دون غيرهم.
ويشعر نشطاء حقوق الإنسان في بورما والعالم الخارجي بالقلق من تباطؤ وتيرة التقدم الذي تحرزه الحكومة نحو الديمقراطية، أو أن تكون قد عكست هذا المسار من الأساس.
ففي عام 2012، تعهد الرئيس «ثين سين» لأوباما بتنفيذ 11 التزاماً في مجال الإصلاحات الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، ولكنه لم ينفذ منها سوى القليل. وفي الوقت نفسه، بات الوضع السياسي في البلاد معقداً بسبب صعود حركة القوميين البوذيين الذين ربما بدأوا يشعرون بمزيد من الحرية للعمل في بيئة أقل قمعاً.