وكالة أنباء أراكان ANA: (العرب)
غريب أن يظهر رهبان بوذيون أمام الجماهير، ووسائل إعلام مختلفة يحرّضون على اجتثاث المسلمين من بلادهم التي لا يعرفون غيرها (ميانمار أو بورما) إبان ما كتب جورج أورويل روايته “أيام بورمية”.
أن يظهر الرهبان بلباسهم الكهنوتي الأصفر على ذلك النحو العدواني، وقد سبق لهؤلاء أن قادوا حركات الإبادة والتطهير فعلا وقولا، يذكّر بأولئك القساوسة الإسبان الذين قادوا حركات إبادة كاسرة ضد شعوب أميركا اللاتينية الأصلية، في بداية ما عرف بالاكتشافات الأوروبية.
على شاكلة تلك النزعة الإبادية تجاه الآخر، المسلم، المتهم بالكراهية القادمة من صلب معتقده والمتهم بالإرهاب، يرغم على العيش ذليلا حيث كان ضعيفا وأقلويا مستسلما مثلما هو عليه في ميانمار.
أن يكون رهبان البوذا على هذا السياق وليس العسكر وغلاة التطرف من كل الأنحاء والاتجاهات، فذلك شيء مرعب وبالغ الفظاعة.
لطالما اعتقدت، أنا الذي أعرف بعض البلاد البوذية نسبيا على صعيد القراءة والمشاهدة، أنّ البوذيّة في أصولها التأملية الفلسفية عميقة الغور في طرحها، ومسائلة الوجود والعدم منذ “البوذا”، وحتى لدى مريديه اللاحقين وإن اتسموا بتسطيح الرؤى الكبرى وتبسيطها.
طالما اعتقدت أنها الأكثر تسامحا وانفتاحا إنسانيا بين المذاهب والأديان الآسيوية وغيرها، وهي التي قامت كثورة تصحيحية على الهندوسية وتعصبها ونظامها الطبقي المنغلق الذي يفضي إلى تبرير الظلم والاستغلال الفادح بين فئات المجتمع الواحد.
وحتى في الفترات الأخيرة التي شهدت تناحرا بين مذاهب ومعتقدات في الهند وغيرها نجد البوذيين بمنأى عن هذا التناحر الدموي.
منذ فترة أيضا قررت “تايلندا البوذية”، التي تضم نسبة كبيرة من المسلمين ربما تصل إلى 25 بالمئة من مجموع السكان، ترحيل 100 ألف من المسلمين الفارين من مذابح جارتها ميانمار؛ أي إعادتهم إلى التنكيل والقتل.
ما الذي يحصل على صعيد هذه الإنسانية، التي من المفترض أن تدفع بمكاسبها الأخلاقية والروحية إلى درجات أفضل وأسمى في مسار هذا التطور الحزين!؟ وأين ذلك التقريض والمديح الطافح بالغنائية للسلام البوذي، وهدوئه الروحي وطقوسه النازعة إلى الأثرة والمحبة للبشرية جمعاء من غير حواجز ولا حدود؟